تأثر الفلسطينيون المقيمون في سورية بشدة بالتطورات الداخلية في هذا البلد اعتباراً من العام 2011، تاريخ انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد، ونالهم ما نال المواطنين السوريين من قتل واعتقال وتدمير للممتلكات وتهجير خارج البلاد.
وتعرضت معظم التجمعات والمخيمات الفلسطينية للتدمير الكلّي أو الجزئي، خلال سنوات الحرب، خصوصاً في محيط العاصمة دمشق ومحافظة درعا، فيما وثقت مجموعات حقوقية فلسطينية مقتل نحو 4 آلاف فلسطيني في الحرب السورية واعتقال مثلهم، من أصل نحو 650 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في سورية عشية اندلاع الثورة في ربيع 2011، فيما غادر أكثر من مائة ألف فلسطيني البلاد، واتجهوا خصوصاً إلى أوروبا.
مساس بالقانون 260/1956
وإضافة إلى هذه التبعات المباشرة للصراع على الفلسطينيين في سورية، أصدر النظام في دمشق خلال السنوات الماضية سلسلة قرارات وقوانين "غامضة" بشأن الوضع القانوني للفلسطينيين في سورية، تمس بتوصيفهم المتعارف عليه منذ صدور القانون رقم 260 لعام 1956، والذي ساوى اللاجئ الفلسطيني بالمواطن السوري وفق القانون السوري بتعبير "ومن في حكمه"، من حيث الأنظمة المدنية والمتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم، مع الاحتفاظ بالجنسية الفلسطينية.
القانون 183 لعام 1969، أعطى الفلسطيني حق تملك العقارات أسوة بالمواطن السوري
ومن أبرز هذه القوانين الجديدة، القانون الذي يحمل رقم 1011 لعام 2021، والذي نص على اعتبار "غير السوري" هو "أي شخص طبيعي أو اعتباري لا يحمل جنسية الجمهورية العربية السورية"، بعدما كان القانون يستثني اللاجئين الفلسطينيين في سورية، ويطلق عليهم "من في حكمه".
تقييد كبير لحق الفلسطينيين بالتملك في سورية
وبموجب هذا القرار، أوقفت الدوائر الرسمية جميع عمليات شراء العقارات للفلسطينيين ككل، وأصبحوا يعاملون معاملة الأجنبي بالنسبة لتملك العقارات ويحتاجون إلى شروط معينة للتملك وهي موافقة وزارة الداخلية، وأن يكون طالب التملك متزوجاً صاحب أسرة، وسبب التملك هو السكن فقط وليس للتجارة وعقار واحد فقط، وتكون مساحته 140 متراً مربعاً كحد أدنى ومسجلة كـ"طابو أخضر"، أي أن الفلسطيني السوري لم يعد بإمكانه الاستفادة من أشكال التملك الأخرى السائدة في سورية مثل "حكم محكمة" أو "كاتب بالعدل".
ومن دون وجود "طابو أخضر"، غير مسموح للفلسطيني التملك نهائياً، علماً أن معظم عمليات البيع في سورية لا تكون "طابو أخضر" خصوصاً في مناطق المخالفات أو المناطق الريفية، حيث يعيش معظم الفلسطينيين.
وأوضح ناشط فلسطيني يقيم في سورية، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنه خلال الأسابيع الأخيرة تم إيقاف جميع عمليات شراء العقارات للفلسطينيين في سورية، وأصبحوا يعاملون معاملة الأجنبي بالنسبة لتملك العقارات ويحتاجون إلى شروط معينة للتملك.
وطالب حقوقيون ومحامون فلسطينيون سوريون حكومة النظام السوري بالتراجع عن اعتبار اللاجئين الفلسطينيين في سورية "أجانب"، وذلك خلال اجتماع عقدوه في دمشق يوم الثلاثاء الماضي، لبحث قرار حكومة النظام رقم 1011 لعام 2021.
ووفق صفحة "اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين- سورية" جرى خلال الاجتماع، الذي حضره رئيس اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين في سورية نور الدين سلمان، وعدد من الحقوقيين والمحامين الفلسطينيين، "إعداد مذكرة تطالب رئاسة مجلس وزراء النظام السوري بالتراجع عن قرارها الذي يعتبر الفلسطيني المقيم على الأراضي السورية أجنبياً". وأشار الحقوقيون الفلسطينيون إلى أن هذا الأمر "سينعكس بشكل سلبي على أوضاعهم القانونية والاقتصادية والإنسانية".
مغزى التضييق خلال سنوات الحرب
من جهته، قال المحامي الفلسطيني السوري أيمن فهمي أبو هاشم، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من صدور هذا القانون، لكنه ظلّ يعترف بحق الفلسطيني في أن يعامل معاملة السوري، قبل أن يتم العام الماضي تعديل الفقرة التي تعترف بأن الفلسطيني يعامل معاملة السوري بالقرار رقم 1015 ليصبح التعديل كالتالي: "يقصد بعبارة غير السوري، أي شخص طبيعي أو اعتباري لا يحمل جنسية الجمهورية العربية السورية" وتمّ إلغاء الفقرة التي تنص على أن الفلسطيني غير مشمول بأحكام المادة 260 لعام 1956.
