استهدف القصف الأميركي، يوم الجمعة، أكثر من 100 موقع لحلفاء إيران في سورية والعراق واليمن، "أضعفت قدرات هذه الجهات لكنها لن تردعها"، كما ذهب الجنرال المتقاعد جاك كين.
يلخص تقييم كين معظم الردود الأميركية التي توزعت بين اعتبار العملية "غير كافية إطلاقاً"، بحسب المحافظين، وبين من يعتقد أن حجمها الواسع غير المسبوق حقق مهمة "إيصال الرسالة" إلى إيران لحملها على عدم تكرار ضربة البرج 22 في شمال شرق الأردن، التي أدت إلى مقتل 3 جنود أميركيين.
لكن حتى الفريق الواسع المؤيد للاكتفاء بمضمون الرسالة، والاكتفاء بضرب حلفاء إيران في المنطقة وعدم قصف مواقع داخل إيران، يدرك أنه من المستبعد أن تؤدي هذه العملية إلى ردع طهران، أو حلفائها في المنطقة. هناك سوابق تشهد على أن ذلك لم يردع إيران. أهمها اغتيال الجنرال قاسم سليماني في 2020 الذي لم يمنع هجمات مليشيات مدعومة من إيران على القوات الأميركية.
يعزو مراقبون ذلك إلى جملة أسباب، منها أن الإدارة الأميركية تعاملت مع إيران، منذ البداية، "على أساس أنها لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة"، كما يقول السفير السابق جيمس جيفري، مدير قسم الشرق الأوسط حالياً في مركز وودرو ويلسون للدراسات والأبحاث في واشنطن، وحافظ البيت الأبيض دائما على جسور معها.
تبدّت تلك الجسور في مفاوضات إدارة بايدن مع إيران التي استمرت أكثر من سنتين بهدف إحياء الاتفاق النووي الإيراني، لكن من غير جدوى، وحتى اللحظة، لم تعلن الإدارة رسمياً عن موت هذا الاتفاق.
يضاف إلى ذلك أن مقاربة بايدن لردع طهران مغلوطة "لأنها مبنية على الخوف من التصعيد، بحيث أدى ذلك إلى ردع واشنطن نفسها بدلاً من ردع طهران"، بحسب الجنرال كينيث ماكينزي قائد قوات المنطقة الوسطى سابقاً، ومدير مؤسسة الأمن القومي في جامعة جنوب فلوريدا حالياً.
يقول الأستاذ الجامعي أفشن أوستوفار، المتخصص في الشؤون الإيرانية، إن "عدم التصعيد" سياسة تبنّتها الإدارة تجاه إيران، وعادت لتشدد عليها بعد اندلاع الحرب على غزة. وتحرص طهران على ألا تترك فرصاً للمواجهة المباشرة معها، إذ تقوم بالعمليات ضد القوات الأميركية في المنطقة من خلال "أذرعها ووكلائها في سورية والعراق الذين لا ترى نفسها مجبرة على الدفاع عنهم طالما هم ليسوا إيرانيين".
الواقع الذي يسود المنطقة راهناً، حذر بعضهم من عواقب تجاهله، منهم جون بولتون، السفير ومستشار الأمن القومي السابق، لصالح إعطاء الأولوية للملف النووي الإيراني، خصوصاً في ظل إدارتي أوباما وبايدن.
الردع الأميركي لطهران وحلفاء إيران يبدو اليوم غير متماسك، وتسارع الإدارة الأميركية إلى ترميمه بارتباك ملحوظ. وقد تحدث كل من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، والمنسق الإعلامي لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، في مقابلاتهما مع شبكات التلفزة الرئيسية الخمسة، عن عمليات يوم الجمعة، وبررا تأخرها بالحاجة إلى الوقت اللازم "لتحديد المواقع"، وإلى انتظار "الطقس المناسب"، علماً أن قاذفات ب 1 التي استخدمت فيها تعمل في كافة الظروف المناخية. أكد كلاهما أن عمليات الجمعة ستتبعها موجات أخرى، بعد أن ينهي البنتاغون عملية "تقييم نتائج الضربات".
وبشأن ما إذا كان القيام بعمليات داخل إيران خياراً مطروحاً، قال سوليفان إنه ليس في وارد التأكيد أو النفي، في حين أن الرئيس بايدن سبق أن حسم موقفه ضد احتمال كهذا، ويعزز غياب الاتساق، على ما يبدو، علامات الاستفهام التي أثارها إخراج مشهد الرد حين بدا وكأنه مصمم "لمنح المواقع المستهدفة الفسحة اللازمة لاتخاذ احتياطات المسبقة"، بحسب تعبير السيناتور الجمهوري لاندسي غراهام ومراقبين غيره.
ربما كانت الحسابات ألا تؤدي الضربات إلى ردود فعل إيران، ما يفتح الباب على مسلسل "الردود والردود المضادة". هذا آخر ما يريده الرئيس بايدن المقبل على موسم انتخابي، مع متاعبه التي زادتها الحرب على غزة.