غداة دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي النخب السياسية والاقتصادية التي غادرت البلاد بالعودة، وتوعّده بـ"استخلاص نتائج جادة" في حال عدم استماع النخب لهذا النداء، أعلن المكتب الصحافي لأغنى أغنياء أوكرانيا رينات أحمدوف أنه سيعود إلى مدينة ماريوبول الأوكرانية، اليوم الأربعاء، بعدما غادر البلاد في نهاية الشهر الماضي.
وعلى خطى الدبلوماسيين والعسكريين الأجانب، تسارعت في الأيام الأخيرة وتيرة مغادرة رجال الأعمال الأوكرانيين البلاد جماعياً، على خلفية تحديد مصادر أميركية يوم 16 فبراير/ شباط موعداً للغزو الروسي المفترض.
وذكرت صحيفة "أوكرانسكا برافدا" أنه في 13 فبراير، أي يوم الأحد الماضي، غادرت حوالي 20 رحلة طيران وطائرات خاصة كييف، يُعتقد أنها كانت تقلّ أصحاب المليارات وعائلاتهم إضافة إلى عائلات بعض السياسيين.
فرار رجال أعمال ونخب
وكشفت وسائل إعلام أوكرانية أن معظم رجال الأعمال الأوكرانيين المدرجين ضمن قائمة أغنى 100 رجل أعمال في البلاد غادروا في الشهر الماضي، وأن بعضهم قرر عدم العودة من عطلة الميلاد ورأس السنة.
وذكر موقع "سترانا أوكرانيا" أن رجل الأعمال فاسيلي خميلنيتسكي (يحتل المركز 29 في قائمة فوربس أوكرانيا بثروة تُقدّر بـ310 ملايين دولار)، وفاديم ستولار (المركز 64 في القائمة بثروة تبلغ 175 مليوناً)، وأندريه ستافنيتسر (المركز 49 بثروة تبلغ 245 مليون دولار)، المقرب من أندري يرماك رئيس ديوان زيلينسكي، غادروا كييف يوم الأحد الماضي.
وأكد الموقع أن فاديم نوفينسكي، صاحب المركز الثامن في قائمة فوربس أوكرانيا بثروة تبلغ 1.4 مليار دولار، وألكسندر ياروسلافسكي، صاحب المركز التاسع في القائمة بثروة تبلغ 820 مليون دولار، غادرا أيضاً على متن طائرتين خاصتين.
ومعلوم أن رينات أحمدوف يتصدر قائمة فوربس أوكرانيا بثروة تبلغ 7.6 مليارات دولار، وفيكتور بينتشوك، صاحب المركز الثاني في القائمة بثروة تبلغ 2.5 مليار دولار، غادرا البلاد سابقاً.
أعلن أغنى أغنياء أوكرانيا رينات أحمدوف عن عودته إلى البلاد
وبالإضافة إلى لعنة الجغرافيا بين روسيا والغرب، كشفت العقود الثلاثة من عمر الجمهورية السوفييتية السابقة، أنها ابتُليت بنخب اقتصادية وسياسية ساهمت في تعميق أزماتها وتعطيل بناء دولة قوية، على الرغم من المقدرات الطبيعية والبشرية الهائلة.
وفضّلت تلك النخب مصالحها شرقاً أو غرباً، من دون النظر إلى المصالح الوطنية.
وهو ما كشفت عنه الانقلابات في السياسة الخارجية بين تسعينيات القرن الماضي والعام الحالي.
ودفع هروب النخب الاقتصادية والسياسية من البلاد الكثير من المعلقين في البلاد إلى استهجان تعامل النخب مع أوكرانيا، وكأنها مكان مؤقت للإقامة وجمع الثروات، وأعادوا التذكير بعبارة انتشرت في التسعينيات وهي: "إلى آخر المغادرين، لا تنسَ إطفاء الضوء في كييف".
وفي مواجهة الضغوط القوية التي تتعرض لها أوكرانيا، وحالة الفزع التي أججتها التحركات الروسية، والتصريحات الأميركية المتخبطة وتحديد موعد الغزو، أعلن زيلينسكي، يوم الغزو المفترض، اليوم الأربعاء، يوماً لـ"وحدة الأوكرانيين".
ودعا رجال الأعمال والسياسيين الذين غادروا البلاد إلى العودة خلال 24 ساعة، ملوّحاً بأنه توصل إلى "استخلاص نتائج جادة"، وبدا حريصاً على الظهور مع زوجته وأولاده.
وحسب مرسوم رئاسي "بشأن الإجراءات العاجلة لتوحيد المجتمع الأوكراني"، أصدر زيلينسكي، مساء أول من أمس الإثنين، تعليماته برفع علم الدولة على المنازل والمباني في جميع أنحاء البلاد في 16 فبراير، وعزف النشيد الوطني عند الساعة العاشرة صباحاً.
