تطوّرات دبلوماسية، تشهدها العلاقات بين إيران والدول الجارة، خاصة الدول الخليجية، فمن جهة بدأت المباحثات الإيرانية السعودية تدخل مرحلة جديدة بعقد جولتها الخامسة في بغداد وسط حديث عن "تقدّمها"، واحتمال أن تتوج باجتماع لوزيري خارجية البلدين قريبا، ومن جهة أخرى، شهدت الشهور الأخيرة زيارات متبادلة مستمرة بين طهران وعواصم خليجية أخرى على مستويات مختلفة، تكاد تكون غير مسبوقة بعد التوترات الكبيرة التي سادت العلاقات الإيرانية الخليجية خلال العقد الأخير، فضلا عن وساطات تقوم بها أطراف خليجية في مقدمتها الوسيط العماني بين طهران وواشنطن لخفض التوتر، عبر بوابة إحياء الاتفاق النووي.
وفي السياق، بعد زيارة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الدوحة خلال فبراير/شباط الماضي، من المقرر أن يزور أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، طهران قريبا، حسب ما قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، اليوم الإثنين، من دون أن يذكر تاريخ الزيارة، لكن مصادر إيرانية مطلعة كشفت أن الشيخ تميم سيحل ضيفا على طهران يوم الخميس المقبل.
وأضاف خطيب زادة، خلال مؤتمره الصحافي، أن الرئيس الإيراني سيزور دولة خليجية من دون تسميتها، لكن المصادر الإيرانية المطلعة التي فضلت عدم الكشف عن هويتها أكدت، لـ"العربي الجديد"، عن زيارتين خليجيتين على جدول أعمال الرئيس الإيراني، مشيرة إلى أنها لسلطنة عمان والإمارات.
وأضافت المصادر أن زيارة رئيسي لمسقط ستتم "قريبا" تلبية لدعوة سابقة للسلطان هيثم بن طارق آل سعيد.
وعن الزيارة للإمارات، تقول المصادر الإيرانية المطلعة إن رئيسي تلقى دعوات لزيارة أبوظبي، لكن إنجاز هذه الزيارة ليس مطروحا في الوقت الراهن، وستتم "في وقت مناسب".
الوساطة العمانية بين طهران وواشنطن
ما يميز زيارة رئيسي المرتقبة إلى سلطنة عمان، أن دلالاتها تتجاوز العلاقات الثنائية بين طهران ومسقط إلى ملفات إقليمية ودولية ساخنة، في مقدمتها المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن لإحياء الاتفاق النووي المترنح في إطار مفاوضات فيينا النووية المتوقفة منذ شهرين تقريبا، لكنّها متواصلة بصيغة أخرى عبر منسق المفاوضات أنريكي مورا نائب مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي ينقل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ومن المقرر أن يزور طهران غدا الثلاثاء في هذا الإطار، في زيارة تستمر لأربعة أيام على أمل حلحلة القضايا المتبقية بمفاوضات فيينا.
وتعد عُمان إلى جانب سويسرا الوسيطين الرئيسيين بين إيران والولايات المتحدة الأميركية خلال العقود الأربعة الأخيرة منذ انقطاع العلاقات بين طهران وواشنطن 1980، فيقوم الطرفان بدور ساعي البريد بينهما، غير أنه خلال السنوات الأخيرة أيضا أضيفت أطراف إقليمية أخرى إلى قائمة الوسطاء بين البلدين.
ولعبت سلطنة عمان طيلة السنوات الماضية دورا نشطا في الوساطة بين طهران مع كل من واشنطن ولندن لعقد صفقات تبادل السجناء، وآخرها كان نجاحها في عقد صفقة للإفراج عن الصحافية الإيرانية البريطانية نازنين زاغري والمواطن الإيراني البريطاني أنوشه أشوري مقابل تسديد بريطانيا ديونا إيرانية تقدر بـ470 مليون يورو تعود إلى العهد الملكي الإيراني.
لكن الوساطة العمانية الأهم ظهرت في الملف النووي، إذ نجحت مسقط في جمع الطرفين الأميركي والإيراني على طاولة تفاوض سري مباشر لأول مرة في عام 2012، وقد تطور ذلك إلى التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 في فيينا، بعد اتفاق أولي في لوزان السويسرية. الخط العماني يعمل حالياً على إنجاز صفقة تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن الإفراج عن أرصدة إيرانية في الخارج في إطار الصفقة.
