تشير التحركات والاتصالات الإقليمية والدولية التي يجريها الرئيس الإسرائيلي الجديد، يتسحاق هرتسوغ، بما يتجاوز ما يخوّله إياه القانون الإسرائيلي، إلى أن المرحلة الحالية ستشهد تكثيفاً لنشاط هرتسوغ في تحسين صورة إسرائيل وتوفير الشرعية والقبول الدوليين، والأهم من ذلك أيضاً العربي، لحكومة الاحتلال الجديدة بقيادة نفتالي بينت.
أكدت "معاريف" أن اتصالات هرتسوغ وتحركاته جرت بتنسيق تام مع الخارجية الإسرائيلية ومع بينت
ومع أن الاتصالات والتحركات التي يطلقها هرتسوغ، بدأت للوهلة الأولى من الأطراف العربية والإقليمية (مصر، الأردن، تركيا وحتى السلطة الفلسطينية) كخطوة مجاملة دبلوماسية لانتخابه رئيساً لدولة الاحتلال، إلا أنه لا يمكن حصرها في هذا الباب، خصوصاً بعد تأكيد صحيفة "معاريف" أن اتصالات هرتسوغ وتحركاته جرت بتنسيق تام مع الخارجية الإسرائيلية ومع رئيس الحكومة بينت. وهذا يؤشر إلى أن الأنباء عن لقاء مرتقب قريباً مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تأتي في سياق تقديم هرتسوغ كحمامة سلام مقبول من الأطراف العربية والدولية التي نفرت من رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، وتبدي استعدادها للتعامل مع الحكومة الجديدة في دولة الاحتلال.
ومع أن هرتسوغ فشل في الانتصار على نتنياهو في الانتخابات عام 2015 عندما خاض الانتخابات في قائمة مشتركة مع تسيبي ليفني، تحت مسمى "المعسكر الصهيوني"، إلا أن ذلك لم يمنعه يومها من إعلان استعداده للانضمام إلى حكومة نتنياهو، مع تبرير ذلك بفرصة جدية لإطلاق مبادرة سلام إقليمية. وكانت هذه المبادرة مجرد مناورة ذكية قام بها نتنياهو وورّط فيها كلاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، لإقناع هرتسوغ بالانضمام إلى حكومة نتنياهو لضمان أغلبية لمبادرة سلام إقليمية. وعقد نتنياهو وهرتسوغ يومها لقاء سرياً في مارس/آذار 2016 في القاهرة مع الرئيس المصري، لكن نتنياهو فضّل في نهاية المطاف ضم حزب أفيغدور ليبرمان لتعزيز قوة الائتلاف الحكومي على المضي في بناء شراكة مع هرتسوغ وتحريك مبادرة إقليمية كان هدف نتنياهو منها إبداء مرونة وتعاون مع مبادرة جون كيري، وزير الخارجية في إدارة الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما.
على أية حال، فإن نشاط هرتسوغ الحالي، على الرغم من أن قانون "رئيس الدولة" لا يخوّله أي صلاحية للتدخّل في العمليات والتحركات السياسية، لا الحزبية الداخلية ولا السياسية الإقليمية والدولية، من دون تنسيق وموافقة وربما أيضاً تكليف رسمي من رئيس الحكومة، يذكّر بالنشاط الذي لعبه أيضاً الرئيس الإسرائيلي االسابق شمعون بيريز خلال ولاية باراك أوباما، في تخفيف حدة الخلاف بين الإدارة الأميركية وبين نتنياهو.
نشاط هرتسوغ الحالي يذكّر بالدور الذي لعبه بيريز خلال ولاية أوباما
ويبدو أن هرتسوغ سيكون "السفير" الأهم لدولة الاحتلال في الفترة القريبة، والواجهة السياسية الحمائمية لها، التي تعطي الأنظمة المتهافتة على التطبيع والعودة لأي تعامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي "المبرر" الذي سيتم الترويج له من قبل هذه الأطراف وفي مقدمتها الطرف الفلسطيني. ويُنتظر أن يتمخض لقاء هرتسوغ ـ عباس المعلن عنه، عن بيانات تكرر الحاجة إلى التعاون والحوار والتفاوض وإطلاق عملية سلمية، من دون أن يضمن ذلك تصريحاً واحداً من هرتسوغ لجهة حل الدولتين.
ويشكّل هرتسوغ الوجه الأمثل لهذه المهمة في المرحلة الحالية، لكون كل من بينت ووزير خارجيته يئير لبيد "جديدين" على الساحة الدولية والعربية، مقابل رصيد وافر لهرتسوغ، ولا سيما تجاه الإدارة الأميركية في البيت الأبيض ودول مثل الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية التي تعاملت في الماضي مع هرتسوغ. وسيكون هرتسوغ عملياً سفير "سلام" لحكومة يقول وزير خارجيتها إن حل الدولتين غير قابل للتطبيق حالياً، فيما يهاجم رئيسها نفتالي بينت (بعد أقل من أسبوعين على لقاء سري مع العاهل الأردني) نتنياهو، متهماً إياه بأنه "سلّم" أراضي الغمر والباقورة للأردن.