يختلف الخبراء في تونس حول حقيقة نهاية حالة الاستثناء وعودة البلاد إلى الوضع الطبيعي والمؤسسات الدائمة المستقرة، بعد نحو سنتين من فرض الرئيس قيس سعيد للتدابير الاستثنائية، التي مكنته من تقويض منظومة دستور الثورة وتركيز نظام حكم جديد.
وانطلقت حالة الاستثناء في تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021، عندما قرر الرئيس سعيد اللجوء إلى البند 80 من دستور 2014 باتخاذ تدابير استثنائية لمدة شهر قابلة للتجديد وقتها، أقال بمقتضاها حكومة هشام المشيشي وجمّد اختصاصات مجلس نواب الشعب، ورفع الحصانة عن نوابه، كما علق عمل المحكمة الدستورية الوقتية (هيئة مراقبة دستورية القوانين)، وأمر بغلق مقر البرلمان ومنع البرلمانيين من الاجتماع بواسطة وحدات عسكرية وأمنية.
وأقدم الرئيس سعيد على تمديد حالة الاستثناء بتعليق العمل بدستور الثورة في سبتمبر/ أيلول 2021 من خلال إصدار مرسوم رئاسي منظم للسلطات عدد 117، مكّنه من التفرد بجميع السلطات، ثم اتخذ في 13 فبراير/ شباط 2022 قراراً بحل المجلس الأعلى للقضاء عبر مرسوم رئاسي واستبداله بمجلس قضائي وقتي معين.
وبالرغم من تمرير الرئيس سعيد لدستور صاغه بنفسه في 2022 عبر استفتاء شهد مقاطعة واسعة وعزوفاً غير مسبوق عن التصويت، فإن حالة الاستثناء تواصلت حتى تنظيم انتخابات مجلس الشعب، التي أفرزت برلماناً جديداً، انطلق في العمل منقوصاً عددياً.
ومنذ شروعه في العمل في 13 مارس/ آذار الماضي لم ينظر البرلمان الجديد في أي من المراسيم الرئاسية، حتى تلك المتعلقة بتنظيم الانتخابات أو المتعلقة بالحقوق والحريات، ولم يبادر بوضع تشريعات تؤسس لمرحلة الاستقرار المؤسسي عبر المصادقة على قانون المحكمة الدستورية أو قانون مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة التشريعية الثانية المنصوص عليها في دستور) ليختار البرلمان انتظار مبادرة رئاسة الجمهورية.
ويرى البرلمانيون الجدد أن حالة الاستثناء انتهت بتركيز البرلمان الجديد، وخصوصاً في ما يتعلق بالدور التشريعي.
واعتبر رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، في كلمة ألقاها أمام الجلسة العامة، أن المجلس التشريعي "يعمل في تناغم مع الوظيفة التشريعية، وأن البرلمان مستقل والاستقلالية لا تعني القطيعة".
لا خطوة واضحة
في المقابل، يرى رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، أستاذ القانون الدستوري، شاكر الحوكي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأصل أن من أعلن حالة التدابير الاستثنائية يعلن عن نهايتها. غير أن رئيس سلطة الانقلاب لم يقم بأي خطوة واضحة وصريحة في هذا الاتجاه".
وأضاف الحوكي: "ولعله يكون محقاً في ذلك. فدستور 2014 الذي اعتمد عليه في تفعيل الفصل 80 صار لاغياً وحالة الاستثناء فقدت معناها الدستوري، اللهم إذا سلمنا بوجود دستورين في نفس الوقت مرة نفعل هذا ومرة نفعل الآخر".
وتابع أستاذ القانون الدستوري أنه "بطبيعة الحال أساتذة القانون عموماً منقسمين حول هذه المسألة، كل بحسب منطلقاته القانونية وخلفياته السياسية. فهناك من يعتبر أن حالة الاستثناء انتهت بإرساء البرلمان الجديد وبمعزل عن إرساء مجلس الجهات والأقاليم، بينما هناك من يعتبرها دائمة ومستمرة طالما لم يعلن عنها الرئيس الحالي بشكل صريح".
وقال الحوكي: "أنا شخصياً أعتبر أن حالة الاستثناء شأنها شأن حالة الضرورة وحالة الطوارئ هي من مستلزمات النظم الانقلابية وغير الديمقراطية، وهي أدوات حكم أكثر منها حالة دستورية واقعية بالفعل".
