واشنطن تعيد فرض العقوبات على كراكاس: خلاف الرئاسيات الفنزويلية يحتدم

01 فبراير 2024
ماتشادو بين أنصارها في كراكاس، يونيو 2023 (كارلوس بيسيرا/Getty)
+ الخط -

عاد التوتر إلى العلاقات الأميركية ـ الفنزويلية، على خلفية الانتخابات الرئاسية في كراكاس، المقررة في وقتٍ لم يتم تحديده من العام الحالي. وتجلّى التوتر في إعادة واشنطن العمل بسياسة العقوبات ضد السلطات الفنزويلية، في خطوة من المفترض أن ترتدّ سلباً على محاولات التقارب بين البلدين، التي بدأت عملياً في ربيع 2022.

واشنطن تعيد فرض العقوبات على كراكاس

وأعلنت الولايات المتحدة، مساء أول من أمس الثلاثاء، أنها ستعيد فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز الفنزويلي، معتبرة أن الرئيس نيكولاس مادورو لم يفِ بالتزاماته بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة هذا العام.

وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر في بيان أنه "في غياب التقدم، خصوصاً في ما يتعلق بالسماح لجميع المرشحين بالمنافسة في الانتخابات الرئاسية هذا العام، لن تجدد الولايات المتحدة الترخيص (الذي يسمح بشراء النفط والغاز الفنزويليين) عندما ينتهي العمل بموجبه في 18 إبريل/نيسان 2024".

وسارعت فنزويلا إلى التنديد بقرار واشنطن. وكتبت نائبة الرئيس دلسي رودريغيز على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) أن "فنزويلا بأكملها ترفض الابتزاز الفظ وغير اللائق والإنذار الذي عبّرت عنه حكومة الولايات المتحدة".

أعلنت كراكاس إلغاء عودة المهاجرين الفنزويليين من واشنطن

 

وأضافت أنه "إذا قاموا بالخطوة الخاطئة المتمثلة في تكثيف العدوان الاقتصادي على فنزويلا... فاعتباراً من 13 فبراير/شباط الحالي ستُلغى رحلات عودة المهاجرين الفنزويليين على الفور". وبدأت الولايات المتحدة في إعادة المهاجرين الفنزويليين إلى وطنهم على متن رحلات مستأجرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد اتفاق بين مادورو والرئيس الأميركي جو بايدن، من أجل "الإعادة المنظمة والآمنة والقانونية" للمهاجرين الفنزويليين غير المسجلين.

وكانت واشنطن أعلنت، مساء الاثنين، أنها ستعيد فرض عقوبات على شركة "مينيرفين" العامة التي تدير مناجم الذهب. وأشارت هيئة الرقابة المالية (أوفاك) التابعة لوزارة الخزانة الأميركية في مذكرة إلى أنها ستعطي مهلة حتى 13 فبراير الحالي "لاستكمال أي معاملات جارية" مع "مينيرفين".

وبذلك، تتراجع الولايات المتحدة عن نهج تخفيف عقوباتها الذي أعلنته عقب الاتفاق المبرم في بربادوس في أكتوبر الماضي بين ممثلي مادورو والمعارضة بهدف إجراء انتخابات رئاسية عام 2024. وأعطى هذا الاتفاق فرصة للطامحين إلى الترشح للانتخابات الرئاسية للطعن في قرار اللجنة الانتخابية استبعادهم لعدم أهليتهم، وهو ما فعلوه.

ورداً على ذلك، سمحت واشنطن مجدداً بشراء الغاز والنفط الفنزويليَين لمدة ستة أشهر. لكن المحكمة العليا في فنزويلا ثبتت الأسبوع الماضي الحكم الصادر بحق مرشحة المعارضة الرئيسية ماريا كورينا ماتشادو، القاضي بعدم أهليتها للترشح للانتخابات الرئاسية، وهو قرار نددت به واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وكان التقارب بين واشنطن وكراكاس قد انطلق في ربيع 2022، وذلك على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير 2022. وأدى الغزو إلى تدهور إمدادات الطاقة وانقطاعها، خصوصاً أن العالم كان لا يزال يعاني من تعثر سلاسل التوريد، بفعل الإغلاقات التي فُرضت بعد تفشي وباء كورونا في عام 2020.

