أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أمس الأربعاء، أمراً بمواجهة الحكومة الإقليمية في إقليم تيغراي، شمالي البلاد، وأعلنت أديس أبابا حال الطوارئ في الإقليم لمدة ستة أشهر، بعدما اتهمت "جبهة تحرير شعب تيغراي"، بشنّ هجوم على القوات الاتحادية. ويأتي هذا التطور، الذي قد يدخل البلاد مجدداً في حرب داخلية دموية، تتويجاً لسلسلة متواصلة من النزاعات الداخلية المتزايدة، ولمسار من التصعيد بين أديس أبابا والإقليم، لاسيما على خلفية الانتخابات المحلية التي أجريت في تيغراي في سبتمبر/أيلول الماضي، واعتبرتها حكومة آبي أحمد غير قانونية. لكن هذا التطور يعكس أيضاً فشل رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي وصل إلى السلطة في العام 2018، وحاز على جائزة نوبل للسلام، في تحويل الدولة إلى ديمقراطية جامعة. كما يعكس مدى المقاومة لخططه الإصلاحية، والتي ترتبط بحدة الصراعات الإثنية. وكان قد سبق تصعيد تيغراي هجوم دموي راح ضحيته عشرات القتلى من إثنية الأمهرة في منطقة أوروميا، على يد جيش تحرير أورومو، بحسب السلطات. على الصعيد الخارجي، قد يرسل أي تصعيد عسكري واسع في إثيوبيا موجة صدمة عبر القرن الأفريقي وما وراءه، ويلقي بظلاله سلبياً على الاهتمام الدولي المتصاعد بالاقتصاد الواعد لهذه الدولة، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث الكثافة السكانية. ويأتي ذلك فيما لا تزال إثيوبيا تواجه مفاوضات متعثرة مع كل من مصر والسودان حول سد النهضة، وتداعيات صعبة لأزمة كورونا، وظاهرة نزوح داخلي فاقمتها موجة جفاف. ويشكل التيغراي 6 في المائة من سكان البلاد، ولكنهم منذ أن فقدوا السلطة، يواصلون اتهام آبي أحمد بتهميشهم. كما أن ميولاً للانفصال لا تنفك تصدر عن بعض وجوههم السياسية.
آبي أحمد: جبهة تحرير تيغراي تجاوزت الخط الأحمر
وأعلنت إثيوبيا، أمس، حال الطوارئ في إقليم تيغراي، بعدما أمر آبي أحمد الجيش بمواجهة الحكومة الإقليمية، قائلاً إنها نفذت هجوماً مميتاً على قاعدة عسكرية خلال الليل، مؤكداً أن "الخط الأحمر الأخير قد تم تجاوزه"، مع ما تردد عن هجوم شنته "جبهة تحرير شعب تيغراي" المسلحة جيداً. ولم تعرف طبيعة الرد العسكري الحكومي، كما لم يكن واضحاً شكل الهجوم الذي اتهمت أديس أبابا الإقليم بشنّه. وأعلنت حكومة تيغراي انشقاقاً داخل قوات الجيش في شمال البلاد، نفته أديس أبابا. وجاء في بيان لمجلس الوزراء الاتحادي، أن "الأنشطة غير القانونية والعنيفة داخل ولاية تيغراي الوطنية الإقليمية، تعرض للخطر الدستور والنظام الدستوري والسلام والأمن العامين، وتهدد بشكل خاص سيادة البلاد".
واتهم آبي أحمد "جبهة تحرير شعب تيغراي"، الحزب الحاكم في تيغراي، بـ"مهاجمة قاعدة عسكرية فيدرالية". وقال في رسالة نشرها على موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، إن "جبهة تحرير شعب تيغراي هاجمت معسكراً للجيش في تيغراي"، مضيفاً أن "قواتنا الدفاعية تلقت الأمر بالقيام بمهمتها، إنقاذ الأمة، وقد تمّ تجاوز المرحلة الأخيرة من الخط الأحمر". وقالت المتحدثة باسم رئيس الوزراء بيلين سيوم ، إن عمليات عسكرية بدأت في الإقليم، من دون الكشف عن تفاصيلها. ولاحقاً، أعلن آبي أحمد عبر التلفزيون الرسمي أن "القوات غير الموالية" انقلبت على الجيش في ميكيلي، عاصمة تيغراي، وبلدة دانشا، غرب المنطقة، مضيفاً أن قوات الأمن صدّت الهجوم على دنشا في منطقة أمهرة، المتاخمة لجنوب تيغراي، وموضحاً أن الهجوم تسبب بسقوط "العديد من القتلى والجرحى، وبأضرار مادية". واتهم مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي "جبهة تحرير شعب تيغراي" بأنها ألبست عناصرها بزّات عسكرية مثل تلك التي يرتديها جنود الجيش الإريتري لـ"توريط الحكومة الإريترية في مزاعم كاذبة بالعدوان على شعب تيغراي". من جهتها، قالت حكومة إقليم تيغراي إن قيادة وجنود قيادة الشمال المتمركزة في ميكيلي "قرروا الوقوف إلى جانب شعب تيغراي والحكومة الإقليمية"، وذلك في بيان نشرته وسائل إعلام محلية. وقال الموقع الالكتروني "نيتبلوكس" الذي يراقب عمليات قطع الإنترنت، إن الشبكة قطعت على ما يبدو في المنطقة اعتباراً من الساعة الواحدة بالتوقيت المحلي.
