فاجأت الروزنامة التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد لتنظيم انتخابات تشريعية واستفتاء شعبي بشأن تعديل الدستور هيئة الانتخابات، التي أكدت أنه لم يتم التنسيق معها في تحديد هذه المواعيد، وصعوبة إجراء أربعة انتخابات في ظرف سنة واحدة. كما أعلنت حركات مدنية تمسكها بالشرعية الدستورية ورفضها التفرد بالحكم.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري إن "الهيئة لديها برنامج محدد بصفة مسبقة يهم المحطات الانتخابية المقبلة والتي تمت برمجتها سابقا وتواريخها دورية"، وأن من بين "هذه المحطات، نجد انتخابات المجلس الأعلى للقضاء في أكتوبر/تشرين الأول 2022، والانتخابات البلدية في مايو/أيار عام 2023. والتحضير لأي مسار انتخابي يتطلب 6 أشهر من حيث التسجيل والإعداد للقائمات، والترشحات، والإعداد للحملة".
وأضاف أنه "بتنظيم الاستفتاء على الدستور في يوليو/تموز 2022 والانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر/ كانون الأول ستصبح هناك أربعة مواعيد كبرى، وبالتالي سيكون صعبا ومن غير الممكن تنظيمها على أرض الواقع"، مؤكدا أن ذلك، لوجستيا وتنظيميا وواقعيا، غير ممكن.
محطات وتواريخ متداخلة
وبيّن التليلي أنه "لا يمكن للهيئة مجاراة هذه التواريخ، ويجب منع التداخل بين المحطات والمواعيد". وأضاف أن "كل محطة ستتطلب تنظيما وتسجيلا للناخبين وتوفير العنصر البشري ومكاتب الاقتراع اللازمة"، وأنه "لا يجب التغافل عن فترة النزاعات في المحاكم الإدارية والابتدائية والتي تتميز بطولها".
وبرأيه، هناك "مسائل لا يمكن الاجتهاد فيها، لأنها تتطلب مراحل معينة تمر بها وجوبا"، وأن "هذا الأمر سيثقل كاهل الهيئة، وحتى من حيث النجاعة المطلوبة لن تكون هناك نجاعة بسبب نقص العنصر البشري"، مذكرا بما حصل في الانتخابات التشريعية والرئاسية، من تداخل ليومين فقط، نجمت عنه عدة صعوبات، فكيف سيكون الأمر مع 4 محطات كبرى، مؤكدا أنه "لم تتم استشارة الهيئة في هذه الروزنامة ولا التنسيق معها".
وأكد أن "القرارات لا تزال خطابا ولم تتجسم بعد في شكل مراسيم في الجريدة الرسمية لدراستها والنظر في التواريخ، وعندها ستتم مراسلة رئاسة الجمهورية وطلب المباحث في المسألة لتفادي التداخل في المواعيد".
استفتاء سهل بلا سند قانوني
وحول نية رئيس الجمهورية إجراء استفتاء شعبي، بين التليلي أن "الهيئة يمكنها الإشراف على الاستفتاء، وربما هو أسهل من عملية تنظيم الانتخابات، لأنه تقنيا وفنيا أقل تعقيدا، وعلى مستوى بطاقات الاقتراع ستكون الإجابة بنعم أو لا"، وفي الوقت نفسه أشار إلى أن "الهيئة خاضت العديد من الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية، وعن طريق الخبرة الموجودة لديها يمكنها تنظيم استفتاء شعبي متى تحدد ذلك ولكن شرط عدم تداخل المواعيد" .
أما عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عادل البرينصي، فرأى أن تصريح الرئيس قيس سعيّد بأن التعديلات على الدستور ستأتي بعد استشارة إلكترونية عبر الإنترنت تنطلق في يناير/كانون الثاني 2022، وتنتهي في 20 مارس/آذار المقبل، مع إشراف لجنة على مختلف تلك المسائل، ليس له أي سند قانوني، ولكن يمكن للرئيس أن يذهب في هذا الخيار.
وأضاف، في تصريح إعلامي، أنّ هيئة الانتخابات هي الجهة الوحيدة التي يمكنها الإشراف على الاستفتاء، وأن تحديد المواعيد الانتخابية يتطلب تحضيرات لوجستية وقانونيّة وقرارات ترتيبية مسبقة.
