رغم عودة الهدوء الحذر إلى الضفة الغربية والقدس المحتلتين، في أعقاب اجتياح قوات الاحتلال المسجد الأقصى، فجر أمس الجمعة، مما أسفر عن جرح واعتقال المئات من المعتكفين فيه، في ظل اتصالات مكثفة أمس، إلا أن الأوضاع يمكن أن تنفجر مجددا بسبب تضارب الاعتبارات التي تحكم توجّهات الحكومة الإسرائيلية.
فحكومة نفتالي بينت، التي خشيت تداعيات الاقتحام وتحسبت لإمكانية أن يسهم تأجيج الأوضاع في القدس عبر اشتعال ساحات أخرى في الضفة الغربية ونشوب مواجهة مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، سارعت إلى خفض التصعيد، عبر إطلاق سراح عدد كبير من الذين تم اعتقالهم في الأقصى.
وقد تراجعت حدة الاعتقالات التي ينفّذها جيش الاحتلال في الضفة الغربية، حيث إنه، حسب قناة "كان" الإسرائيلية، فإن الليلة الماضية كانت الليلة الأولى التي لم يتم فيها شن حملات الاعتقالات في أرجاء الضفة الغربية منذ أن اندلعت موجة التصعيد الحالية. وعمد جيش الاحتلال إلى فتح معبر "الجلمة"، الذي يصل منطقة جنين بإسرائيل، الذي أُغلق في أعقاب تنفيذ عمليتي إطلاق النار في مدينتي "بني براك" و"تل أبيب".
ومجدداً، يبرز دور مصر في الجهود الهادفة إلى تهدئة الأوضاع، وتحديدا السعي إلى ضمان عدم انفجار جبهة غزة نتيجة لتصعيد الاحتلال في القدس والضفة الغربية. فقد أعلنت حركة حماس، على لسان عضو مكتبها السياسي عزت الرشق، أنها أبلغت "الوسطاء" أن "القدس والأقصى خط أحمر".
إلى جانب ذلك، فإن هناك اعتبارات داخلية دفعت إسرائيل إلى خفض التصعيد، ولو مؤقتا، حيث إن حكومة بينت التي فقدت أغلبيتها البرلمانية بعد انشقاق النائب عيديت سيلمان عن حزب "يمينا"، تخشى أن تسقط الحكومة لدى طرح مشاريع حجب الثقة عنها، بعد أن هدد النائب مازن غنايم، من القائمة العربية الموحدة، بأنه سيغادر الائتلاف الحاكم في حال واصلت إسرائيل التصعيد في الأقصى.
فضلا عن ذلك، فإن تل أبيب تخشى سقوط السلطة الفلسطينية في حال وسّعت عملياتها في أرجاء الضفة الغربية؛ لا سيما في ظل تقديرات تل أبيب الرسمية بأن السلطة بالفعل فقدت السيطرة على منطقة شمال الضفة الغربية.
في الوقت ذاته، فإن هناك في تل أبيب من يرى أن مستوى الشرعية الدولية الذي ستتمتع به إسرائيل حال شنت عمليات عسكرية ضد غزة وفي الضفة الغربية، سيتراجع بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وحسب هذا المنطق، فإن الكثير من القوى الدولية التي انتقدت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ستجد صعوبة في تبرير عمليات إسرائيل في الأراضي المحتلة؛ حيث عبّر عن هذه المخاوف الجنرال جادي شماني، القائد السابق لقوات الاحتلال في الضفة الغربية، في مقال نشرته صحيفة "هارتس" أخيراً.
كما أن انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة سيقلص من قدرة إسرائيل السياسية والدبلوماسية على التأثير على مخرجات مفاوضات فيينا، ومحاولتها إقناع أطرافه بعدم العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي مع إيران.
وفيما يتعلق بغزة، فلا يوجد لدى حركة "حماس" التي تتولى زمام الأمور، مصلحة في اشتعال مواجهة مع إسرائيل. فـ"حماس" تعي أن اندلاع مواجهة مع إسرائيل سيقترن باستهداف مقدرات الحركة العسكرية وبناها التنظيمية وضرب البنى التحتية المدنية في القطاع. مع العلم أن الكثير من المؤسسات والمنازل التي دمرت في حرب 2014 لم تتم إعادة إعمارها حتى الآن.
في المقابل، فإن بعض مكونات بيئة التصعيد لا تزال قائمة. فمن السابق لأوانه الاستنتاج أن إسرائيل ستقلص إجراءاتها الأمنية العنيفة في الضفة الغربية، لا سيما في حال تم تنفيذ المزيد من العمليات الفردية في العمق الإسرائيلي؛ مع العلم أن الفصائل الفلسطينية ليس بوسعها الالتزام بعدم تنفيذ مثل هذه العمليات لغياب الانتماء التنظيمي لمنفذيها.
إلى جانب ذلك، فإن ضعف الحكومة الإسرائيلية واهتزاز مكانة رئيسها يجعلها أكثر حساسية للانتقادات التي توجهها لها المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو، وقد تدفعها إلى تبنّي سياسات أكثر وحشية ضد الفلسطينيين، في محاولاتها لاحتواء الأوضاع في الضفة والقدس. ويغري هذا الضعف التنظيمات الإرهابية اليهودية لمواصلة استفزاز الفلسطينيين، سواء في القدس أو الضفة الغربية، عبر محاولات تدنيس المسجد وذبح القرابين؛ ومن خلال مواصلة السيطرة على الأراضي الفلسطينية في أرجاء الضفة وتدشين النقاط الاستيطانية؛ وضمن ذلك شنّ هجمات على المواطنين الفلسطينيين.
ومن الواضح أن سياسات الحكومة الإسرائيلية وممارسات التنظيمات الإرهابية ستفضي إلى ردة فعل فلسطينية قد تسهم في توسيع دائرة التصعيد الحالي وتطوره؛ وضمن ذلك نشوب مواجهة شاملة مع فصائل المقاومة في غزة.