استمع إلى الملخص
- **تأثير التعديلات القضائية والحرب**: التعديلات القضائية التي دفعت بها حكومة نتنياهو والحرب دفعت العديد من الإسرائيليين للبحث عن وطن جديد، مع زيادة في طلبات إعادة التوطين خاصة من العائلات الشابة.
- **هروب الشركات والموظفين**: الشركات الإسرائيلية، خاصة في التكنولوجيا، شهدت زيادة في طلبات إعادة التوطين بسبب الاعتبارات الأمنية، وتحويل الأموال إلى الخارج يعكس التغيير الاقتصادي والسياسي.
كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية الخاصة، الأربعاء، عن تزايد ملحوظ في عدد اليهود الذين قرروا مغادرة إسرائيل منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحثا عن أماكن أكثر أمانا، واصفة ذلك بأنها "عودة إلى التِّيهِ من جديد".
وفي تقرير نُشر تحت عنوان "في إسرائيل وخارجها: اليهود يغادرون منازلهم بحثا عن أماكن أكثر أمانا"، عرضت الصحيفة قصصا لأشخاص تركوا دولة الاحتلال؛ إما بسبب الحرب أو بسبب تراجع الديمقراطية.
رحلة إلى المجهول
من بين هؤلاء، إيما ماغن توكتالي، التي لم تفكر سابقا في مغادرة إسرائيل. لكن في أغسطس/آب الماضي، قامت هي وزوجها ببيع جميع ممتلكاتهما، واستأجرا شقة في تايلاند قبل أن ينتقلا مع طفليهما للعيش هناك. ووفقا لـ"هآرتس"، فإن الزوجين "لا يعرفان أين سيستقران في المستقبل، ولا ما إذا كانا سيعودان إلى إسرائيل من عدمه". أما درور سدوت (29 عاما)، فغادرت إلى العاصمة الألمانية برلين مع شريكها في نوفمبر/ تشرين الثاني. وتعتبر أن الانتخابات الأخيرة والاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي شكلت "نقطة الانهيار" بالنسبة لها.
تقول سدوت للصحيفة: "الجميع تظاهر دفاعا عن الديمقراطية دون التطرق إلى الاحتلال. القضايا التي كانت جوهرية لدى اليسار جرى تهميشها، والحرب سرعت هذه العملية". وتضيف: "لا أعرف ما سيحدث مستقبلا، لكن إسرائيل لم تعد بيتي الآن".
وشهد العام الماضي، قبل اندلاع الحرب على غزة، تظاهرات حاشدة في إسرائيل احتجاجا على خطة التعديلات القضائية التي دفعت بها حكومة بنيامين نتنياهو، وتهدف إلى تقليص دور السلطة القضائية لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما وصفته المعارضة بـ"الانقلاب السلطوي".
على الجانب الآخر، هاجر الأميركي اليهودي جوناثان روغول (48 عاما)، وهو مهندس في إحدى شركات التكنولوجيا الفائقة، من واشنطن في إبريل/ نيسان الماضي إلى إسرائيل تضامنا معها بعد الحرب. ومن منزله الجديد في تل أبيب، يعترف روغول بأنه يشعر بالقلق على مستقبل الديمقراطية في إسرائيل، ويشارك في التظاهرات ضد الحكومة ويؤيد إبرام صفقة مع حركة حماس لاستعادة الأسرى المحتجزين في غزة.
مغادرة إسرائيل والبحث عن وطن
وذكرت صحيفة هآرتس: "منذ 7 أكتوبر، قرر عشرات الآلاف من اليهود مغادرة إسرائيل بحثا عن وطن جديد، على أمل أن يكون أكثر أمانا". وأوضحت الصحيفة أن الدوافع تتنوع بين الخوف من الحرب، وانهيار الديمقراطية، ومعارضة الحكومة، وارتفاع تكاليف المعيشة، أو الخوف من معاداة السامية، والتضامن مع إسرائيل. وأشارت إلى أن يهود القرن الحادي والعشرين قد يعودون إلى حالة التيه مجددا.
يقول إيلان رابيفو (50 عاما) من مدينة رمات هشارون وسط إسرائيل، والذي يدير شركة أسسها والده في أواخر الثمانينيات في مجال النقل، لتوفير خدمات النقل وإعادة التوطين لليهود الفرنسيين: "في البداية كان الاتجاه واحدا: إلى إسرائيل". لاحقا في التسعينيات، بدأت الشركة في تقديم خدمات البحث عن شقق ومساكن بالخارج لليهود الراغبين في مغادرة إسرائيل، إضافة إلى المساعدة في البحث عن مدارس وإصدار التأشيرات.