ضد حكم الفرد
من جانب آخر، أطلقت مبادرة "توانسة من أجل الدّيمقراطيّة" عريضة ضد مسار الانقلاب، أكدت فيها دعم "كلّ التّحرّكات النّضاليّة المدنيّة السّلميّة المدافعة عن الشّرعيّة الدّستوريّة والرّافضة للحكم الفرديّ التّسلّطيّ". ووجدت المبادرة أن هناك "إمعان من السلطة الحاليّة في تكريس المسار الانقلابي عبر الإعلان الصّريح عن تعليق دستور 2014، والشروع في صياغة دستور مُسقط، يعكس إرادة المنقلب ومجاميع حملاته التّفسيريّة، والاستهداف السّافر للقضاء وهياكله المنتخبة، وتواتر الاعتداءات على الحقوق والحرّيات ومحاكمات المدنيّين أمام القضاء العسكري".
وتضم المبادرة الجديدة عددا كبيرا من النواب والوزراء السابقين وناشطين سياسيين ورؤساء. وأوضح الوزير السابق، القيادي المستقيل من حركة النهضة عبد اللطيف المكي، أن المبادرة "تجمّع توجهات فكرية وحساسيات سياسية مختلفة، ولها مهمة سياسية واضحة تتمثل في ضرورة التصدي للانقلاب والقرارات الأخيرة للرئيس سعيد، ثم طرح القضايا الإشكالية جميعها بما فيها النظر في الدستور، ولكن في إطار حياة سياسية عادية وتوزيع السلطات، وليس بحوار يتحكم فيه شخص واحد".
وأضاف المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "سلوك الرئيس سعيد منذ ما قبل إجراءات 25 يوليو، ومنذ ترشحه يبين مسارا لإرساء نظام الفرد".
خروج من الحالة الاستثنائية
وذكّر المكي بأن "الرئيس كان ضد مبدأ الاستفتاء قبل أن يصبح رئيسا ويعتبر أنه يخدم الدكتاتورية، وكل الاستفتاءات في العالم العربي تنتهي بالموافقة، وهذا بنص تصريحه، ولذلك فنحن ترى أيضا أن نتائج هذا الاستفتاء ستكون معلومة مسبقا".
وقال المكي إن "رؤية المبادرة تقوم على جملة من المراحل، أولها الخروج فورا من الحالة الاستثنائية، وإعادة البرلمان معدلا في مكتبه ورئاسته ومن خلال القانون الداخلي، وإزالة سلبياته التي جعلت التونسيين يكرهون هذا البرلمان، ثم الحوار بشأن مضامين تغيير الدستور وقانون الأحزاب والانتخابات وغيرها، ثم الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، وقبل كل ذلك حكومة إنقاذ وطني ببرنامج إنقاذ للوضع الاقتصادي والمالي للدولة".
وأوضح المكي أن "ترتيب هذه الأولويات والمهام يبقى من مشمولات الجهات التي ستتحاور معا".
شعبوية سعيد
واعتبر الموقعون على المبادرة أنّ "رئيس الجمهوريّة قد استغلّ الأزمة السّياسيّة الخانقة وتردّي صورة مجلس نوّاب الشّعب لمحاولة فرض رؤيته الشّعبويّة القائمة على رفض الدّيمقراطيّة التّمثيليّة وتعويضها بالبناء القاعدي في ظلّ دستور على المقاس".
وأكد الموقعون أن "الاستفتاء آلية لا تمكن الشعب من القرار الفعلي أمام ترسانة من المشاريع الدستورية والقانونية التي ينوي الرئيس وضعها عبر لجنة معينة من قبله لبلورة مشروع سياسي على المقاس، لا علاقة له بإرادة الشعب".
وفي السياق، اعتبر "محامون لحماية الحقوق والحريات" أن "خطاب الرئيس حل غير معلن لمجلس نواب الشعب الحالي، وفي ذلك ضرب لإرادة الناخبين الذين اختاروا أعضاءه في انتخابات حرة وشفافة، وأن إعلان هذه الرزنامة اعتداء على صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومضيّ في حلها، مما يمس من حياد كل جهة قد يعهد إليها مستقبلا الإشراف وتنظيم انتخابات قادمة أو استفتاء منتظر".
إصلاح لا إقصاء
من جهة ثانية، أكدت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، في بيان لها، أن "المحاماة وفيّة لمبادئها في الدّفاع عن استقلالية القضاء بوصفه حاميا للحقوق والحرّيات والنّأي به عن كل التجاذبات"، مشددة على "دور المحاماة التونسية كشريكة أساسية في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات".
وكانت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين روضة القرافي قد شددت على أن "حلّ المجلس الأعلى للقضاء خـط أحمر، وأنّ هذا لا يعني عدم إصلاحه"، وحذّرت من "المسّ بالسلطة القضائية في الظرف الحالي الذي تعيشه البلاد، في ظل غياب المحكمة الدستورية والهيئة الرقابية والبرلمان والالتجاء للمحكمة الإدارية".