وحاول الأميركيون تفعيل العلاقات مع فنزويلا في حينه، على خلفية الحاجة إلى النفط الفنزويلي، خصوصاً أن كراكاس تملك واحدة من أكبر احتياطيات النفط في العالم. وبطلب من الرئيس الأميركي جو بايدن، توجه كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون أميركا اللاتينية خوان غونزاليس والسفير جيمس ستوري، إلى كراكاس، حيث أجريا محادثات كانت الأولى من نوعها منذ سنوات مع مادورو، ونائبته ديلسي رودريغيز، وذلك في مارس/آذار 2022.

وسمح التقارب في وقته بتذليل العديد من العقبات، مثل الإفراج المتبادل عن سجناء لدى البلدين، ورفع بعض العقوبات الأميركية عن فنزويلا، والسماح لشركة النفط الأميركية "شيفرون" باستئناف نشاطها في فنزويلا، بما في ذلك استيراد الخام الفنزويلي للولايات المتحدة. مع العلم أن العقوبات التي تستهدف صناعة الذهب في فنزويلا لم تُرفع.

وربطت الإدارة الأميركية خطواتها في حينه بنجاح المساعي النرويجية في جمع الحكومة الفنزويلية والمعارضة في المكسيك، وتوقيعهما على اتفاق لـ"إيجاد مخرج من الأزمة السياسية في البلاد". وسمح هذا الاتفاق الداخلي الفنزويلي، بضمان الإفراج تدريجياً عن مليارات الدولارات المجمدة في الخارج من قبل صندوق تديره الأمم المتحدة، ليتم توجيهها إلى الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الغذائية.

كان التقارب بين واشنطن وكراكاس قد انطلق في ربيع 2022

 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت الحكومة الفنزويلية استئناف المحادثات مع ست شركات متعددة الجنسيات، بهدف رفع الإنتاج النفطي في البلاد. ومع ذلك، في مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، ذكر منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، أن الولايات المتحدة مستعدة "لوقف" تخفيف العقوبات ما لم تتمكن حكومة مادورو من إظهار تقدم متجدد نحو إطلاق سراح السجناء السياسيين والمواطنين الأميركيين المحتجزين في فنزويلا.

إمدادات الطاقة والمرحلة الانتقالية 

ونجح الأميركيون في تمرير المرحلة الانتقالية التي عانى منها العالم، والغرب الصناعي خصوصاً، بتعثّر إمدادات الطاقة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، بعد الاعتماد على بدائل متنوّعة. بدوره، لم يتردد مادورو في تأكيده على نيته "تطبيع العلاقات" مع الولايات المتحدة.

وذكر في يناير/كانون الثاني 2023، أن "فنزويلا مستعدة تماماً للتحرك باتجاه عملية لتطبيع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية والسياسية مع إدارة الولايات المتحدة. وأوضح خلال لقاء مع الصحافي الفرنسي إيغناسيو رامونيه وقناة "تيليسور"، أنه مستعدّ "لحوارات على أعلى مستوى، من أجل علاقات يسودها الاحترام، وآمل في أن يصل شعاع من الضوء إلى الولايات المتحدة... من أجل أن تقلب الصفحة وتترك هذه السياسة المتطرفة جانباً وتتوصل إلى اعتماد سياسات أكثر براغماتية حيال فنزويلا".

لكن كل ذلك تغيّر أخيراً، خصوصاً أن الحاجة للطاقة ستبقى أولوية لدى الأميركيين، في ظلّ الوضع المتوتر في الخط الملاحي للبحر الأحمر، بينما ستؤدي عودة العقوبات إلى كبح النمو البطيء للاقتصاد الفنزويلي، مما يهدد بتحويل ملف الانتخابات الرئاسية في كراكاس، إذا أُجريت أم لا، إلى استفتاء بين الحكومة والمعارضة في كراكاس.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)