استمع إلى الملخص
- استغلال الحوثيين لأحداث غزة يتضمن "التعبئة العامة لنصرة الأقصى" وفتح مراكز التجنيد لتأهيل 200 ألف مقاتل، مع السعي لاستغلال فترات الهدنة لتجنيد المزيد رغم الخسائر الفادحة.
- العسكرة والأدلجة من قبل الحوثيين تهدد بتعزيز التفكك الاجتماعي ونشوء عصابات بعد الحرب، مع استغلال الصراعات لزيادة قوتهم دون تقديم مشروع سياسي وطني حقيقي.
تعمل جماعة الحوثيين على عسكرة الحياة العامة في مناطق سيطرتها في اليمن، من خلال معسكرات التجنيد التي يتلقى الأفراد فيها تدريبات عسكرية، ويخضعون لدورات ثقافية تتضمن منهج الجماعة وأفكارها. ويبرز استغلال جماعة الحوثيين لأحداث غزة أخيراً، من خلال تجنيد طلاب المدارس تحت غطاء المراكز الصيفية، خلال العطلة الصيفية، وتبث قناة المسيرة، التابعة لها، بين الحين والآخر مشاهد لما يسمى بالمراكز الصيفية تتضمن نشاطات عسكرية، مثل المسير العسكري، واستعراض السلاح، وزيارات قيادات عسكرية لهذه المراكز وغيرها. كما يتلقى من يلتحق بهذه المراكز منهجاً فكرياً يقوم على أسس مؤسس الجماعة الراحل حسين بدر الدين الحوثي، بالإضافة إلى دروس فكرية ومذهبية خاصة يطلق عليها الحوثيون اسم "الثقافة القرآنية".
استغلال جماعة الحوثيين لأحداث غزة
وكان استغلال جماعة الحوثيين لأحداث غزة للتجنيد تحت مسمى "التعبئة العامة لنصرة الأقصى"، بفتح مراكز التجنيد في المحافظات الخاضعة لسيطرتها. ونقلت قناة المسيرة عن متحدث باسم حكومة صنعاء غير المعترف بها دولياً قوله، منتصف فبراير/شباط الماضي، أن "إجمالي القوات الشعبية التي تأهلت ضمن كتائب التعبئة العامة للجيش الشعبي بلغ 200 ألف مقاتل".
وضاح العوبلي: الاستنزاف الهائل للحوثيين دافع رئيس للجماعة وإيران للقبول بالهدنة والتهدئة
وقد شملت التعبئة العامة في ظل استغلال جماعة الحوثيين لأحداث غزة جميع فئات الشعب، بما فيها القيادات العليا للدولة، حيث بثت "المسيرة" في مايو/أيار الماضي مشاهد لما قالت إنها مناورة عسكرية لقيادات الدولة، بمشاركة رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع إلى جماعة الحوثيين مهدي المشاط، ورئيس حكومة صنعاء عبدالعزيز بن حبتور، ورئيس مجلس النواب التابع للحوثيين يحيى الراعي.
وقال إعلام جماعة الحوثيين إن المناورة تأتي تدشيناً للتعبئة العامة في الجانب الرسمي، ورفع الجهوزية لمرحلة التصعيد الرابعة التي كان تحدث عنها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في إطار العمليات التي تنفذها الجماعة في البحر الأحمر، والتي تستهدف سفنا إسرائيلية أو متجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب سفن أميركية وبريطانية، بعد شن غارات على مناطق خاضعة لسيطرة الجماعة داخل اليمن. وبرأي بعض المحللين فإن جماعة الحوثيين تستغل الهدنة المعلنة في إبريل/نيسان 2022 برعاية أممية، في عملية التجنيد في مناطق سيطرتها، وتهدف إلى حشد مقاتلين في صفوفها، نتيجة ما تعانيه من نقص في الأفراد، بعد خسارتها لعشرات الآلاف من مقاتليها خلال سنوات الحرب.
وكان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، حذر، على منصة إكس في الثامن من شهر مايو الماضي، من "إقدام مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، على افتتاح مدارس دينية مغلقة على الطريقة الداعشية، في الوقت الذي تمارس فيه سياسة تجريف ممنهج للعملية التعليمية". واعتبر أن ذلك يأتي "في ظل استمرار مليشيا الحوثي في تحويل المدارس الحكومية إلى معسكرات لاستدراج وتجنيد الأطفال والنشء، تحت غطاء المراكز الصيفية، وغسل عقولهم بالأفكار الطائفية المستوردة من إيران، وغرس ثقافة الحقد والكراهية، ومسخ هويتهم الوطنية والعربية، وتحويلهم إلى أدوات للقتل والتدمير، وقنابل موقوتة لتهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي".
