نشاط أميركي في ليبيا: تحركات لمواجهة النفوذ الروسي

01 ابريل 2024
استأنف نورلاند لقاءاته مع مسؤولين ليبيين (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- النشاط الأميركي في ليبيا يتعزز في المجالين الدبلوماسي والأمني، مع خطط لإعادة فتح السفارة الأميركية وتجديد اللقاءات بين المبعوث الأميركي والمسؤولين الليبيين لمناقشة المستجدات والحاجة لحوار سياسي.
- شركة "أمنتوم" الأميركية تعمل على إصلاح القطاع الأمني في ليبيا بالتعاون مع حكومة الوحدة الوطنية، تشمل الجهود دمج المجموعات المسلحة وتقوية المؤسسة العسكرية.
- الولايات المتحدة تنتظر موافقة الكونغرس لاستئناف النشاط الدبلوماسي وإعادة فتح السفارة في طرابلس، في خطوة لمواجهة النفوذ الروسي وتعزيز الوجود الأميركي لحماية المصالح الأمنية الطويلة الأمد.

يتجه النشاط الأميركي في ليبيا، والذي بدأ يستعيد زخمه منذ عدة أشهر، إلى مرحلة جديدة، عنوانها الأساسي تعزيز فاعليته، خصوصاً في المجالين الدبلوماسي والأمني، في ظل التخطيط لاستئناف عمل السفارة الأميركية في ليبيا.

واستأنف المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، في مارس/آذار الماضي، لقاءاته مع عدد من المسؤولين في طرابلس، بينهم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، فضلاً عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، لمناقشة المستجدات السياسية والاقتصادية، والحاجة إلى ضرورة حوار سياسي من أجل تجاوز الخلافات، التي شكلت عقبة أمام إجراء الانتخابات والحاجة إلى إنهاء الانقسام الحكومي.

وجاءت اجتماعات نورلاند بعد سلسلة لقاءات أجراها الملحق العسكري في السفارة الأميركية لدى ليبيا مارك أمبلوم ومساعدوه مع مختلف القادة العسكريين في حكومة الوحدة الوطنية، وقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق البلاد، وسط تأكيدات السفارة الأميركية على أهمية توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا.

وبالتزامن، كانت مصادر ليبية متطابقة قد كشفت لـ"العربي الجديد" عن نشاط غير معلن لشركة "أمنتوم" الأميركية، المقاول لأعمال وبرامج وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، في العاصمة طرابلس منذ فبراير/شباط الماضي، بناء على عقد مع حكومة الوحدة الوطنية، تقوم بموجبه الشركة بتنفيذ برامج لإصلاح القطاع الأمني. 

خطة أميركية لدمج المجموعات المسلحة بالهياكل الأمنية

وفيما ذكرت المصادر أن مسؤولي الشركة الأميركية تواجدوا في قاعدة معيتيقة بطرابلس، وزاروا عدداً من المواقع العسكرية، بينها معسكر التكبالي جنوب العاصمة، ومقر الأكاديمية البحرية في جنزور الضاحية الغربية لطرابلس، ومعسكر الحرشة بمدينة الزاوية غرب طرابلس، بهدف دراستها كمواقع لتدريب عناصر الشرطة والجيش الليبي، فإنها لفتت إلى أن هذا النشاط مرتبط بخطة تسعى واشنطن من خلالها، بالتنسيق مع الحكومة في طرابلس، لدمج المجموعات المسلحة في الهياكل الأمنية والعسكرية.

مساعي أميركا لتعزيز نشاطها الدبلوماسي في ليبيا

وفي جديد المعلومات حول نشاط هذه الشركة الأميركية، توضح المصادر نفسها لـ"العربي الجديد" أن زيارات التقييم التي يجريها أفراد هذه الشركة شملت مواقع عسكرية وأمنية جديدة خارج طرابلس، ومنها معسكرا الحامية وتاقرفت في بني وليد جنوب شرق طرابلس، ومطار مدينة غدامس الحدودية مع الجزائر.

وتشير المصادر إلى أن مسؤولي الشركة الأميركية أجروا بالتنسيق مع ضباط برئاسة أركان حكومة الوحدة الوطنية لقاءات مع عدد من الضباط الليبيين، لتشكيل لجنة منهم للبدء في فتح باب القبول للتدريبات التي ستقدمها الشركة لأفراد المجموعات المسلحة النظامية في مهام الحراسة الحدودية والمهام الشرطية.

