- الباحث السياسي أحمد القربي يرى أن الإجراءات المتخذة قد تكون مجدية لكنها غير كافية لحل الأزمات الرئيسية، مما يرجح استمرار الاحتجاجات. عبد الرحمن الحاج يشير إلى أن الجولاني لم يقدم إصلاحات حقيقية، مما يفتح المجال لخصومه.
- الوضع في إدلب معقد مع سيطرة هيئة تحرير الشام على أجزاء من المحافظة ومحاولاتها لتوسيع نفوذها، مما يشير إلى استمرار التوترات والاحتجاجات في المنطقة.
لم تهدأ التظاهرات المنددة بـ"هيئة تحرير الشام" في شمال غرب سورية، ما يؤكد أن جملة الإجراءات التي قامت بها الهيئة مؤخرا قد فشلت في تهدئة الشارع، الذي رفع سقف مطالبه إلى حد المطالبة بإسقاط زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني.
وتظاهر آلاف السوريين، الجمعة، في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في استمرار لحركات الاحتجاج على تجاوزات الذراع الأمنية في هذه الهيئة وتسلطه على حياة الناس، وبسبب فشل الهيئة في إدارة المنطقة التي تعيش في أزمات معيشية واقتصادية.
وطالب المتظاهرون بـ"تبييض السجون، وتشكيل مجلس شورى حقيقي"، وإسقاط قائد "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني. وحاول الأخير الأسبوع الفائت احتواء الغضب الشعبي من خلال الإعلان عن سلسلة إجراءات و(إصلاحات)، من ضمنها استحداث إدارة باسم "الأمن العام"، تعمل تحت إشراف وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ، ذراع الهيئة الإدارية، لتخفيف القبضة الأمنية، وإبعاد الذراع الأمنية في الهيئة عن التدخل في حياة المدنيين.
كما اتخذ الجولاني سلسلة قرارات لإعادة هيكلة الجناح العسكري في الهيئة، من قبيل تعيين قادة، كان الجهاز الأمني اتهمهم بـ"العمالة" لجهات خارجية، في مناصب قيادية في محاولة لاحتواء غضبهم، خاصة أن مصادر مطلعة تؤكد أن للعسكريين دورا في الحراك الشعبي ضد قائد "تحرير الشام". وأكدت المصادر، التي رفضت الكشف عن هويتها، أن الجولاني أمر الجمعة باعتقال ثلاثة قادة أمنيين في مدينة إدلب، من ضمنهم مسؤول ملف عملاء التحالف داخل الهيئة، وذلك بعد ثبوت تورطهم في تلفيق التّهم للقادة العسكريين الذين اعتُقلوا بتهمة "العمالة" من "جهاز الأمن العام" قبل أشهر.
ولكن استمرار التظاهرات في العديد من المدن والبلدات في محافظة إدلب ومحيطها ضد الهيئة يؤكد أن إجراءات الجولاني لم تستطع تبديد مخاوف سكان الشمال الغربي من تسلط الهيئة على حياتهم وتدخلها في التفاصيل الاجتماعية والسياسية، فضلا عن احتكار العمل الاقتصادي.
ورجّح الباحث السياسي أحمد القربي في حديث مع "العربي الجديد" استمرار التظاهرات في الشمال الغربي من سورية، مستدركا: "ولكن هذا لا يعني أن الإجراءات التي قامت بها الهيئة مؤخرا لم تكن مجدية". وأشار القربي إلى أن "العوامل التي دفعت الناس للخروج متعددة لا يمكن حلها بسهولة، أبرزها الوضع الاقتصادي، وقضايا الحوكمة والحريات".
وتابع: "أعتقد أن هذه التظاهرات لن تكون لها نتيجة على أرض الواقع إلا إذا حدث انقسام داخل أجهزة الهيئة المتعددة، نعم هناك صراع أجنحة في الهيئة، ولكن حتى اللحظة يُدار ضمن البيت الواحد، ولم يطف الى السطح بعد، حيث لم تحدث انشقاقات في الهيئة".
استغلال من خصوم الجولاني
من جانبه، رأى الباحث المختص بالجماعات الإسلامية عبد الرحمن الحاج، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجولاني "لم يحدث إصلاحات حقيقية، ما يعني أن تلبية مطالب الشارع لم تتم"، مضيفا أن "هنالك استغلالاً من خصوم الجولاني الكثر، خصوصا المجموعة المتضررة من الحملة الأخيرة التي قام بها الجناح الأمني في الهيئة".
وتابع الحاج أن "هناك مجموعات تحاول أن تقوض سلطة الجولاني، وهي لا تقل سلطوية عنه، وتخلط الأوراق بين مطالب الشارع وانتقامها الشخصي. هذا عامل رئيسي في استمرار التظاهرات ضد الجولاني".
ويعتقد الحاج "أن استمرار التظاهرات مع قيام الجولاني بإصلاحات جزئية سيقوده إلى إجراءات أمنية ضد المتظاهرين"، مضيفا: "لكنه على الأرجح لن يتورط في العنف، فهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها الجولاني بإصلاحات ولو محدودة تحت ضغط الشارع".
كما أعرب عن اعتقاده أنه "إذا نجا الجولاني من الغضب الشعبي المتمثل في الاحتجاجات، فسيترك ذلك أثره في السياسات التي سيتبعها لاحقا".
ومضى قائلاً: "بتقديري أن بديل الجولاني بالفعل هو الفوضى التي سيكون في مقدمتها متشددون من خصومه وبعض عناصر القاعدة والمتشددين الأجانب، ما سيشكل خطرا على الأمن القومي للدول الإقليمية والقوى الدولية".
وتابع: "نجح الجولاني في جعل نفسه شخصا لا بديل عنه في السيطرة على إدلب، ما يعني أن بقاءه سيكون مرغوبا من بعض الدول". وبرأيه "لا تلوح فرصة في الأفق لتحول الهيئة إلى نموذج أكثر قربا وتمثيلا للمجتمع"، مضيفا: "نحن نتحدث عن إمارة حرب وعن الخيارات المتاحة في هذه الإمارة".
وتسيطر "هيئة تحرير الشام" على قسم من محافظة إدلب وبعض ريف حلب الغربي وأجزاء من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي. وحاولت في عام 2022 توسيع نطاق سيطرتها إلى مناطق "الجيش الوطني" المعارض، خصوصاً في منطقة عفرين، شمال غربي حلب، إلا أنها جُوبهت برفض تركي، ما أجبرها على العودة إلى نطاق نفوذها في إدلب.