بعد وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سورية في السادس من فبراير/ شباط الحالي، حوصر الأهالي في المناطق التي ضربها الزلزال في سورية دون إدخال أي مساعدات حتى اليوم الخامس من وقوع الزلزال عبر معبر باب الهوى. ولم يُسمح بإدخال المساعدات قبل ذلك عبر أي معبر داخلي أو حدودي، خلال الأيام التي كان من الممكن إنقاذ من يمكن إنقاذه بالآليات، فيما تحدثت تقارير لمنظمات حقوقية عن استخدام القوى المسيطرة من قبل جميع الأطراف لتلك المساعدات لأهداف سياسية.
واتهم عدد من مسؤولي "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، فصائل "الجيش الوطني السوري"، المدعوم من تركيا، بمنع إدخال المساعدات القادمة من شمال شرقي سورية إلى المناطق المنكوبة.
وكان متحدث باسم "قسد" قد قال، في 9 فبراير، إنّ فصائل من "الجيش الوطني" منعت دخول قافلة إلى مناطق سيطرتهم. كما نشرت "الإدارة الذاتية" عبر صفحتها الرسمية في "تويتر"، صوراً تظهر فيها صهاريج من الوقود تنطلق من مدينة منبج الواقعة تحت سيطرتها إلى معبر أم الجلود، لإيصالها إلى المناطق المنكوبة في شمال غربي سورية.
كما أصدرت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، في 21 فبراير، تقريراً اتهمت فيه كلاً من حكومة النظام السوري والحكومة السورية المؤقتة، بتسييس ملف المساعدات الإنسانية التي مُنعت من الدخول إلى المناطق المنكوبة.
ونقلت المنظمة عن الصحافي هوكر العبدو، الذي رافق القافلة التي جاءت من مناطق "الإدارة الذاتية" وتوقفت عند معبر أم الجلود، أنّ "القافلة كانت عبارة عن 30 صهريجاً من المحروقات، بالإضافة إلى مساعدات إغاثية وأغطية وألبسة شتوية محملة في ثلاث شاحنات".
وأضاف العبدو "كان من المقرر أن تتسلم منظمة الدفاع المدني السوري، مع جهات مدنية أخرى القافلة، بحسب مسؤولي الإدارة الذاتية الذين أخبرونا بذلك قبل أن نصل إلى المعبر، وكانوا يؤكدون أن هذه الجهات المدنية أخبرتهم بأنهم لا يتوقعون أن يكون هناك مانع لإدخال القافلة من أي جهات أخرى في الشمال الغربي من سورية، على اعتبار أنها مسألة إنسانية وأن هناك كارثة وأن المشكلات السياسية لن تعيق إيصال القافلة، كما علمنا أن وساطة أميركية بدأت أيضاً لغرض تسهيل إيصال القافلة".
وأكّد أن المعبر كان مفتوحاً من طرف الفصائل المعارضة أمام البضائع التجارية، إلاّ أنّ قافلة المساعدات منعت من الوصول، بينما لم يكن المعبر التجاري مغلقاً فعلياً أمام حركة تبادل البضائع، "بل مُنعت القافلة من المرور لأسباب سياسية بحتة"، بحسب العبدو.
وبعد مرور أكثر من أسبوع على وقوع الزلزال المدمر، سُمح بإدخال المساعدات الإنسانية القادمة من محافظات دير الزور والرقة والحسكة، بينما بقيت قافلة المحروقات المقدمة من قبل سلطات "الإدارة الذاتية" ممنوعة من الدخول حتى تمّ سحبها بتاريخ 16 فبراير، حيث صرح مسؤولون من الإدارة بأنه "بعد مرور أكثر من سبعة أيام على إعاقة وصول الدعم للمتضررين، ستُسحب المواد التي كانت موجودة في معبر أم جلود والمجهزة لإدخالها لمناطق المتضررين بسبب تسييس إدخالها على حساب الضحايا والمتضررين".
الحكومة المؤقتة تنفي
وحول صحة هذه الادعاءات تواصل "العربي الجديد" مع رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، للتحقق من رفض الحكومة للمساعدات المقدمة في ظل حاجة السوريين لأبسط الاحتياجات الأساسية في المناطق المنكوبة.