نتائج زيارة رئيسي على الاتفاق النووي
وعما إذا كانت الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إلى عمان، يمكن أن تتوج بحلحلة القضايا المتبقية بين طهران وواشنطن، يشير الخبير الإيراني بالعلاقات الإيرانية الأميركية هادي خسرو شاهين إلى الدور التاريخي لعمان بين الطرفين، قائلا إن ما يدفع عُمان وأطرافاً خليجية أخرى للوساطة هو "رغباتها الجادة في خلق أجواء تساهم في خفض التوترات وتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين وذلك من خلال إحياء الاتفاق النووي، فضلا عن الرقي بمكانتها ودورها عبر ممارسة هذه الدبلوماسية".
ويضيف خسرو شاهين، لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة الأوكرانية دفعت عمان وأطرافا أخرى بحثا عن حلول لإحياء الاتفاق النووي، خشية انتقال الأزمة إلى الشرق الأوسط وتحوّلها إلى ساحة غير مستقرة أخرى ودخولها في سباق نووي.
لكن لا يُتوقع تحقيق انفراجة كبيرة بمفاوضات فيينا من خلال الوسيط العماني أو غيره، حيث يصوب خسرو شاهين على الظروف والقطبية الثنائية الداخلية في الولايات المتحدة، والتي وضعت الإدارة الأميركية أمام ثنائية إحياء الاتفاق النووي من عدمه، بعد أن فرضت هذه الظروف المزيد من القيود أمام هذه الإدارة لإحياء الاتفاق، مشيرا إلى أن الوقت اليوم ليس في مصلحة الرئيس الأميركي جو بايدن لاستخدام الاتفاق المحتمل مع طهران كورقة رابحة في الانتخابات التكميلية للكونغرس.
وفي ظل القيود الداخلية التي يواجهها الرئيس الأميركي، يستبعد الخبير الإيراني خسرو شاهين، في حديثه مع "العربي الجديد"، نجاح الوساطات الإقليمية بين طهران وواشنطن في دفعهما إلى حل للوصول إلى اتفاق بمفاوضات فيينا، لكنه يرى في الوقت ذاته أن هذا النجاح ممكن إذا تمكنت عمان أو الأطراف الوسيطة الأخرى من دفع الطرفين إلى مفاوضات مباشرة سرية على غرار تلك التي حصلت خلال 2011 إلى 2013 "عبر ممارسة دبلوماسية غير رسمية".
الزيارة إلى الإمارات
خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، وجّه رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان، دعوة رسمية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الإمارات، نقلها مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد إلى الرئيس الإيراني خلال زيارته إلى طهران في الشهر نفسه.
وإلى جانب ذلك، تقول مصادر إيرانية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن الجانب الإماراتي كرر الدعوة في لقاءات أخرى، بعضها سرية بين الطرفين، غير أن هذه المصادر تؤكد أن إنجاز الزيارة على جدول أعمال الرئيس الإيراني "في وقتها المناسب"، مضيفة في الوقت ذاته أن "الجانب الإيراني ليس متحمسا كثيرا لتلبيتها في الوقت الراهن بسبب الهرولة الإماراتية الغريبة للتقارب مع الكيان الصهيوني".
توضح المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها أن إيران "عبر قنوات خاصة وجّهت منذ فترة ليست قريبة تحذيرات إلى أبوظبي بشأن تحركاتها غير العادية في تعزيز العلاقات مع الكيان الإسرائيلي ومخاطر ذلك على أمن المنطقة واستقرارها"، معربة عن أسفها في أن "الإمارات لاعتبارات لا تخدم أمن المنطقة وقضاياها تخطو خطوات متسارعة مزعجة نحو التقارب مع هذا الكيان".
وفي السياق، يقول الخبير الإيراني رضا صدر الحسيني إن الحكومة الإيرانية الجديدة "تبنت مقاربة في سياستها الخارجية تعتمد على تعميق العلاقات مع الدول الجارة المسلمة وغير المعادية"، مشيرا إلى زيارات مسؤولين إيرانيين إلى دول إقليمية واستقبال طهران قادةً ومسؤولين من هذه الدول.
ويضيف صدر الحسيني، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن التوجه الإيراني لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها يركز على تطوير العلاقات الاقتصادية، قائلا إن ثمة دولا أخرى وجهت دعوات للرئيس الإيراني لزيارتها، لكن الزيارة لم تتم بعد.
وفي السياق، يشير صدر الحسيني إلى "خطوط حمراء" إيرانية و"معايير وفق المصالح الوطنية والقيم الإسلامية" في الزيارات الخارجية للرؤساء الإيرانيين، مؤكدا أن الرئيس الإيراني الحالي أيضا ملتزم بهذه القواعد.
ويؤكد الخبير الإيراني أن "السياسة الخارجية المنطقية والدقيقة للجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتمد على عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب، وبالنظر إلى ممارساته العدائية ضد المنطقة الإسلامية والعربية وجرائمه، فإن للجمهورية الإسلامية خطوطا حمراء في العلاقات مع دول كشفت عن علاقاتها السياسية مع هذا الكيان".