منعت السلطات التونسية، الأربعاء، المحامي عبد العزيز الصيد، أحد أعضاء الدفاع في ما يعرف بـ "قضية التآمر على أمن الدولة" من الحضور إلى إذاعة موزاييك للحديث عن تطورات الملف، وأعلموا الإذاعة قبل بداية البرنامج بدقائق بهذا القرار الذي اتخذه قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بذريعة "قرار منع التداول الإعلامي في القضية". وتؤدّي هذه الملاحقة الأمنية للمعارضة وتكميم الأفواه لحالة شلل سياسي في البلاد تتعدّد أسباب تأزّمها.
وأول أمس الاثنين، أذنت النياية العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقصرين، بالاحتفاظ بثمانية أشخاص من أجل الاشتباه بهم في تكوين وفاق للتآمر على أمن الدولة الداخلي وعقد اجتماعات سرية وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية.
وأوضحت المساعدة الأولى لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالقصرين القاضية حياة الزايدي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية أنه تم إيقافهم إثر عملية مداهمة نفذتها الوحدات الأمنية لمكان اجتماعهم (في مستودع) وحجزت لديهم هواتف جوالة تتضمن شبهات حول محاولاتهم إفشال الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة.
وتواصل السلطات التونسية التضييق على المعارضين واعتقالهم، حيث شملت الاعتقالات تقريبا كل العائلات السياسية المعارضة، وتواصل كذلك تكميم الأفواه ومنع الحديث في قضايا سياسية، بعد ضرب منظومة الأحزاب ومنعها من المشاركة في أي انتخابات ضمن قوائم، مما شل الحياة السياسية بشكل كامل وفرض حالة من الانسداد في المشهد، عمقته الحرب في غزة بسبب انصراف الجميع إلى هذه الأولوية المطلقة بالنسبة للتونسيين.
وإضافة إلى التضييق على المعارضة، يوضح مدير المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "أسباب الشلل السياسي مركّبة، بعضها نفسي اجتماعي يعود إلى موقف سلبي تتحمله الأغلبية الصامتة تجاه النخبة السياسية التي تحمّلت المسؤولية خلال العشرية الماضية، بصرف النظر عن موقعها في الحكم، حيث يعتبر معظم التونسيين أن الجميع مسؤولون، أحزابا وجمعيات وشخصيات عامة، وقد تحوّل هؤلاء إلى المعارضة بعد الانقلاب، وبالتالي فإن الخوف من استثمار أي تحرّك شعبي لصالحهم يدفع هذه الأغلبية إلى العزوف وتفضيل الصمت والفرجة".
وأضاف شوكات أن "السبب الثاني، هو الأزمة الاقتصادية والمعيشية الطاحنة التي تجعل أبناء الطبقات الشعبية المتوسطة والفقيرة مشغولين بتأمين قوتهم اليومي وإيجاد حلول لمشاكلهم الحياتية، خصوصا في ظل يأس متراكم من وعود الإصلاح والتغيير، أما السبب الثالث فيعود إلى نوع من الثقة غير الجازمة في شخص الرئيس قيس سعيّد الذي ما تزال شرائح من التونسيين ترى أنه رجل نظيف يحارب المفسدين.
وتابع أنه لا يرى إمكانية لتحريك هذا الجمود في المدى المنظور، لأننا أمام حالة "سيكولوجية" وليست حالة سياسية تنفع معها المبادرة، خصوصا أن أجهزة الدولة قادرة على إيجاد حلول لتوازنات المالية العمومية، والوفاء بالالتزامات الأساسية من قبيل دفع رواتب الموظفين وأقساط المديونية العمومية الخارجية خاصة، وفي ما عدا ذلك فإن بقية المشاكل قابلة للمعالجة المؤقتة غالبا، خصوصا في ظل عدم الخوف من ردود فعل شعبية أو تحركات احتجاجية واسعة، خاصة وأن المعارضة عاجزة عن كسب ثقة الناس من جديد في مدى زمني قصير، و"ما لم يحدث طارئ كبير فإنني ألمس ميلا لدى الأطراف المعنية للمحافظة على الاستقرار وإن كان استقرارا مغشوشا غير محمود العواقب"، بحسب شوكات .
وبخصوص انصراف الجميع في تونس إلى الاهتمام الكلي بالحرب على غزة واستغلال السلطة لهذا العامل داخليا، قال شوكات "كأي سلطة، فإن النظام في تونس يسعى إلى استثمار الفرص، ومن بينها أحداث غزة، التي راهن فيها على مسايرة التوجه الشعبي شديد التعاطف مع الشعب الفلسطيني، خصوصا أن الموقف غير مكلف من الناحية العملية ولا يترتب عنه أي التزام تطبيقي، فتونس ليست من دول الطوق وليس لديها أي قدرة على التدخل المباشر في سير الأحداث، ونعرف جميعا شعوبنا العربية ذات العاطفة المتقدة، والتي غالبا ما تتأثّر بالخطابات أكثر مما تتأثر بالتحليل العقلاني".
وتحاول جبهة الخلاص الوطني -المعارضة الأبرز لحكم الرئيس قيس سعيد- تحريك المشهد، رغم إعلانها إرجاء كل تحركاتها الداخلية وتحويلها للتضامن مع المقاومة الفلسطينية، بينما عقدت الاثنين ندوة صحافية، قررت فيها مقاطعة الانتخابات المحلية المزمع عقدها نهاية الشهر القادم.
وعلى هامش الندوة، أكد رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن البلاد تعيش بالفعل حالة من الانسداد السياسي نتيجة تراكم الأزمات، وعدم بروز إرادة سياسية وطنية قادرة على حل الأزمات التي ظلت تتراكم، وبدلا من حلها يتم خلق أزمة في كل مرة.
وقال إن "الوصول إلى هذا الطريق المسدود ومواصلة الهروب إلى الأمام نتيجته معروفة، والحل هو إجراء حوار وطني يوفر للتونسيين فرصة النقاش بشأن مستقبلهم عبر الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة تُخرج البلاد من أزمتها"، مبينا حاجة تونس إلى مرحلة انتقالية جديدة تعيد منظومة الديمقراطية وتعطيها أملا جديدًا .
وفي السياق، قال القيادي في حركة النّهضة نور الدين العرباوي في تصريح لـ"لعربي الجديد" إن أحداث غزة شغلت العالم بأسره وسيطرت على كل الأحداث، ولكن الوضع السلبي في تونس على جميع المستويات ليس بسبب الانشغال بالحرب على غزة، فتونس ماضية إلى آفاق مسدودة وإلى المزيد من المآزق ولا حل سوى الحوار الوطني سواء كان ذلك آجلا أم عاجلا، وكلما تأخر ذلك كلما كانت الكلفة أكبر.
ويوم غد الخميس، تنظم عائلات المعتقلين السياسيين في تونس وقفة احتجاجية أمام محكمة الاستئناف بتونس، حيث ستنظر الأخيرة من جديد في مطالب الإفراج عنهم، بعد رفض متكرر لذلك.