كما أصدر الرئيس تعليماته للمؤسسات الدبلوماسية الأوكرانية بعقد فعاليات في الدول المضيفة تهدف إلى توحيد أوكرانيا ودعمها.
وخاطب زيلينسكي "جميع ممثلي الدولة وموظفي الخدمة المدنية ونواب الشعب من جميع المستويات"، قائلاً: "لقد عهد إليكم شعب أوكرانيا ليس فقط بإدارة الدولة، ولكن أيضاً بحمايتها، ومن واجبكم المباشر في مثل هذه الحالة أن تكونوا معنا، مع الشعب الأوكراني"، مشدّداً على "الوقوف جنباً إلى جنب مع الجيش الأوكراني، ومع دبلوماسيينا، ومع شعبنا"، في محاولة لوقف "الهجرة الجماعية" التي تصاعدت وتيرتها على "أنغام التصريحات الأميركية" حول غزو روسي وشيك.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز في كييف، أول من أمس الإثنين، أشار زيلينسكي إلى أن "نواب بعض الأحزاب" الأوكرانية موجودون الآن في الخارج.
ووصف الأمر بأنه "تحدّ خطير"، معتبراً أنه "ليس من الأمانة القول إننا وطنيون، ثم ننقل مكاتبنا وأعمالنا إلى لفيف، أو وارسو، أو جمهورية التشيك، أو الولايات المتحدة"، ورأى أن من اختاروا مغادرة البلاد غير صادقين في وطنيتهم أو أنهم "وطنيون في بلد آخر".
وشدّد الرئيس الأوكراني على ضرورة عودة النواب المغادرين وعائلاتهم وعائلات السياسيين في أسرع وقت.
ظلّ الرئيس السابق بوروشينكو في أوكرانيا
وتسببت التقارير الإعلامية عن مغادرة سياسيين ورجال أعمال أوكرانيين البلاد في حالة من الهرج والمرج على شبكات التواصل الاجتماعي وانتشرت أنباء عن إصدار قيادة حزب "خادم الشعب"، الذي يقوده زيلينسكي، حظراً خاصاً على مغادرة نواب الحزب أوكرانيا، فضلاً عن مطالبة من هم في الخارج بالعودة في أقرب وقت ممكن.
ومن غير المستبعد أن بعض الأخبار المتداولة ربما تكون في إطار خطة روسية من أجل إضعاف عزيمة الأوكرانيين وتفريق صفوفهم، ودفعهم إلى عدم الثقة بالنخب السياسية الحاكمة.
وفي مقابل "النزوح الكبير" لرجال الأعمال، لم يغادر قطبان مهمان في السياسة والمال في أوكرانيا البلاد. القطب الأول هو الرئيس السابق، رجل الأعمال بيترو بوروشينكو، صاحب المركز السابع في قائمة فوربس أوكرانيا بثروة تبلغ 1.6 مليار دولار، والذي يحاكم بتهم تتعلق بالخيانة العظمى.
أما القطب الثاني فهو إيغور كولومويسكي، صاحب المركز الرابع في القائمة بثروة تبلغ 1.8 مليار دولار، وهو مطلوب من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، ما يفسر عدم إسراعه إلى اللحاق بركب المتجهين غرباً، خوفاً من تسليمه إلى واشنطن.
لم يفرّ بوروشينكو وكولومويسكي من كييف
وعلى وقع أنباء الغزو المفترض، اليوم الأربعاء، ألغت معظم شركات الطيران العالمية والغربية رحلاتها الجوية إلى أوكرانيا، وأعلنت بعض شركات التأمين عن عدم قدرتها على تأمين الرحلات الجوية فوق أوكرانيا.
وبعد انتشار صور جوية كشفت عن عدم خلو سماء البلاد من الطائرات الخاصة والتجارية المنتظمة، قررت الحكومة الأوكرانية، الأحد الماضي، إنشاء صندوق خاص لضمان سلامة الطيران في المجال الجوي للبلاد.
وأفاد مجلس الوزراء الأوكراني في بيان، بأنه "سيتم الاحتفاظ بالأموال في حساب ضمان منفصل لوزارة البنية التحتية في أوكرانيا، وإذا لزم الأمر، سيتم استخدامها لضمان سلامة الرحلات الجوية في أوكرانيا لشركات التأمين وشركات إعادة التأمين وشركات التأجير وشركات النقل الجوي".
وأكد أنه "من دون هذا الإجراء، كان من الممكن أن تكون السماء فوق أوكرانيا قد أغلقت بالفعل يوم الإثنين" الماضي.