وقال الخبير والمحلل العسكري العقيد وضاح العوبلي، لـ"العربي الجديد" إن "ما تقوم به جماعة الحوثيين من تعبئة عامة جزء أساسي في منهجها لعسكرة كل ما يقع تحت سيطرتها، ويتكامل هذا الأمر مع نهج موازي يتمثل بالتجهيل، وجعل جميع فئات الشعب، وبكافة مستوياتهم، عبارة عن نسخة مكررة لمليشياتها".
استنزاف الحوثيين
وأوضح أن "الأعوام السابقة تسببت باستنزاف هائل للجماعة، ووصلت قواتها البشرية أواخر 2021 إلى مستوياتها الأدنى من حيث العدد، وكان هذا الاستنزاف هو الدافع الرئيس للجماعة ومن خلفها إيران للقبول بالهدنة والتهدئة في إبريل 2022". ولفت إلى أن جماعة الحوثيين "حاولت استغلال فترة الهدنة للتجنيد، عبر تغرير الناس بأنها تجهز قوة للمشاركة بها في الجيش الموحد الذي سينبثق عن التسوية مع باقي القوى".
توقع أحمد شوقي أحمد أن تتسبب عمليات العسكرة والأدلجة إلى اتساع دوامة العنف
وأشار إلى أن "الحوثيين بارعون في إنتاج الحروب والصراعات من العدم، لأنهم جماعة ثقافتها وفكرها ومشروعها وفقهها الحروب والصراعات، ولا يملكون أي مشروع سياسي وطني، ولهذا فمن العبث أن نتحدث حتى عن مجرد مؤشرات للسلام مع هذه الجماعة، وهذا ما تقوله المعطيات، وتؤكده الشواهد، وتعززه القناعات الراسخة بنهج هذه الجماعة".
من جهته، قال الصحافي أحمد شوقي أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن جماعة الحوثيين تمارس أدلجة وعسكرة الحياة العامة منذ بداية الحرب، بحجة ما تسميه "مواجهة العدوان". وأوضح أنه "بعد توقيع الهُدنة، وتوقف أعمال الاستهداف بين دول التحالف العربي والمليشيات، توجبت استحقاقات والتزامات على المليشيات الحوثية لصالح المواطنين، مثل توفير الخدمات ودفع الرواتب، وإيقاف الاعتقالات بالشُّبهة ومحاسبة الفاسدين، وهو ما جعل الجماعة تفتعل معركة استهداف الملاحة في البحر الأحمر، لتدخل في مسلسل جديد يتيح لها التنصل من التزاماتها". وعن استغلال جماعة الحوثيين لأحداث غزة قال إنه من جهة ثانية تسغل الجماعة حرب غزة، "والصراع في البحر الأحمر، لزيادة قوتها وحشد مزيد من المقاتلين والأنصار المغرر بهم".
وأوضح أن جماعة الحوثيين "تريد إهانة المجتمع اليمني وجميع رموزه، بما في ذلك المنصب الحكومي، والبزة العسكرية، وهذه الإهانة بدوافعها العنصرية الاستعلائية، يعبر عنها مصطلح السيد في أشد المعاني الرمزية للمفهوم، الذي تحمل دلالته وجود سيد هو الحوثي، وعبيد هم جميع اليمنيين في مناطق سيطرته، لا كرامة لأي منهم مهما كانت مناصبهم أو رتبهم أو وجاهتهم الاجتماعية أو عصبية القبلية، فخضوع الأقوياء لإهانة الحوثي، يعني بأن لا أمل للضعفاء في الثورة أو المقاومة".
ورأى أحمد أن "أشكال خطورة عسكرة الحياة العامة بادية منذ الآن، فخلال فترة بسيطة وقع أكثر من 100 جريمة قتل وإطلاق نار من مسلحين حوثيين على أقاربهم، تسببت بوفاة العشرات، من بينهم آباء وإخوة وأقارب لهؤلاء المقاتلين، وهو ما يعني اختلال سلوك وعقول هؤلاء، نتيجة عمليات غسل الدماغ والأدلجة، وثانياً تكريس العنف، وهذه مقدمة فقط". وتوقع أن "تتسبب عمليات العسكرة والأدلجة والتحريض الطائفي الذي يمارسه الحوثيون باتساع دوامة العنف ونشوء العديد من العصابات والقتلة المتسلسلين والمأجورين بعد انتهاء الحرب، إضافةً إلى تعزيز التفكك الاجتماعي والأسري، وتمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي الممزق أصلاً بفعل السياسات والأيديولوجيا الطائفية للمليشيات".