مع تفاقم حدة الخلافات السياسية في الصومال تزداد التحديات الأمنية، خصوصاً بعد أن أقر البرلمان أخيراً قانوناً قضى ببدء التحضير لإجراء انتخابات مباشرة في غضون عامين، بعد توقيعه من قبل الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو. وهو القانون الذي حمل في فقرته الخامسة بنداً يمدد ولاية البرلمان والرئاسة تلقائياً، في خطوة استنكرتها الأوساط السياسية الداخلية والمانحون الدوليون، وسط تحذيرات من أن تؤجج النزاع السياسي والمخاطر الأمنية في البلاد. وفجّر الوضع السياسي المتأزم مشكلة أمنية جديدة إثر إقالة مدير شرطة مقديشو الجنرال صادق عمر حسن، الإثنين الماضي من قبل رئيس الشرطة الصومالية الجنرال عبدي حسن محمد حجار، بعد عرقلة الأول جلسة البرلمان لمنع تمديد ولاية الرئيس والمؤسسة التشريعية. إلا أن الأمر لم يقف عند حدود الإقالة، إذ أعقبها اتباع بروتوكول حجب رتبة حسن (الجنرال) من قبل الرئيس محمد عبد الله فرماجو، من دون إخضاعه للوائح القانونية والإجراءات العقابية المعمول بها في محاسبة أفراد الشرطة ممن يثبت تورطهم بـ"عدم الانصياع للأوامر العسكرية داخل مؤسسة الشرطة". وعاد حسن إلى منطقة شيركلي غرب العاصمة مقديشو، حيث منزله الذي يتولى حراسته عناصر شرطة ومسلحون موالون له انضم إليهم مقاتلون عشائريون بحسب قول أفراد أسرته وسكان في المنطقة. وقال شهود عيان إن إطلاق نار دوى في وقت متأخر أول من أمس الجمعة عندما اقتربت قوات حكومية من منزل قائد شرطة العاصمة السابق، لتكشف تلك المواجهة عن انقسامات في قوات الأمن الصومالية تنطوي على خطر صدام داخلي يمكن أن يمثل فرصة تستغلها حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم القاعدة.
قوات الحكومة تشتبك مع أنصار قائد الشرطة المعزول صادق عمر حسن
وفي نشرة إعلامية صدرت أمس السبت، قالت مجموعة الأزمات الدولية وهي مركز أبحاث يتخذ من بروكسل مقراً له: "دخلت الأزمة السياسية المستمرة منذ فترة طويلة في الصومال مرحلة جديدة خطيرة". وأضافت: "يتردد أن المعارضة تبحث تشكيل حكومة موازية، واتسعت الشروخ في جهاز أمني مقسم منذ وقت طويل على أسس عشائرية وتعهد معارضو الرئيس بمقاومة تمديد ولايته".
وفي 15 إبريل/نيسان الحالي، انتشرت وحدات عسكرية في الشوارع المحاذية لمنطقة شيركلي السكنية التي يتواجد فيها حسن، وهو ما زاد المخاوف من حدوث مواجهات داخل المنطقة المكتظة بالسكان. لكن وساطة من قبل رئيس ولاية جلمدغ، أحمد قرقور، مع رئيس الحكومة الصومالية محمد حسين روبلي، أدت إلى إعادة القوات الأمنية إلى مقارها. لكن المخاوف تجددت عقب اقتراب قوات أمنية من الشرطة والجيش ليل أول من أمس الجمعة، من منزل حسن، حيث وقعت مواجهات محدودة بين هذه القوات والقوات الموالية لحسن، ما أسفر عن مقتل امرأة كانت تلوذ بالفرار من منزلها. وعاد الهدوء لاحقاً بعدما انسحبت قوات الشرطة والجيش من شيركلي نحو مقارها، لكن بعض سكان المنطقة نظموا تظاهرات في الشوارع تأييداً لحسن ورددوا هتافات ضد الرئيس. ويرجع كثيرون سبب ملاحقة الشرطة لحسن لـ"رفضه أوامر حكومية"، فضلاً عن رفضه لقرار إقالته من قبل رئيس الشرطة ونزع ترقيته من قبل فرماجو.
من جهته، قال وزير الأمن حسن حندبي، في مؤتمر صحافي ليل الجمعة، إنّ الحكومة الصومالية "لا تنوي الهجوم على الجنرال صادق عمر حسن، ولا تريد أن تؤجج صراعاً مسلحاً في العاصمة". ودعا إلى "الكف عن التصريحات المحرضة على العنف"، والتي صدرت عن نواب في البرلمان ينحدرون من قبيلة حسن، و"عدم تفكيك عناصر الجيش الصومالي إلى قبائل، واستخدامه لأجندات سياسية ودعائية".
وكانت شهدت منطقة شيركلي موجة نزوح بعد وصول عشرات المدرعات العسكرية وقوات من الشرطة التي تتبع حسن إلى المنطقة، في مقابل وصول تعزيزات عسكرية أخرى من الجيش والشرطة الصومالية التي تحاول القبض على الجنرال المعزول.
وفي السياق، قالت المواطنة الصومالية التي تسكن في شيركلي، ديقة علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنها فرّت من منزلها بعد بدء المواجهات في المنطقة، معربة عن قلقها من تدهور الوضع بشكل أكبر. وأوضحت أنّ "هناك أسرا بقيت في منازلها، خشية تعرضها للسرقة". وقالت علي إنّ "عناصر أمنية تطرق أبواب منازل السكان، وتبلغهم بأن هناك خطرا أمنيا يداهمهم، وتأمرهم بإخلاء منازلهم حتى لا يصابوا بأذى بسبب المواجهات المرتقبة".
