دفع تطور الأوضاع في تشاد، الجارة الجنوبية لليبيا، قضية المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا إلى الواجهة مجددا وسط اهتمام دولي أوسع، في وقت كشفت فيه مصادر ليبية عن اجتماع جديد للجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5 يحتل فيه ملف مغادرة المرتزقة والقوات الأجنبية للبلاد أولوية، فهل بدأت بوادر مغادرتهم تلوح في أفق الأزمة الليبية؟
وبعد مقتل الرئيس التشادي، إدريس ديبي، الثلاثاء الماضي، متأثراً بإصابته خلال معارك على الجبهة ضد المتمردين في شمال البلاد، تناقلت وسائل إعلام محلية تحذيرات أطلقتها السفارة الأميركية في نجامينا بشأن تحرك مجموعات مسلحة غير حكومية إلى تشاد من ليبيا واحتمال مواجهات مع الجيش التشادي، تلاها تصريح لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، أكد فيه رفض حكومته "لأي تواجد خارجي مفتوح داخل ليبيا واستغلالها لزعزعة الاستقرار في المنطقة".
وتزامنت الأحداث في تشاد التي حركت ملف المرتزقة الأفارقة والقوات الأجنبية في ليبيا، مع إعلان مجلس الأمن الدولي، منتصف الشهر الجاري، تصويت أعضائه بالإجماع على مشروع قرار يتناول دعم الأمم المتحدة لآلية مراقبة وقف إطلاق النار الليبية. ويتضمن المشروع اقتراحا من الأمين العام بنشر 60 مراقبا دوليا لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع بين الأطراف الليبية في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ودعمه "انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير".
اجتماع موسع لـ5 + 5
ووفقا لمصادر ليبية مطلعة، تستعد اللجنة العسكرية 5 + 5 لعقد اجتماع موسع يومي الأحد والاثنين المقبلين، في مقر اللجنة بمدينة سرت، مع عدد من المراقبين الدوليين المقترحين من الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار.
وقالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع، الذي سيشارك فيه أيضا رؤساء اللجان الفرعية بلجنة 5 + 5، سيناقش مع خمسة من المراقبين الدوليين وموظفي البعثة الأممية في ليبيا ما تم الاتفاق عليه في اجتماعاتهم السابقة بشأن نزع الألغام ونقل مخلفات الحرب من مدينة سرت ومحيطها، وسط البلاد، وتحديد موعد لفتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق وغرب ليبيا.
لكن المصادر ذاتها أكدت أن ملفي إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وشكل آلية مراقبة وقف إطلاق النار سيحتلان أولوية في أجندة الاجتماع، كونهما مرتبطين ببعضهما.
ملفا إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وشكل آلية مراقبة وقف إطلاق النار سيحتلان أولوية في أجندة الاجتماع
وبينما تشير المصادر إلى أن آلية مراقبة وقف إطلاق النار يبدو التوافق عليها قريبا، من خلال نشر تدريجي للمراقبين الدوليين بالتنسيق مع لجنة 5 + 5 في منطقتي سرت والجفرة للإشراف على تراجع قوات طرفي الصراع، قوات اللواء خليفة حفتر وقوات حماية سرت – الجفرة التابعة لحكومة الوفاق السابقة، على نقاط خلفية وفك نقاط الاشتباك وسط انتشار قوات شرطية تابعة لحكومة الوحدة الوطنية كبديل عنها في المنطقتين، تؤكد أن المهمة بالإضافة لتحديد موعد لفتح الطريق الساحلي ستتأخر بسبب صعوبة حلحلة ملف إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة وستنتظر جهودا دولية في هذا الشأن.
ورغم تأكيد موسكو على انضمامها لإجماع جميع أعضاء مجلس الأمن بشأن نشر فريق مراقبين دوليين في ليبيا إلا أنها عادت وطالبت بـ"صياغة أكثر وضوحا ودقة لتفويض مراقبي الأمم المتحدة"، وأن يكون شكل المراقبة الدولية "مقبولا من الأطراف الليبية التي تلعب دورا رئيسيا في هذه العملية" وفق بيان للخارجية الروسية الأربعاء الماضي.