وأضاف: "أما عن مآلات المراسيم التي أصدرها رئيس سلطة الانقلاب فهي مسألة ليست ذات بال في تصوري في حالة الاعتباط والعبث الدستوري الذي نعيشه، إذ إن الأمر في كل الأحوال يتوقف على مشيئة الزعيم، إن شاء فقد شاؤوا وإن لم يشأ فليس على الرعية وفقهاء السلطان ودمى المجلس النيابي إلا السمع والطاعة"، بحسب تعبيره.
وفسر أستاذ القانون أن "رئيس الدولة هو مركز جميع السلطات والبرلمان ليس إلا وظيفة تشريعية في خدمة السلطة التنفيذية. وعلى آية حال يمكن أن نحافظ على طبيعتها الاستثنائية بوصفها تشريعات ثابتة ومعمولاً بها دون أن يستدعي ذلك المصادقة عليها من قبل البرلمان، على غرار ما حصل مع المراسيم التي اتخذها الرئيس المؤقت بعيد الثورة فؤاد المبزع، وبقيت بلا مصادقة إلى حد الآن".
حالة الاستثناء "انتهت"
من جانبه، اعتبر أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ في تصريحات صحافية أن "حالة الاستثناء والعمل بالأمر 117 قد انتهت في جزء منها مع انطلاق العمل بالدستور الجديد، وانتهت بصفة نهائيّة مع مباشرة مجلس نواب الشّعب لأشغاله".
وأوضح محفوظ، الذي كان مقرّباً من سعيد قبل الخلاف على كتابة دستور 2022، أنّ "الدّستور الحالي ينصّ على كون رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التشريعية، استناداً للأمر 117 إلى حين انتخاب مجلس النّواب وبالتالي مع انتخاب المجلس انتهى العمل بالأمر 117".
واستدرك محفوظ القول إنّ "حالة الاستثناء انتهت قانونياً منذ دخول دستور 17 أغسطس 2022 حيّز التنفيذ، ولكن ربما ما زالت متواصلة في ذهن رئيس الجمهورية وفي ذهن البعض الآخر، وربّما أيضاً في ذهن الرّئيس أنّ حالة الاستثناء أصبحت حالة عادية"، وفق تعبيره.
أسلوب حكم دائم
في مقابل ذلك، أكد أستاذ القانون الصغير الزكراوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مراسيم صدرت بعد 25 يوليو ستبقى مراسيم وهناك بعض آخر من المفروض والطبيعي أن يصادق عليه مجلس النواب ليصبح في مرتبة القوانين"، مفسراً بالقول إن "دستور قيس سعيد تعرض لهذه المسائل فبعض المجالات ستبقى في شكل مراسيم".
وشدد الزكراوي على أنه "من المفروض أن مجلس النواب يسعى للمصادقة على هذه المراسيم، ولكنه لا يعتبرها أولوية، فبعد أكثر من 3 أشهر من العمل صادق المجلس على القروض فقط".
واعتبر الزكراوي أن "المقاربة القانونية القائلة بنهاية المرحلة الاستثنائية بنهاية التشريع بمراسيم وانطلاق عمل البرلمان، هي مقاربة خاطئة، فكل مرحلة وكل دستور يمهدان لاستدامة مرحلة الاستثناء".
وبيّن أن "مرحلة الاستثناء لا تقتصر على البند 80 من دستور 2014 الذي اعتمده قيس سعيد، بل تمتد لما بعد ذلك طالما أن هناك سلطة تجمع كل السلط وتهيمن عليها فإننا نعيش حالة الاستثناء الدائمة".
وشدد أستاذ القانون على أن "حالة الاستثناء تحولت إلى أسلوب حكم دائم (نموذج حكم مستدام) فحالة الاستثناء لم تنته، بل وقع تأبيدها في نهج حكم وطريقة حكم دائم".
وأفاد الزكراوي "من الأكيد أننا ما زلنا في المرحلة الاستثنائية ودستور 2022 يمهد لذلك من خلال هيمنة السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية، بينما بقية المؤسسات هشة لا صلاحيات لها، فلا وجود لسلطة قضائية ولا تشريعية"، متابعاً "لقد نبهنا إلى أن هذا الدستور لا يعترف بالسلط ولا بالفصل بينها".
وذكر أن "تونس تعيش وفق أمر حالة الطوارئ وبالتالي في حالة استثناء متواصل، داعياً إلى ترك المقاربات القانونية الفاقدة للأفق والتركيز على واقع الممارسة".
وتساءل الزكراوي "هل قام البرلمان بدوره؟ في ظل هيمنة سلطة على باقي السلطات؟".