أثبت الوضع في ليبيا، على طول خط أزمة البلاد، أن القادة والساسة الليبيين غير قادرين على تقديم التنازلات الحقيقية لكسر الجمود السياسي الذي يلي الحروب المتتالية في كل مرة. فسلسلة الحوارات السياسية التي انطلقت نهاية عام 2014 برعاية أممية، واللقاءات التي احتضنتها باليرمو وباريس وبرلين لمرتين، وكذلك تلك التي انعقدت في موسكو وتونس وأبوزنيقة المغربية وغيرها، لم تنته إلى شيء. ففي كل مرة تتمخّض عنها وثائق اتفاقات سياسية، لكن سريعاً ما يعود الوضع للتأزيم، قبل أن يرجع للجمود والمراوحة.
كما أثبت الوضع، على طول خط أزمة البلاد، أن الحل ليس بيد العواصم الكبرى، فالملف الليبي استثناء في السياسات والمصالح الدولية وليس القاعدة فيها، ويرتفع وينخفض في سلم أولويات تلك العواصم ذات الثقل الكبير، بحسب مصالحها الآنية، وإذا ما أولته اهتماماً، فمصلحة ليبيا ليست ضمن مصالحها. ولذا، بقي الحل الدولي هامشياً، على الرغم من الانخراط الكبير لتلك العواصم في بعض الأحيان في الملف الليبي.
ويبدو أن الحل ليس بيد قادة الداخل القريبين جداً من الأزمة، ولا بيد القادة الدوليين الملامسين للأزمة بحسب مصالحهم، بل عند دول الطوق الليبي على وجه الخصوص، والإقليم على العموم. فهي المعنية بالحالة الليبية التي انجرفت للفوضى والحروب والانقسامات وكل أشكال الانهيار حد التخمة.
فليس من مصلحة الجزائر ولا مصر، على سبيل المثال، استمرار حالة الفوضى الليبية، خصوصاً مع بوادر انقسام حكومي جديد يلوح في الأفق منذ مارس/آذار الماضي، عندما كلف مجلس النواب حكومة جديدة، رفضت حكومة الوحدة الوطنية تسليمها السلطة.
قد يكون الحل الإقليمي يعني انتظارا طويلا، فسياسات التقارب بين دول الجوار الليبي لا تزال تحتاج للكثير من التطوير، لكن هذه الدول تعدّ الأفضل والأقرب من دون شك، لارتباطها بالمستجدات الليبية المتصاعدة وتأثير هذه المستجدات على أمنها القومي ومصالحها.
في الآونة الأخيرة، تناول العديد من المراقبين تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بشأن اعترافه بحكومة الوحدة الوطنية كحكومة شرعية وحيدة في البلاد، في إنكار ضمني لقرار مجلس النواب تكليف حكومة جديدة. وتمت قراءة هذه التصريحات بشكل يفهم منه على أنها مناكفة جزائرية لسياسات مصر في الملف الليبي، خصوصاً وأنها جاءت بالتزامن مع احتضان القاهرة للقاءات اللجنة الدستورية المكلفة إعداد قاعدة دستورية للانتخابات.
لكن قد تحمل تلك التصريحات من جانب آخر، رسالة مضمونها طلب جزائري لبناء سياسة إقليمية توافقية في الملف الليبي، خصوصاً إذا ما أكمل المراقب والمتابع بقية تصريح تبون الذي رحب فيه باستضافة لقاء إقليمي لبحث ملف الانتخابات الليبية، ومساعدة الأطراف الليبية على إنجازها.
وربما يؤكد صحة هذه القراءة أنه لم يصدر عن القاهرة أي موقف أو تعليق حيال تصريحات الرئيس الجزائري، ما قد يعني تلقّيها بالقبول. فهل نشهد تقارباً مصرياً جزائرياً قريباً، بعيداً عن التأثيرات الدولية؟