وقال مصطفى "لم نستغرب تلك الادعاءات الزائفة من قسد بأننا نمنع إدخال المساعدات، فهي في النهاية العدو الذي مارس أبشع صور الإجرام بحقنا جميعاً عبر إرسال الآليات المفخخة إلى مناطقنا والقصف العشوائي مما أدى إلى ارتكاب المجازر بحق المدنيين الأبرياء، ووصل بهم الإجرام أنه في يوم وقوع الزلزال المدمر قصفوا مدينة مارع في ريف حلب الشمالي، فكيف لنا أن نثق بمساعدة من يمارس القتل والاجرام بحق شعبنا".
وأضاف أنه "يجب عليهم أن يتوقفوا عن أفعالهم الإرهابية وارتكاب المجازر بحق الأبرياء قبل أن يتظاهروا بإنسانيتهم المزيفة".
كما أكد أنه لم يتم تهديد من يقترب من المعابر لتقديم المساعدات و"إلا كيف تم إدخال المساعدات الشعبية القادمة من أهلنا في المناطق الشرقية التي تسيطر عليها قسد، فالأمر ليس كما ترويه، ولكن هنالك خطوط اشتباك ساخنة بين الجانبين ولم تتوقف المحاولات من جانب قسد لإرسال كل ما من شأنه أن يؤدي لضرب أمن واستقرار مناطق الشمال السوري، وبالتالي فمن الطبيعي أن نكون جاهزين لردع أي خطر أو تهديد قادم من جهتهم".
وأكد المصطفى وصول قوافل مساعدات إنسانية من المنطقة الشرقية "من الذين سارعوا إلى مدّ يد العون إلى إخوانهم في مناطق الشمال السوري المنكوب"، وهو ما اعتبر أنه "ليس بالأمر الجديد من الأهالي الكرام في المنطقة الشرقية المشهود لهم بالنخوة والشهامة"، مشدداً على أنّ "ذلك الموقف المشرف يجسّد أجمل صور التضامن والوحدة بين أبناء الشعب السوري رغم كل محاولات النظام المجرم وقسد بزرع التفرقة والفتنة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد"، بحسب مصطفى.
وحول آلية إدخال المساعدات، أوضح مصطفى أنّ الحكومة السورية المؤقتة "تعمل بكل شفافية على نشر قوائم المساعدات التي تدخل إلى مناطق الشمال السوري، حيث تتضمن تلك القوائم اسم الجهة المرسلة والجهة المستلمة والمعبر الذي دخلت منه المساعدات وعدد السيارات الداخلة وأهم المحتويات، وتقديم كافة التسهيلات لدخول تلك المساعدات وايصالها إلى المتضررين".
وتسيطر "الإدارة الذاتية" على مناطق شمال شرقي سورية، بينما تسيطر "الحكومة المؤقتة" على كل من ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي رأس العين وتل أبيض.
الناس في المقام الأول
وأسفر الزلزال عن تسجيل 2274 حالة وفاة شمال غربي سورية إلى جانب 12400 مصاب في حصيلة غير نهائية.
واستجابت منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، بالتعاون مع منظمات ومجالس محلية وحكومتي شمال غربي سورية "الإنقاذ" و"المؤقتة"، لأكثر من 550 مبنى مدمراً كلياً إلى جانب أكثر من 1570 مبنى مدمراً جزئياً ضمن أكثر من 60 مدينة وبلدة وقرية مع تصدع آلاف المباني والمنازل في عموم المناطق التي ضربها الزلزال.
وقالت نائبة المندوب الأممي إلى سورية، نجاة رشدي، في حسابها على "تويتر"، الإثنين الماضي، "تأثر ما لا يقل عن 8,8 ملايين شخص بالزلزال ومن المتوقع أن تحتاج غالبيتهم إلى كل شكل من أشكال المساعدة الإنسانية". وأضافت أنّ الزلزال "لم يكن انتقائياً، إذ أصاب جميع السوريين في كل المناطق ومن كل الخلفيات"، مع تشديدها على "ضرورة عدم تسييس الاستجابة ووضع الناس في المقام الأول".