أوقفت الدوائر الرسمية جميع عمليات شراء العقارات للفلسطينيين ككل، وأصبحوا يعاملون معاملة الأجنبي
ورأى أبو هاشم أن هذه القرارات تتناقض جذرياً مع القرار 260 لعام 1956 الذي يعامل الفلسطيني في سورية معاملة المواطن السوري. وتابع: "صحيح أن هذا القانون تحدث عن حقوق التوظيف والعمل والتجارة، ولم يأت على ذكر حق التملك، لكن مجرد ذكر أن القانون يساوي بين اللاجئ الفلسطيني والمواطن السوري، فهذا يعني أنه يتمتع بكل الحقوق المماثلة باستثناء الحقوق السياسية المنصوص عليها صراحة".
ولفت أبو هاشم إلى أن القانون 183 لعام 1969 يُعد من أهم القوانين العقارية، وأعطى الفلسطيني حق تملك العقارات أسوة بالمواطن السوري بما في ذلك الأراضي الزراعية. ورأى أن القرار الأخير يعامل الفلسطيني معاملة الأجنبي، وأي فلسطيني يريد التملك سوف يخضع للقانون رقم 11 لعام 2008 المعدل عام 2011 والذي أثيرت معه للمرة الأولى مسألة تملك الفلسطينيين في سورية بوصفهم أجانب، يخضعون لشروط تملك الأجنبي في سورية، ما يعني أن المحامي أو الطبيب الفلسطيني لم يعد في وسعه تملك مكتب يدير منه عمله.
واعتبر أبو هاشم أن إثارة هذا الموضوع الآن بعد سنوات من الحرب السورية التي أدت إلى تفكك الوجود الفلسطيني في سورية، الهدف منها إشعار الفلسطينيين بأنهم غير قادرين على ممارسة حياتهم الطبيعية في سورية، و"هذا شكل من أشكال التضييق وإجبارهم على الهجرة خارج سورية، حيث لا يمكن لأي مجموعة بشرية أن تعيش في بلد ما إذا لم يكن لديها حق السكن".
ويخضع اللاجئون الفلسطينيون في سورية، المسجلون في قيود "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب"، للقوانين السورية، من حيث المساواة مع المواطن السوري في كل المجالات، ما عدا حق الانتخاب والترشح للبرلمان السوري وللإدارات المحلية. وتشرف على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في سورية "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب"، التي تأسست عام 1949، وكانت تتبع لوزارة الداخلية، وبعد عام 1958 أصبحت تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ورأى العديد من الفلسطينيين المقيمين في سورية أن التعديلات الأخيرة على القوانين تستهدف إجبارهم على الهجرة أو البقاء في المخيمات، وقطع اندماجهم الواسع في المجتمع السوري خلال العقود الماضية.
المحامي أو الطبيب الفلسطيني لم يعد في وسعه تملك مكتب يدير منه عمله
وقال علي. ب. المقيم في سورية والذي فقد بيته في مخيم اليرموك جنوبي دمشق نتيجة قصف قوات النظام للمخيم خلال المعركة مع تنظيم "داعش" عام 2018، إن النظام يحاول بكل السبل تهجير الفلسطينيين من سورية التي يعتبرونها بلدهم الثاني، وحققوا فيها حضوراً متميزاً خلال العقود الماضية.
ولفت في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الفلسطيني في سورية ليس له مكان آخر يتوجه إليه، خلافاً للجنسيات العربية الأخرى، ولا ينبغي أن يعامل كأجنبي، خصوصاً أن هناك أجيالاً من الفلسطينيين الذين ولدوا وعاشوا طيلة حياتهم في سورية، ولا يعرفون بلداً آخر غير سورية.
ورأى الناشط الفلسطيني مصطفى أبو قاعود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القوانين والقرارات الخاصة بوضع الفلسطينيين في سورية غير واضحة حتى الآن، ناصحاً بعدم التعرض لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والعمل على استيضاحها بالوسائل الرسمية والقانونية عبر ممثلي المجتمع الفلسطيني في سورية.
وكانت محافظة دمشق قد عمدت في إبريل/ نيسان الماضي إلى إزالة جميع الرموز الفلسطينية في مخيم اليرموك، أكبر التجمعات الفلسطينية في سورية، وغيّرت اسمه إلى "حي اليرموك"، ما أثار حفيظة الأهالي الذين اعتبروا أنها محاولة لطمس هوية المخيم.
ولم تعمل المحافظة على إزالة الركام من أحياء العروبة والتقدم ومجد الكروم و8 آذار وتأهيلها لعودة الأهالي، على الرغم من أن هذه الأحياء تُعتبر الخزان البشري الفلسطيني الأهم في مخيم اليرموك، لكونها تضم نحو 80 ألف نسمة من أكثر شرائح المخيم فقراً. بينما لا تزال عصابات السرقة (التعفيش) تتمركز في جنوبي المخيم لنهب ما تبقى من ممتلكاته، تحت إشراف قوات "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام السوري، تضع حواجز على مدخله، وتضيّق على السكان الراغبين بالعودة للمخيم الذي كان يضم نحو 160 ألف فلسطيني قبل الحرب السورية، عادت منهم بضع مئات من العائلات حتى الآن.