"الوضع سيزداد سوءا"
يضيف رابيفو: "لقد غادر الناس دائما، لكن منذ بدء خطوات الإصلاح القضائي شهدنا زيادة كبيرة في هذا الاتجاه، وازداد الأمر وضوحا منذ 7 أكتوبر (تاريخ بدء الحرب على غزة)". وأوضح أنه قبل بضعة أسابيع، قامت شركته بنقل عائلة كبيرة من مدينة كريات موتسكين شمالي إسرائيل إلى إسبانيا، شملت ثلاثة أجيال: آباء مسنين، أبناء، أحفاد.
وعبّرت العائلة عن استيائها من الحياة في إسرائيل بسبب التدهور السياسي والاقتصادي، وشعرت بأن البلاد لم تعد مناسبة للعلمانيين الليبراليين، وأن الأمور قد تزداد سوءا. وذكر رابيفو أن هناك زيادة ملحوظة في طلبات المساعدة لإعادة توطين المهاجرين من إسرائيل، حيث تشمل هذه الطلبات العديد من العائلات الشابة، خاصة من سكان وسط دولة الاحتلال وبعض الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم من الشمال نتيجة الحرب مع "حزب الله".
وأضاف: "ساعدت الشركة مجموعة من 30 عائلة، تضم أكثر من 100 شخص، على الانتقال إلى مدينة سالونيك في شمال اليونان". ويشير إلى أن شركته تتلقى العديد من الاستفسارات من إسرائيليين يمتلكون جوازات سفر أجنبية ويفكرون في المغادرة، لكنهم لم يتخذوا قرارهم النهائي بعد.
زيادة في المغادرين بـ400%
الواقع الذي يصفه رابيفو يتجلى أيضا في البيانات الأخيرة الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية (رسمية)، التي تكشف عن مغادرة عشرات الآلاف من الإسرائيليين خلال السنوات الأخيرة. ووفقا للبيانات، غادر 42 ألفا و185 إسرائيليا بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ومارس/ آذار 2024، ولم يعودوا حتى يوليو/ تموز، بزيادة قدرها 12% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
أما في أكتوبر 2023، مع اندلاع الحرب، فشهدت الهجرة قفزة دراماتيكية؛ حيث غادر 12 ألفا و300 إسرائيلي ولم يعودوا بعد، ما يمثل زيادة بنسبة 400% مقارنة بأكتوبر 2022.
غير أن موجة الهجرة بدأت بالفعل في الصيف السابق للحرب، نتيجة ردة الفعل على خطة نتنياهو لتعديلات القضاء. ففي الفترة من يوليو إلى أكتوبر 2023، غادر 34 ألفا و500 إسرائيلي ولم يعودوا حتى نهاية مايو/ أيار 2024، وهو ضعف العدد مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
هروب موظفي الشركات
وبحسب المحامي ليام شوارتز، رئيس قسم إعادة التوطين في شركة "Goldfarb Seligman & Co" الإسرائيلية، شهد مكتبه منذ اندلاع الحرب زيادة بنسبة تقارب 40% في الطلبات المقدمة للحصول على المساعدة في إصدار تأشيرات إعادة التوطين في الولايات المتحدة، خاصة من موظفي الشركات التجارية.
وقال شوارتز، لصحيفة هآرتس: "هناك شركات تعمل في مجالات الإلكترونيات والتكنولوجيا الفائقة تغادر إسرائيل نظرا للاعتبارات الأمنية. يدركون أنه إذا اندلعت الحرب في الشمال أيضا، سيتعين عليهم نقل أقسام كاملة". وأضاف: "شركات أخرى تتعرض لضغوط متزايدة من موظفيها الذين يرغبون في الانتقال إلى الخارج ولا يرغبون في العودة".
وأوضح شوارتز أن مكتبه تلقى عشرات الطلبات من موظفين على مستويات وظيفية مختلفة يسعون للإقامة في الولايات المتحدة، حيث تعامل المكتب مع مئات طلبات النقل منذ أكتوبر، وهو أعلى رقم شهده منذ سنوات.
من جانبه، ذكر آشر توريئيل، المحاسب المتخصص في ضرائب الهجرة بإسرائيل، أن العديد من الإسرائيليين بدؤوا منذ أكتوبر في طلب المشورة بشأن تحويل أموالهم إلى الخارج، بما في ذلك صناديق الاستثمار والمعاشات التقاعدية، مؤكدا أن "التغيير ملحوظ للغاية".
(الأناضول)