وبينت تصريحات وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش، أمس الجمعة في كلمة لها أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيطالي، بشأن بدء حكومتها "في حوار مع تركيا لإخراج قواتها من البلاد" سعي الحكومة للعمل من جانبها وعدم الاكتفاء بالجهود الدولية.
ورغم أن المنقوش لم تتحدث خلال الحوار عن موقف موسكو بشأن إخراج مقاتلي فاغنر التي تدعم قوات حفتر، إلا أنها عممت بقولها "نطلب من جميع الدول أن تكون متعاونة من أجل إخراج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية".
وأثارت تصريحات المنقوش رد فعل غاضبا من جانب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، الذي طالب الحكومة بالالتزام بصلاحياتها المبنية في خارطة الطريق لملتقى الحوار السياسي، ومنها أنه ليس من اختصاصها "إلغاء أي اتفاقيات شرعية سابقة أو تعديلها".
خلاف القادة في طرابلس
ويرجح الباحث الليبي في الشأن السياسي رمضان الثابت، أن تصريحات المنقوش تشير إلى زيارة رئيس أركان الجيش محمد الحداد لأنقرة، الخميس الماضي، ولقائه بنظيره التركي، معتقدا أن مضمون الزيارة مناقشة الاتفاق الأمني وإمكانية تخفيض الوجود العسكري التركي في البلاد.
وفي وقت أعلن المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية تمسكهما بالاتفاق الموقع مع الحكومة التركية في شقه البحري، كونه يحفظ مصالح ليبيا الاقتصادية في البحر المتوسط، فإن الشق الأمني من الاتفاق لا يزال مثار جدل بسبب معارضة عدة أطراف إقليمية ودولية متدخلة في أزمة الملف الليبي، وتعتبره تلك الأطراف ذا صلة بقضية إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
ويرى الثابت أن تعارض تصريحات المشري والمنقوش يعكس خلافا بين القادة في طرابلس، إلا أنه لا يرى أن موقف المشري "سيؤثر بشكل كبير على مسار عمل الدبيبة وحكومته التي يبدو أنها تعمل على حلحلة الملف العسكري والأمني بشكل شامل".
وبمزيد من الوضوح، قال: "الدبيبة زار موسكو وأشار ضمنا إلى انزعاجه من دورها السلبي في تأخر توحيد المؤسسة العسكرية، بقصد إضعاف تحالفها مع حفتر الذي تدعمه، كما سعى لربط علاقة قوية بمصر وصرح علنا بأنه سيكون للقاهرة دور في توحيد المؤسسة العسكرية ما يعني أنه مارس ضغطا على حفتر من القاهرة".
ويتابع: "في المقابل يسعى الدبيبة لفك ارتباط الاتفاقين البحري والأمني مع تركيا وإذا نجحت مفاوضاته مع أنقرة لسحب قواتها لن يترك أي حجة لموسكو للإبقاء على مقاتليها، كما أنه لن يعود لحفتر أي حجة لاستمرار رفضه الرضوخ للسلطة الجديدة".
كما يلفت الثابت إلى أن عقيلة صالح عندما طالب مجلس الرئاسي والحكومة، الثلاثاء الماضي، بضرورة اتخاذ إجراءات لحماية الحدود الجنوبية، ربطها بدعوته للجنة 5 + 5 بالإسراع في توحيد المؤسسة العسكرية لضمان استقرار البلاد وتأمين الحدود.
وختم الباحث الليبي قائلاً: "أعتقد أن تصريحات المنقوش في إيطاليا وزيارة الحداد لأنقرة ومواقف الدبيبة وصالح المتزامنة مع نشاط أميركي وأوروبي كلها مؤشرات على قرب حلحلة ملف المقاتلين الأجانب، وإن الجميع يريد استثمار المستجدات التي طرأت بسبب الأحداث في تشاد، وما قد ينجم عنها من تحول الجنوب الليبي إلى بؤرة جديدة للفوضى قد لا تمكن السيطرة عليها".