وكان التوتر قد تصاعد أخيراً بين أديس أبابا وتيغراي، خلال الأيام الماضية، وسط اتهامات متبادلة بالتحضير لعمل عسكري. وجاء ذلك بعدما رفض قادة الإقليم، الذين هيمنوا على السياسة الوطنية لـ30 عاماً قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، قراراً سابقاً للحكومة الاتحادية بتمديد البرلمان الفيدرالي لولاية النواب، الوطنيين والمحليين، بسبب ظروف جائحة كورونا، وقرّروا تنظيم انتخابات في منطقتهم في سبتمبر/أيلول الماضي. ومنذ ذلك الحين، يعتبر كل معسكر المعسكر الآخر غير شرعي. وصوّت أعضاء مجلس الشيوخ الإثيوبي في أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لمصلحة قطع الاتصالات والتمويل بين السلطات الفيدرالية والمسؤولين في تيغراي. وفي إطار هذا التوتر، فُرضت عمليات مراقبة على الطواقم والمعدات العسكرية في تيغراي. من جهتها، منعت "جبهة تحرير شعب تيغراي" يوم الجمعة الماضي، جنرالاً عيّنته أديس أبابا من تولي منصبه في المنطقة، ما دفعه للعودة إلى أديس أبابا بعدما تم إبلاغه بأن "تعيينه لا يعتبر شرعياً". وقال رئيس إقليم تيغراي، دبرصيون جبراميكائيل، خلال مؤتمر صحافي يوم الإثنين الماضي، إن حكومة أبي أحمد تخطط لمهاجمة المنطقة لمعاقبتها على إجراء انتخابات سبتمبر.
يضم إقليم تيغراي جزءاً كبيراً من الأفراد والمعدات العسكرية للدولة الفيدرالية
ويضم إقليم تيغراي جزءاً كبيراً من الأفراد والمعدات العسكرية للدولة الفيدرالية، إرث الحرب التي وقعت من 1998 إلى 2000 بين إثيوبيا وإريتريا الواقعة على حدود الإقليم. وكشف تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر الأسبوع الماضي أن المنطقة تضم "أكثر من نصف مجمل أفراد القوات المسلحة والفرق المؤللة" في البلاد، محذرة من احتمال وقوع "نزاع مدمر قد يمزق الدولة الإثيوبية". لكن مسؤولين في تيغراي أكدوا أخيراً أنهم لن يبدأوا نزاعاً عسكرياً. وقال المسؤول البارز في "جبهة تحرير شعب تيغراي"، غيتاتشو رضا، بحسب ما نقلت عنه وكالة "فرانس برس" الأسبوع الماضي، "إننا لن نكون أول من يطلق النار ولا أول من يفشل". وقبل ساعات من إعلان رئيس الوزراء، قال المسؤول الكبير في تيغراي، وونديمو أسامنيو، للوكالة ذاتها، إن الحكومة الفيدرالية تحشد القوات على الحدود الجنوبية لتيغراي، معرباً عن اعتقاده أنه "عندما يتعلق الأمر بالتعبئة العسكرية، فهذا ليس لعب أطفال. هذا يمكن أن يطلق حرباً شاملة"، مؤكداً أن "ما يفعلونه هو لعب بالنار". وأضاف أنه "يمكن أن يحدث أي شيء في أي وقت. شرارة صغيرة يمكن أن تشعل المنطقة بأكملها، لذلك أعتقد أننا في حالة تأهب قصوى، ويمكنني أن أؤكد أننا قادرون على الدفاع عن أنفسنا".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)