استمع إلى الملخص
- التفاهمات الروسية التركية فقدت قيمتها، ويبدو أن أنقرة حصلت على ضوء أخضر من واشنطن للهجوم. "قسد" تعوّل على دور أميركي لمنع الهجوم، محذرة من "عواقب كارثية".
- من المتوقع أن تتبدل معطيات السيطرة بعد تسلم ترامب مهامه، مما قد يضطر "قسد" لتقديم تنازلات. خسارة عين العرب ستكون ضربة كبيرة لـ"قسد".
تشير المعطيات الميدانية إلى أن هجوماً من قبل فصائل سورية معارضة مدعومة من الجانب التركي على منطقة عين العرب (كوباني) في شمال سورية بات وشيكاً، وهو ما من شأنه خلط أوراق في منطقة شرقي نهر الفرات، خصوصاً أن سكّان هذه المنطقة جلّهم من الأكراد السوريين الذين يخشون من تجاوزات بحقهم.
ولم تنجح الجهود الأميركية للتوصل إلى هدنة دائمة بين فصائل منضوية في غرفة عمليات "فجر الحرية"، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في منطقتي منبج وعين العرب، وهو ما يفتح الباب لمواصلة القتال بين الطرفين. وأكد القيادي في الجيش الوطني السوري في شمال البلاد، هشام اسكيف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مصير عين العرب "قد حُسم"، مشيراً إلى أن العملية واسعة النطاق باتجاهها "قريبة جداً". وحول حدود هذه العملية، أكد أن "ذلك يرسمه الميدان"، مضيفاً: "نحن نعود إلى أرضنا لنحرّرها من الإرهاب". وعن مخاوف سكّان عين العرب من الأكراد من تقدم الفصائل، قال إن هذه المخاوف "نتيجة الدعاية التي يبثها حزب العمال الكردستاني لتخويف الأكراد"، مضيفاً: "الأكراد في عين العرب سوريون وهي أرضهم، لكن الأغراب سيخرجون منها".
يبدو أن أنقرة أخذت ضوءاً أخضر من واشنطن لشنّ فصائل المعارضة هجومها
سقوط تفاهمات 2019
وكانت منطقة عين العرب خاضعة لتفاهمات روسية تركية منذ عام 2019، تقوم على تسيير دوريات مشتركة بعمق خمسة كيلومترات للتأكد من خلو المناطق المحيطة بها من أي وجود عسكري من "قسد"، وهو ما كان يحول دون السيطرة عليها من قبل الفصائل السورية التي تدعمها تركيا. ولكن هذه التفاهمات كما يبدو لم تعد لها قيمة بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، والذي من المتوقع أن يتبعه انسحاب روسي من الأراضي السورية. ويبدو أن أنقرة أخذت ضوءاً أخضر من واشنطن التي تدعم "قسد"، من أجل السيطرة على عين العرب وطرد هذه القوات منها، حيث قال منسق السياسات الاستراتيجية والاتصالات بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، في تصريحات له الاثنين الماضي، إن الإدارة الأميركية تتفهم مخاوف تركيا المشروعة بشأن التهديدات الناجمة عن تنظيمي وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمّال الكردستاني في سورية.
ويبدو أن قوات "قسد" لا تزال تعوّل على دور أميركي في شرقي الفرات للحيلولة دون قيام الأتراك بعمل واسع النطاق يمكن أن يقوّض هذه القوات بشكل كامل. وفي هذا الصدد، وجهت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قسد"، رسالة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الاثنين، تحثّه فيها على الضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، محذرة من "عواقب كارثية" في حال إقدام الجانب التركي على السيطرة على منطقة عين العرب. وقالت في الرسالة وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية: "من الحدود، يمكننا بالفعل رؤية القوات التركية تتجمع، ويعيش سكّاننا المدنيون في خوف دائم من الموت والدمار الوشيك".
وكان الجيش التركي قد توغل، أواخر العام الماضي، نحو 32 كيلومتراً، وعلى طول 100 كيلومتر، داخل الأراضي السورية في منطقة شرقي نهر الفرات، في مسعى لتبديد مخاوف أنقرة من فرض إقليم ذي صبغة كردية في هذه المنطقة التي يشكل العرب جلّ سكانها. وتعتبر أنقرة "قسد" وما يتبع لها من مجالس وإدارات، نسخة سورية من حزب العمّال الكردستاني، وترى أنها تشكل خطراً على أمنها القومي.
عين العرب وما بعدها تمهيداً لتنصيب ترامب
ويبدو أن الجانب التركي الذي بات له النفوذ الأكبر في سورية بعد سقوط نظام الأسد، بصدد العمل على إنهاء "الخطر" الذي تشكله هذه القوات، ما يدفع للاعتقاد أن أنقرة ربما لن تقف عند حدود عين العرب، بل ستتوغل أكثر في مناطق سيطرة هذه القوات وحسم مصير منطقة شرقي الفرات بشكل كامل. ومن المرجح أن تتبدل كل معطيات السيطرة في منطقة شرقي الفرات بعد تسلم ترامب مهامه في شهر يناير/كانون الثاني المقبل، فهو كما يبدو سيسحب قوات بلاده المتمركزة في شمال شرقي سورية، ما يعني اضطرار قسد إلى تقديم تنازلات "مؤلمة" لتفادي الغضب التركي، من بينها تسليم المنطقة للإدارة الجديدة في دمشق.
من المرجح أن تتبدل كل معطيات السيطرة في منطقة شرقي الفرات بعد تسلم ترامب مهامه
وأعرب الخبير العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن معركة عين العرب في حال اندلاعها "ستكون سهلة على القوات المهاجمة لعدة أسباب". وتابع: "المعارك التي خاضتها قسد مع الفصائل السورية في عامي 2018 و2019 لم تثبت أن لدى هذه القوات قدرة وجاهزية عالية على خوض المعارك الكبيرة رغم أن لديها سلاحاً نوعياً من قبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي". وأشار إلى أن عناصر هذه القوات "ليست لديهم روح قتالية"، مضيفاً: "يبدو أن الجانب الأميركي سيترك هذه القوات لمصيرها فهي كانت مجرد حليف مؤقت لمحاربة تنظيم داعش". ولفت حوراني إلى أن غالبية عناصر "قسد" هم من العرب، مشيراً إلى أن "التطورات السياسية والعسكرية وسقوط النظام، فضلاً عن تهميش وإقصاء العرب في شمال شرقي سورية من قبل قسد، يمكن أن يدفع العناصر للتخلي عنها وعدم المقاومة وتسليم أنفسهم كما سلّم عناصر قوات النظام أنفسهم وسلاحهم لغرفة عمليات عملية ردع العدوان".
ولمنطقة عين العرب أهمية قصوى بالنسبة لـ"قسد" كونها الثقل السكّاني الأبرز للأكراد السوريين، وخسارتها تُفقد هذه القوات الكثير من رصيدها في الشارع الكردي الذي كان خسر منطقة لا تقل أهمية في عام 2018 وهي عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي في غربي نهر الفرات. وتقع مدينة عين العرب إلى الشرق من نهر الفرات بنحو 30 كيلومتراً، وهي ضمن الحدود الإدارية لمحافظة حلب، وتتبع مئات القرى المختلطة ما بين أكراد وعرب. وتعرّضت عين العرب في عام 2014 لهجوم واسع النطاق من قبل "داعش" الذي هاجمها من أكثر من محور، ولكن طيران التحالف الدولي وقوات كردية وفصائل سورية معارضة حالت دون سقوط المنطقة بيد التنظيم.