هل يجتمع معارضو الرئيس التونسي على التصدّي لقراراته؟

24 سبتمبر 2021
الرئيس التونسي يستغل الخلاف الحزبي لمصلحته (Getty)
+ الخط -

تتواصل ردود الفعل الرافضة لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، التي جمّع بها كل السلطات بين يديه وأصبحت قراراته محصنة من أي رقابة أو نقض أو إلغاء، فيما تثار تساؤلات حول كيفية مواجهتها ومدى إمكانية اصطفاف الأفرقاء السياسيين في جبهة واحدة للتصدي لها.
وانتقد القاضي أحمد الرحموني، في دراسة نشرها على صفحته بموقع "فيسبوك" أمس الخميس، التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيّد وضمّنها في الأمر عدد 117 لسنة 2021، واعتبر أنه "حوّل الدستور إلى أشلاء ولم يحافظ سوى على 49 فصلا من جملة 149، هذا بالإضافة لمؤسسات بأكملها (الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع القوانين)".
وأضاف "يمثل هذا الأمر الرئاسي صياغة تلفيقية، لا تنبئ عن أي مجهود، توصلت إلى تركيب نصوص متناثرة من الأبواب الخاصة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية من دستوري 1959 و2014 ضمن رؤية استبدادية "شعبوية" هدفها تركيز السلطات الأساسية بيد رئيس الجمهورية".
واعتبر الرحموني أن هذه القرارات صارت فوق الرقابة، فقد "أقر الأمر الرئاسي عدد 117 أحكاما استثنائية غير مقيدة وغير خاضعة للرقابة، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى التعسف في استعمال السلطة".


ويبدو المشهد داخليا على درجة كبيرة من التوتر، في انتظار بداية ترجمة قرارات سعيّد على الأرض، وتواتر التسريبات بشأن الإعلان عن حكومة جديدة، بينما تتواصل ردود الفعل الحزبية والحقوقية الرافضة لهذه القرارات التي تقود إلى تفرد سعيّد المطلق بالسلطة.
وأصدر "ائتلاف الكرامة"، مساء أمس الخميس، بيانا رفض فيه "ما سمِي باطلا بالتنظيم المؤقت للسلط والإعلان عن استحواذ رئيس الجمهورية على كل سلطات البلاد، في تطور خطير وتنكر لسبعين سنة من الدولة والإدارة التونسية وكفاءاتها".
واعتبر الائتلاف، الذي يقبع رئيس كتلته سيف الدين مخلوف في السجن بصحبة زميله نضال السعودي، أن "هذه الإجراءات ما هي إلا حلقة جديدة وخطيرة إلى ما قد نبّهنا إليه منذ يوم 25 جويلية (يوليو/ تموز) من انقلاب على إرادة الشعب وعلى الدستور وعلى كل مؤسساته المنتخبة واستفراد بالقرار في كافة السلطات".

وأكد البيان أن "رئيس الجمهورية قد خرج عن الشرعية الدستورية وفقد مشروعيته السياسية، على أثر القرارات الأخيرة التي خرقت كل النواميس القانونية والأخلاقية والسياسية المتعارف عليها وطنيا ودوليا، وانقلب على دستور الثورة التونسية الذي أقسم على حمايته، وها هو اليوم يدوسه تحقيقا لأهدافه الشخصية".
ودعا الائتلاف كل الأطياف السياسية إلى مقاومة كل أشكال الاستبداد الجديد عبر صياغة مواقف سياسية موحدة، ومساندته "كل تحرك أو احتجاج سلمي ومدني وقانوني لمناهضة الديكتاتورية الجديدة المهددة لمستقبل الشعب التونسي الحر".
وفي الجهة المقابلة، أعلنت رئيسة حزب "الدستوري الحر" عبير موسي، أمس الخميس، أنّ حزبها "سيتركّز في موقع المعارضة بعد أن كان في موقع المساندة النقدية لسعيّد"، داعية، في كلمة توجهت بها عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، رئيس الدولة إلى "تحديد مدة هذه الإجراءات وموعد إجراء الانتخابات"، مؤكدة "رفضها للديكتاتورية" وما وصفته بـ"الحكم الفردي المطلق".
وشددت على أن "مجلة الأحوال الشخصية والأمن القومي التونسي والحقوق والحريات وحق التعبير وحرية الصحافة والنشر، خطوط حمراء".
واليوم الجمعة، قال زعيم حزب "العمال" اليساري حمة الهمامي إن "ما قام به سعيّد يعد انقلابا على كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية واستفرادا بالسلطة"، معرباً، خلال ندوة صحافية، عن "رفضه التام لهذا النهج الذي يؤسس لحكم فردي مطلق استبدادي معاد لمطامح الشعب التونسي".
وفيما أعلن "انخراط حزب العمال في مقاومة الانقلاب والتمسك بشعارات الثورة والعمل على تحقيق أهدافها ضمن برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي شعبي بديل"، دعا "كل القوى السياسية والاجتماعية والمدنية التقدمية والديمقراطية إلى العمل المشترك لوضع حد للتلاعب الجنوني والخطير بمصير الشعب".
وتلتقي هذه النماذج الثلاثة، "الكرامة" و"العمال" و"الدستوري"، المتصارعة والمتناقضة سياسيا وأيديولوجيا، بالطريقة نفسها حول رفض قرارات سعيّد وتكيّفها سياسيا، إلا أنه يستحيل أن تلتقي معا في موقف موحد.
وأمس الخميس، صدرت مواقف مجتمعة من ناحية أحزاب "الجمهوري" و"التكتل" و"آفاق تونس" و"التيار الديمقراطي"، بينما صدرت مواقف أخرى لأحزاب "حراك تونس الإرادة" و"حركة وفاء" و"الإرادة الشعبية" و"الاتحاد الشعبي الجمهوري"، فيما كانت بقية المواقف منفردة، بينما يدعو الجميع إلى توحيد الصفوف.
ويطرح هذا التشرذم الحزبي سؤالا حول إمكانية توحيد جهود كل هذه الأحزاب، في حين يتواصل التلاسن بين مكوناتها برغم خطورة الوضع.
تعليقا على ذلك، أوضح الكاتب والمحلل السياسي عادل بن عبد الله أنه "طالما أن مشكلة الديمقراطيين هي النهضة وليس الفساد ولا الاستبداد، وطالما أنهم إلى الآن يَرَوْن أن الصراع هو بين النهضة والرئيس وليس بين الديمقراطية القاعدية وبين الديمقراطية التمثيلية بكل أحزابها ومؤسساتها، فمن المحال أن تتشكل جبهة لمقاومة الانقلاب، ومحال أن يفشل الانقلاب ما دام المنطق هذا هو الذي يحكم العقل السياسي للديمقراطيين".
وأكد بن عبد الله، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الديمقراطيين في تونس يتحركون على أساس أيديولوجي، ويعتبرون النهضة كأنها هي العدو الأصلي وليس الفساد أو الاستبداد، فمستحيل أن يحصل توافق بينهم وبين الإسلاميين على قواعد المشترك الوطني".
وتابع بن عبد الله أنه "لم تحصل بعد استفاقة حقيقية لدى العائلة الديمقراطية، فالسياسي محمد عبو مثلا يتحدث عن توحد القوى الديمقراطية ويستثني النهضة استثناءا مطلقا، وكأن القوى الديمقراطية كلها غير فاسدة والنهضة هي الفساد المطلق"، مضيفا "يستفيد سعيّد من هذا المنطق في النهاية، وطالما أن ما يسمى بالعائلة الديمقراطية يعتبر أن خلافه مع النهضة أكبر من خلافه مع شخص سيدمر كل توافقاته والمنجز الذي تحقق طيلة 10 سنوات، فإنهم يستحقون هذا الوضع"، على حد تعبيره.

