أعلنت السلطات الإسرائيلية الليلة الماضية حالة الطوارئ في مدينة اللد، لاحتواء التظاهرات التي نظمها المواطنون الفلسطينيون في المدينة، التي تعد من المدن المختلطة التي يقطنها اليهود والعرب. ويعد هذا التطور سابقة لم تقدم عليها إسرائيل منذ انتهاء الحكم العسكري الذي كانت تفرضه على فلسطينيي الداخل في عام 1966. ويمنح إعلان حالة الطوارئ شرطة الاحتلال صلاحية فرض حظر التجول وتقييد حركة المواطنين، إلى جانب التوسع في تنفيذ عمليات الاعتقال.
وتدل هذه الخطوة على أن إسرائيل تنظر بخطورة بالغة إلى انضمام فلسطينيي الداخل لمسار المواجهة، إسناداً لغزة التي تتعرض لعدوان، وانتصاراً للقدس والمسجد الأقصى، إذ إنها جاءت بعد أن عجزت شرطة الاحتلال عن وضع حد للتظاهرات في المدينة التي شُلت الحياة فيها.
يتخوف الاحتلال من انعكاسات احتجاج فلسطينيي الداخل على نسق الحياة في إسرائيل
ودفع ما جرى في اللد المفتش العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شفتاي إلى اتخاذ قرار بدفع الكثير من القوات إلى المدينة، لمحاولة السيطرة على الأحداث، ونقل مقر إقامته شخصياً إليها. وحسب شفتاي، فإن التظاهرات التي شهدتها المدينة فاقت في قوتها واتساعها تلك التي نظمها فلسطينيو الداخل في أكتوبر/ تشرين الأول 2000، إثر إقدام شرطة الاحتلال على قتل 13 مواطناً فلسطينياً.
وحرض الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، في بيان أمس الأربعاء، ضد فلسطينيي الداخل في اللد، معتبراً أن "مشهد الاعتداء المنظم في اللد، والاضطرابات في جميع أنحاء البلاد، من جانب مجموعة من العرب المتعطشين إلى الدماء وإصابة الناس وإلحاق الضرر بالممتلكات ومهاجمة الأماكن اليهودية المقدسة، أمر لا يغتفر".
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن حالة الطوارئ إلا في مدينة اللد، إلا أن خريطة المدن والبلدات في الداخل الفلسطيني التي شهدت تظاهرات واشتباكات كبيرة مع شرطة الاحتلال كبيرة، إذ شملت التجمعات البدوية في النقب، وعكا، ومدينة أم الفحم، وحيفا، وجسر الزرقا، وغيرها. ولم تشمل التظاهرات التي نظمها فلسطينيو الداخل فقط مواجهات مع الشرطة، بل أيضاً اشتباكات مع المستوطنين، في ظل مزاعم للشرطة بأن المتظاهرين الفلسطينيين، تحديداً في اللد وعكا، قاموا بإحراق عشرات الحافلات وعدد من المنازل والمحال التجارية التابعة للمستوطنين.
وفي النقب، زعمت شرطة الاحتلال أن شباناً فلسطينيين من القرى البدوية في المنطقة قطعوا الطرق التي يسلكها المستوطنون، وعطلوا الحركة فيها لمدة طويلة. مع العلم أن هذه الطرق تربط وسط إسرائيل بعدد كبير من القواعد العسكرية داخل النقب. وحسب ما ذكره موقع "والاه" فقد اعتقلت شرطة الاحتلال، منذ الليلة الماضية، أكثر من 200 مواطن من فلسطينيي الداخل.
تحرك المواجهات عقود من التمييز الذي يعاني منه فلسطينيو الداخل بسبب سياسات إسرائيل
وترى إسرائيل بخطورة بالغة مظاهر الاحتجاج في مناطق فلسطينيي الداخل، ليس فقط بسبب نتائجها المباشرة المتمثلة في الاشتباكات مع الشرطة والمستوطنين، بل أيضاً بسبب انعكاساتها المتوقعة، في حال اتساعها، على نسق الحياة في إسرائيل ذاتها.
ففلسطينيو الداخل يعيشون إما في بلدات ومدن ملاصقة للتجمعات الاستيطانية، أو يقطنون مع المستوطنين في المدن المشتركة، ما يزيد من خطورة هذه التظاهرات، وما يمكن أن ينجم عنها من احتكاكات خطيرة مع المستوطنين. وإذا كانت المواجهة المتواصلة مع غزة يمكن أن تنتهي في غضون أيام، كما حدث في الحروب والجولات السابقة، فمن الصعب التحكم بمصير مواجهات واسعة بين فلسطينيي الداخل وسلطات الاحتلال والمستوطنين، بسبب حالة الاحتكاك الدائم واللصيق.
ومع أن هذه المواجهات قد اندلعت تضامناً مع غزة، وتعبيراً عن الانتصار للقدس، إلا أنها تحركها أيضاً عقود من التمييز الذي يعاني منه فلسطينيو الداخل بسبب سياسات إسرائيل. وكما يقول ممثلو فلسطينيي الداخل، فإن إسرائيل التي تبدي كل هذا القلق من ردة فعل فلسطينيي الداخل هي ذاتها التي لم تحرك ساكناً لوقف العنف داخل المجتمع الفلسطيني، على اعتبار أن هذا العنف لا يهدد مصالحها.
إلى جانب ذلك، تعي دوائر صنع القرار في تل أبيب أن تواصل التظاهرات سيمنح فرصة للجماعات اليهودية الدينية المتطرفة لركوب الموجة، وتأزيم الأوضاع، بشكل يفاقم التحديات والأعباء الأمنية على الحكومة والمؤسسات الشرطية. في الوقت ذاته، فإن اندلاع مواجهات كبيرة مع فلسطينيي الداخل، الذين تدعي مؤسسة الحكم في تل أبيب أنها تتعامل معهم "كمواطنين إسرائيليين"، سيمس بمكانة إسرائيل الدولية ويضفي مصداقية على الاتهامات التي توجهها المنظمات الحقوقية، وضمنها منظمات إسرائيلية، للسلطات الإسرائيلية بتعمد التمييز والإجحاف بحق هؤلاء الفلسطينيين.