النفاتي: ثوابت أميركا في ليبيا الإرهاب والوجود الروسي

وفي جديد مساعي واشنطن لتعزيز وجودها في ليبيا تنتظر الإدارة الأميركية موافقة الكونغرس على استئناف نشاطها الدبلوماسي في البلد، بعدما كشفت شبكة "سي أن أن" الأميركية في 11 مارس الماضي أن وزارة الخارجية الأميركية طلبت، ضمن موازنتها لعام 2025، في موازنة عام 2025، تخصيص مبلغ 12.7 مليون دولار، لــ"تمكين الاستئناف المحتمل لعمليات السفارة في ليبيا".

وتطرقت الخارجية الأميركية في طلبها إلى "تزايد النفوذ الروسي في الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي"، معتبرة أن "الوجود الأميركي إلى جانب الرحلات إلى ليبيا أمر حيوي للحفاظ على مصالحنا الأمنية على المدى الطويل".

كما نقلت عن مسؤول في وزارة الخارجية قوله إن "الولايات المتحدة تجري مفاوضات نشطة من أجل تأمين منشأة مؤقتة" في العاصمة طرابلس. فيما اعتذر المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية الليبية في حكومة الوحدة الوطنية، الذي تواصلت معه "العربي الجديد"، عن عدم التعليق على الموضوع.

إلا أن المصادر الليبية، التي تحدثت معها "العربي الجديد"، توضح أن اتصالات مسؤولي السفارة الأميركية بالحكومة في طرابلس أسفرت عن موافقة الأخيرة على تخصيص جانب من مدينة النخيل السياحية، الواقعة في الضاحية الغربية لطرابلس، والتي تضم عدداً من السفارات والبعثات الدبلوماسية الأجنبية أيضاً، لتكون موقعاً للمنشأة الدبلوماسية الأميركية الجديدة، بسبب حصانتها ووقوعها في نطاق أمني بعيد عن التوترات التي تشهدها المنطقة بين الحين والآخر.

ويوضح أحد المصادر أن اختيار الموقع الجديد لعمل السفارة "يبدو أنه سيكون مؤقتاً"، بسبب وقوع مقر السفارة الرئيسي في طريق المطار جنوبي العاصمة. ويلفت إلى أن مقر مدينة النخيل يقع قريباً من مقر الأكاديمية البحرية في جنزور الذي تواجد فيه عناصر من شركة "أمنتوم" كأحد مقرات نشاطه. ومنذ عام 2014 أجلت السفارة الأميركية موظفيها وأقفلت أبوابها على خلفية وقوعها في دائرة اشتباكات مسلحة، ونقلت أعمالها إلى سفارتيها في تونس ومالطا، بعد قرابة العامين من هجوم مسلح على مقر قنصليتها في بنغازي، والذي راح ضحيته السفير الأميركي السابق كريستوفر ستيفنز، وثلاثة موظفين بالسفارة.

ملامح لزيادة الثقل الأميركي في ليبيا

وتعليقاً على المستجدات، يرى الأكاديمي وأستاذ السياسة والعلاقات الدولية، رمضان النفاتي، أن ما برز في النشاط الأميركي أخيراً يشكل ملامح لزيادة الثقل في الملف الليبي، لكنه، في الوقت ذاته، لا يعتبر أن الخطوات الأميركية المعلنة كافية للكشف عن أهداف واشنطن من وراء هذا الأمر.

ويلفت النفاتي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ثوابت الموقف الأميركي في الملف الليبي هما قضيتان: الإرهاب والوجود الروسي. وباعتبار تراجع المخاوف من الأنشطة الإرهابية في السنوات الماضية، لم يبق إلا المخاوف من توغل موسكو عسكرياً بشكل أكبر في ليبيا والتمدد من خلالها إلى الفضاء الأفريقي".

ويعتبر أن تركز الخطوات النشطة في الدبلوماسية الأميركية في غرب البلاد "دليل واضح على الرغبة في التموقع من خلال بناء قوة نظامية موحدة في القطاع الغربي، مقابل الوجود الروسي الموزع بين شرق وغرب البلاد".

ويشير النفاتي إلى أن خطوة الاتجاه لإعادة فتح السفارة الأميركية في ليبيا يعني رغبة واشنطن في أن يكون مسؤوليها قريبين من الأحداث والواقع.

ويقول: "هناك العديد من المؤشرات مؤخراً التي تعكس البدء الفعلي لوجود تأثير على الأرض. فهناك قراءات حول مشروع واشنطن لدمج المسلحين، وأقربها تشكيل القوة الموحدة للسيطرة على الحدود مع تونس وتسيير البوابة الحدودية، الأمر الذي رفضه مسلحو المدن الحدودية لكنهم انصاعوا له أخيراً".

وكانت حكومة الوحدة شكلت، الاثنين الماضي، قوة عسكرية مشتركة من جميع مناطق غربي البلاد، لبسط الأمن في منفذ راس جدير الحدودي مع تونس. ووصلت القوة المشتركة إلى المنفذ، الأربعاء الماضي، بعد رفضها من قبل مجموعات مسلحة بمدينة زوارة الحدودية تسيطر على المنفذ منذ سنوات.