وبين أن "المشكلة الحقيقية تتمثل في كون أغلب مكونات ما يسمى بالعائلة الديمقراطية لا علاقة لها بالديمقراطية حقيقة وممارسة، لا على مستوى التنظيم الحزبي ولا بالمواقف ولا في علاقتهم بالسلطة"، مضيفا "ممارساتهم أبعد ما تكون عن الديمقراطية، فلو كانوا ديمقراطيين في العمق فسيراجعون أنفسهم في هذه الانعطافات".
كذلك تساءل بن عبد الله عن "دور ومواقف المنظمات الوطنية والمجتمع المدني، وكأن مشكل هؤلاء هو الإسلام السياسي، في حين أن بقية المسائل قابلة للتفاوض وللتسويات".
وأكد أن "سعيّد سيكون على الأرجح في طريق مفتوح بسبب ذلك، وإذا سقط، فسيكون بسبب الوضع الاقتصادي والضغط الخارجي، أما في الداخل، فلا مجال لإسقاطه وسيكون كبن علي وعلى قياسه"، في إشارة إلى الرئيس الأسبق المخلوع الراحل زين العابدين بن علي.
ولفت بن عبد الله إلى أنه برغم ذلك "متفائل لأنه ورغم كل شيء هي فرصة تاريخية أمام الجميع، فإما أن تبحث الأحزاب والعائلة الديمقراطية والنهضة عن تسويات ويتوافقون على أسس جديدة تنحاز فعلا للشعب، ويواجهون سعيّد بمشروع جديد، وإما أن يمضي سعيّد في مشروعه لأننا لم ننضج بعد للحكم، وفي كلتا الحالتين سنجني ما نستحقه".
وفي تدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك"، أوضح بن عبد الله أنه "بانقلاب 25 جويلية، دفع الرئيس قيس سعيّد بالأزمة البنيوية لمنظومة الحكم وبالعقل السياسي الذي هندسها إلى نهاياتهما المنطقية، كما وضع كل النخب أمام حقيقتهم العارية، وفرض عليهم أن يختاروا بين كتابة التاريخ معا أو أن يكونوا ضحاياه ومنبوذيه".


وتابع محذراً "فإما أن يتجاوزوا الصراعات الهووية (حول الهوية) ويبنون مشتركا مواطنيا اجتماعيا حقيقيا (بعيدا عن منطقي التوافق الانتهازي والاستئصال وإدارة الخلافات بمفردات الصراع الوجودي)، وإما أن يدخلوا الحلقوم طوعا أو كرها، أي أن يكونوا جميعا مجرد تكملة عدد أو ديكورا في جمهورية الزعيم ونخبه البديلة بقيادة الحشد الشعبي".

وإلى حد الآن، يبدو الصمت الدولي مما يحدث في تونس مريبا، حيث لم يعلق على الأحداث إلا الأمم المتحدة في مؤتمر صحافي عقده ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريس، في المقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك، أمس الخميس، داعيا "الأطراف التونسية إلى إطلاق حوار شامل يتوافق مع القيم الديمقراطية، من أجل حل القضايا العالقة في البلاد".
وقال دوجاريك "ندعو جميع الأطراف المعنية في تونس إلى حل القضايا العالقة من خلال حوار شامل يتوافق مع القيم الديمقراطية".
وأضاف "الأمم المتحدة مستمرة في التزامها بدعم المؤسسات الديمقراطية في تونس، وأيضا تقديم الدعم لهذه المؤسسات في استجابتها لجائحة كورونا".