التوصّل إلى اتفاق بين الشركاء السياسيين في البلاد، سينعكس إيجاباً على الوضع السياسي والأمني
بدورها، قالت مواطنة أخرى تدعى حليمة أشرف، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أسراً نزحت من منطقة شيركلي، هرباً من المواجهات بين أفراد الشرطة"، مشيرةً إلى أن "امرأة قتلت وأصيب رجل بجروح بسبب الرصاص الطائش". وشاهد سكان صباح أمس خنادق حفرتها القوات الأمنية التي تتبع حسن داخل المنطقة التي يتواجد فيها الأخير وخارجها. وقد أدت عملية حفر تلك الخنادق إلى توقف خدمة المياه بسبب أضرار لحقت بالأنابيب.
ويرى محللون أنّ التدهور السياسي في البلاد، خصوصاً بعد فشل الاجتماعات التمهيدية بين فرماجو وقادة الأقاليم، لعقد مؤتمر بهدف الاتفاق على آلية لإجراء الانتخابات وإنهاء التوترات السياسية، مطلع إبريل /نيسان الحالي، ينعكس سلباً على الوضع الأمني. وهو ما بات أمراً واقعاً بعد تمرير البرلمان قانون تمديد ولايته وولاية الرئيس لعامين، الأمر الذي اعتبرته الأوساط السياسية المحلية المعارضة، قفزاً فوق القانون، ومنحى خطيراً نحو تكريس نظام غير ديمقراطي.
وفي السياق، قال الصحافي، عدنان عبدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "التوصّل إلى اتفاق بين الشركاء السياسيين في البلاد، وخصوصاً بين فرماجو ورئيسي إقليمي بونتلاند سعيد عبدالله دني، وجوبالاند أحمد إسلام مدوبي، سينعكس إيجاباً على الوضع السياسي والأمني في البلاد". وأضاف أنّ "الفشل السياسي الراهن لا يخدم مصلحة الصومال، وربما ستكون له عواقب وخيمة، كما أنه يؤجّل عجلة تعافي البلاد وتقدمها نحو الأمام، وينال من مكتسبات الاستقرار، بعد عقود عاشها الصومال في أوضاع سياسية وأمنية معقدة".
من جهته، قال المحلل السياسي نور محمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المخاوف من اندلاع مواجهات عسكرية حالياً، تعكس مدى تأزم الوضع السياسي في البلاد، وانسداد أفق المصالحة السياسية"، معتبراً أنّ "المخاوف ستبقى قائمة، بل ستتطور إلى مواجهات مسلحة فعلاً، ما لم تتوصل الأطراف المختلفة لحل سياسي يبدد تلك المخاوف". وأضاف محمد، أنّ "هناك عوامل عدة أدت إلى المخاوف الأمنية الراهنة، منها إخفاق الحكومة ورؤساء الولايات في التوصل إلى حل سياسي وفق مخرجات المؤتمر التشاوري في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، ومصادقة البرلمان على مشروع قانون انتخابات مباشرة خلال عامين، إلى جانب رأي المعارضة السياسية التي دعت إلى مواجهة الرئيس فرماجو الذي اتهمته بالانقلاب على الشرعية".
تتخوف الحكومة الصومالية من استغلال حركة "الشباب" التوتر السياسي، وزيادة هجماتها خلال شهر رمضان الحالي
في هذه الأثناء، تتخوف الحكومة الصومالية من استغلال حركة "الشباب" التوتر السياسي، وزيادة هجماتها خلال شهر رمضان الحالي. إذ ركزت الحكومة الفيدرالية في اجتماعها الأخير يوم الخميس الماضي، على مضاعفة جهودها الأمنية للحدّ من التوترات الأمنية وإحباط مخططات حركة "الشباب" التي غالباً ما تنفذ هجمات دموية في مقديشو خلال رمضان. ودعا نائب رئيس الحكومة الفيدرالية، مهدي جوليد، الأجهزة الأمنية إلى تعزيز قدراتها العسكرية للحفاظ على أمن المواطنين في هذا الشهر.
وفي هذا الإطار، قال العسكري المتقاعد، شريف حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "حركة الشباب تضاعف هجماتها عادة في شهر رمضان، في حين أن الأجهزة الأمنية الصومالية تعاني ضعفاً في التنسيق في ما بينها، وهو ما يعطي فرصة لحركة الشباب لتنفيذ هجماتها، لا سيما في ظل غياب استراتيجية أمنية لحماية أمن العاصمة". وأوضح أنّ "الإستراتيجية الوحيدة التي تلجأ إليها الأجهزة الأمنية لحفظ الأمن، هي إغلاق شوارع مقديشو بالحواجز الإسمنتية، وعرقلة حركة تنقل المواطنين، بين المناطق الجنوبية والشرقية من العاصمة".
ووفق متابعين، فإنّ خطة قطع شوارع العاصمة بالحواجز الإسمنتية لها انعكاسات سلبية على المجتمع، وخصوصاً على أصحاب الدخل المحدود، الذين يعملون في نقل البضائع من منطقة إلى أخرى، كما أن هذا الإجراء يقف عائقاً بوجه الكثير من المواطنين الساعين للوصول إلى وجهاتهم بحثاً عن أرزاقهم، وهو ما يشل حركة الاقتصاد التي تنتعش في رمضان.
وبينما تعيش مقديشو في الفترة الراهنة حالة من الغليان السياسي ومخاوف من تجدد دوامة العنف في المدينة، ليس فقط بين الحكومة الصومالية وحركة "الشباب"، بل بين الأجهزة الأمنية نفسها، تحتضن العاصمة في الأيام المقبلة مؤتمراً عشائرياً بين مكونات قبائل الهوية (إحدى أكبر القبائل الصومالية) القاطنة في الجنوب، من أجل التباحث في القضايا السياسية والأمنية في البلاد.