كما رفضت تلك المجموعات المسلحة تسليم المنفذ الحدودي لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، ما أجبر الأخيرة على إعلان غلق المنفذ الحدودي، مشددة على ضرورة خضوعه لسلطة الدولة.


شنينه: الأميركيون يسعون لإفشال خطط موسكو التوسعية
 

ومنتصف فبراير/شباط الماضي، أعلن وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، عزم وزارته إطلاق خطط أمنية تقضي بالسيطرة على المنافذ الحدودية وإخلاء طرابلس من التشكيلات المسلحة، فيما كشفت مصادر ليبية مقربة من الحكومة بالعاصمة، في تصريحات سابقة، عن وقوف واشنطن وراء مشروع وزارة الداخلية للسيطرة على السلاح وتنظيم المجموعات المسلحة.

ويعتبر النفاتي أن خطوة تشكيل القوة المشتركة للسيطرة على القطاع الحدودي مع تونس، تأتي متساوقة مع عزم واشنطن تأهيل العناصر المسلحة في غرب البلاد، في برامج التأهيل في حراسة المنافذ والحدود المواقع الحيوية.

ويقول: "الأغلب أن التوتر الأمني الذي شهدته مدينة الزاوية خلال الأسابيع الماضية، وما يحدث في زوارة تقف خلفه الشركة الأمنية الأميركية، فالتصعيد والتوتر يُمكن الحكومة التمدد للسيطرة على هذه المناطق، التي تأتي أهميتها مما تحتويه من منشآت هامة للنفط والغاز".

وعن الموقف المحتمل للأطراف الأخرى حيال هذه المساعي، لا يرى النفاتي "أي فعل مؤثر بالنسبة للأطراف الإقليمية، كمصر أو تركيا أو الأوروبيين، قد يمثل عرقلة للمشروع الأميركي الذي يتزايد بوضوح".

ويشير إلى أنه "من الصعب القول إن موسكو نجحت في ترسيخ وجودها، رغم ثقل وجودها العسكري. فالإشكال بالنسبة للوجود الروسي أنه مهدد باستمراره بشكل غير شرعي بسبب ارتباطه بحفتر، وعدم قدرة مجلس النواب في حالته الحالية المعادية للحكومة في طرابلس على منح الشرعية لأي اتفاق قد تبرمه موسكو مع حفتر".

لكن الباحث في الشأن السياسي عادل شنينه لا يرى أن "جميع الظروف قد تصب في مصلحة إنجاح الخطط الأميركية، فنقطة الضعف الأساسية التي تواجه أي رغبة أميركية أو روسية في الوجود في البلاد من خلال اتفاقيات رسمية هي الانقسام السياسي الحاد".

ويشير إلى أن تصريحات نورلاند بشأن دعم مبادرة الأمم المتحدة للحوار من أجل تشكيل حكومة موحدة "تراجعت هي الأخرى، ومنذ أسابيع لم نعد نسمع أي تصريحات جديدة". وفي الوقت الذي يوافق فيه شنينه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على تزايد مؤشرات النشاطين الروسي والأميركي، إلا أنه يلفت إلى أن هذا التنافس يختلف في طابعه. 

الأميركيون يسعون لوقف التمدد الروسي

ويوضح أن "الروس موجودون عسكرياً، وربما يسعون لإضفاء طابع الشرعية على وجودهم بشكل رسمي، لكن الأميركيين لا يسعون لوجود عسكري كما هو واضح، بل لتقوية طرف محلي لصالحهم. وهذا يعني أن الأميركيين يسعون لوقف التمدد الروسي وإفشال خطط موسكو التوسعية".

ويتابع شنينه: "كلا الجانبين سيبقيان رهن الفوضى السياسية التي لن تُمكن أي منهما من تحريك مصالحه والحفاظ عليها بانسيابية وسهولة". ويعرب عن اعتقاده أن "الحديث عن رغبة واشنطن بعودة دبلوماسيتها بشكل رسمي من خلال سفارة في طرابلس سيتراجع، خصوصاً وأن الحكومة في طرابلس مهددة بالزوال، على خلفية زيادة معارضيها والمطالب بضرورة مغادرتها للمشهد، ما يجعل الأفق السياسي القريب قبل البعيد ملبداً بالغيوم والغموض".

ويرى شنينه أن "استعصاء الأزمة السياسية على الحل، سيجعل نفوذ أميركا وروسيا في مستوى موازنة القوى فقط، لكن ذلك سيجعل من مستوى المنافسة الاقتصادية أكثر حدة وشدة بمرور الوقت، خاصة على منابع الطاقة والنفط".