هاريس على حافة الهاوية للمرة الأولى

14 أكتوبر 2024
هاريس تتحدث خلال تجمع انتخابي في جامعة إيست كارولينا، 13 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

في اللحظة التي صار فيها الاستحقاق الانتخابي على الأبواب (23 يوماً فقط)، بدأت عجلات حملة المرشحة كامالا هاريس بالتنفيس ولو البسيط وبما يهدد بانقلاب المعركة ضدها. الخشية التي تساور حزبها الديمقراطي الآن هي أن يكون السبب أكثر من ضربة مسمار يمكن إصلاحها وبسرعة. وهي المرة الأولى التي بدأ تأييدها بالهبوط منذ دخولها السباق الرئاسي بعد انسحاب جو بايدن في 21 يوليو/ تموز الفائت.

فور مجيئها أخذ وضع المرشح الجمهوري دونالد ترامب يتآكل، لتنقلب المعادلة لصالح هاريس مع بداية أغسطس/ آب وبفارق أربع إلى خمس نقاط. وقد احتفظت بالزخم في هذه الحدود لغاية الأسبوع الماضي، حيث بدأت تظهر ملامح التعثر على حملتها، خاصة في الولايات السبع الحاسمة التي تراجع فيها تقدّمها إلى نقطة واحدة، وفي بعضها خسرت بنقطة أو أكثر. وكذلك بدا وضعها في الاستطلاعات العامة، التي أعلنت نتائجها الأحد، حيث انحسر تأييدها إلى ما بين التعادل و3 نقاط فقط أكثر من ترامب. بحسب شبكة "أن بي سي"، جاءت النتائج متعادلة بينهما، 48% لكليهما. في استطلاع "أي بي سي/إيبسوس"، كانت حصتها 50% وترامب 48%، ومع "سي بي إس" احتفظت أيضاً بثلاث نقاط، 51% مقابل 48% لترامب. وأيضاً مع "رويترز"، حيث نالت 46% وترامب 43%. وهي معادلة انتهى إليها استطلاع "نيويورك تايمز" قبل يومين، 49% لها و46% له.

اللافت والمقلق للديمقراطيين أنّ بوادر هذا الهبوط أو بالأحرى تعثر الصعود يعود على ما يبدو إلى انحسار تأييدها لدى أقليتين تصبّان تقليدياً غالبية أصواتهما للمرشح الديمقراطي: الأميركيون السود وأيضاً المتحدرون من أصول في بلدان أميركا الجنوبية المعروفون بـ"الهيسبانيك". المفاجئ بشكل خاص، أن ينأى قسم من السود عنها وهي أول مرشحة رئاسية من الملونين في تاريخ الرئاسة الأميركية. ويتوزع هؤلاء بين قلة تنحاز إلى ترامب والبقية تميل إلى مقاطعة الانتخابات. ومثل هذه المقاطعة تنعكس سلباً على هاريس التي تحتاج إلى أي صوت في معركة تدور على حافة الهاوية. وقد جرى التعويل على الرئيس السابق باراك أوباما، الذي التحق السبت بحملة هاريس لإقناع العازفين عن التصويت على إعادة النظر في ابتعادهم عن هاريس.

اللافت بل المحيّر الآخر للديمقراطيين أنه في اللحظة التي تبدو فيها كافة الأرقام الاقتصادية الأساسية في أفضل حال وبالتالي من المفترض أن تكون مؤاتية لمرشحة الإدارة التي حصل هذا التعافي في عهدها، إلا أن هذا الانفراج لم يلعب دور الرافعة لمصلحة هاريس وذلك خلافاً للمعتاد. البطالة في أدنى معدلاتها (حوالي 4%)، سعر الفائدة انخفض أخيراً إلى 0.5%، وكذلك التضخم الذي تراجع إلى 2.4% (2% معدله السابق الاعتيادي)، وأيضاً أسعار الطاقة وكثير من السلع الاستهلاكية، باستثناء الأغذية، رغم غزارة الإنتاج الأميركي في هذا القطاع. وقد لعبت حملة ترامب بصورة فعالة على هذا العامل، وبما حمل قسماً لا بأس به من ذوي المداخيل المتواضعة على النفور من هاريس، علماً أن هذه الأسعار شهدت في الآونة الأخيرة انخفاضاً نسبياً. والمعروف أنّ الأميركي، وبالتحديد المستقل وغير الحزبي، يحدد خياره الانتخابي عموماً في ضوء بحبوحته ووضعه المعيشي. لكن لا يبدو أن الأمر كذلك هذه المرة. على الأقل حتى الآن وإذا صدقت الأرقام. 

بيد أنّ هذه الأرقام ثمة من بين خبراء الانتخابات من يجادل فيها. أستاذ العلوم السياسية ومؤسس مركز الرصد الانتخابي في جامعة فيرجينيا لاري ساباتو يشدد على ضرورة "التروي" في إطلاق الترجيحات المبكرة المبنية على أرقام متقلبة في معركة متكافئة. وكذلك الخبير المشهود له نيت سيلفر، الذي يقول إنّ أرقام الولايات السبع في الوقت الراهن هي ذات طبيعة زئبقية، حيث يمكنها أن تنتهي "جميعها لصالح ترامب كما لصالح هاريس". ففي سباق محتدم من هذا النوع كل الاحتمالات واردة، وخصوصاً أنّ هناك شريحة وإن صغيرة، لم تقرر بعد خياراتها، كما أن هناك كتلة صغيرة أيضاً "قد اختارت مرشحها لكنها في آخر لحظة" قد تصرف النظر عن الحضور إلى أقلام الاقتراع للإدلاء بأصواتها "لكثرة ما هي مترددة".

ولا يقل أهمية أنّ هذه الأرقام كأي أرقام انتخابية "تحتمل الخطأ". في انتخابات 2010 تبين في النهاية أنّ الاستطلاعات "بالغت في تقدير حصة هيلاري كلينتون بثلاث نقاط"، كما بالغت في قراءة رصيد بايدن "في انتخابات 2020 بـ4.3 نقاط". الاستطلاعات دائماً تنطوي على هامش من الخطأ بحدود ثلاث وأحياناً أربع نقاط. لكنها هذه المرة تعكس الواقع الذي يرجح كفة هاريس بالرغم من الفجوات في حملتها وخطابها، مقابل أعطاب ترامب غير المسبوقة في تاريخ انتخابات الرئاسة. وفي النهاية إذا رجحت كفة الميزان ضدها فلن يكون ذلك لسبب إلا لأنها امرأة ومن الملونين، في لحظة ليست أميركا جاهزة فيها بعد لترئيس امرأة.

المساهمون