قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن "الوقت قد حان لإعادة النظر" في العلاقات مع السعودية. ورأى، خلال مقابلة متلفزة غير اعتيادية، أن دور المملكة في قرار "أوبك+" الأخير بخفض الإنتاج لا بد وأن "تترتب عليه تبعات"، وأن الرد سيأتي في حينه "بعد التشاور مع الكونغرس والحلفاء"، من دون حتى التلميح إلى طبيعة الرد.
وفي اليومين الأخيرين، دخل الكونغرس بقوة على الخط، وبكثير من التشدد والتركيز على عدة نواحٍ تراوحت بين "تجميد التعاون" مع المملكة، مرورا "بسحب القوات والدفاعات الجوية الأميركية" المتواجدة على أرضها، وانتهاء "بوقف بيعها أسلحة وتقنيات عسكرية متقدمة".
وقد تقدم بعض أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، مثل السناتور ريتشارد بلومنتال والنائب رو خانا، بمشروع قانون لمنع تزويد الرياض بالسلاح. والمعروف أن هناك عدة مشاريع قوانين مماثلة جرى طرحها في الأشهر السابقة، لكن جرى تجميدها بضغوط من البيت الأبيض الذي استمهل الأمر ريثما يقوم بايدن بزيارته إلى المملكة، والتي أثارت عليه نقمة كبيرة، وبالذات من الديمقراطيين مع تحميله مسؤولية فشلها "الذريع".
الآن الوضع مختلف، وهناك غالبية واسعة في الكونغرس بإمكانها تخطي فيتو الرئيس لو حاول الاعتراض على تحرك من هذا النوع قد يقوم به مجلسا الشيوخ والنواب إذا ما تفاقمت حدة العلاقات واستمرت في التردي، ولعل ما يؤشر إلى ذلك دخول قيادات وازنة، خاصة في مجلس الشيوخ، على خط المواجهة مع الرياض، والتي يتقدمها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور بوب مينينديز، والسناتور ديك ديربن رئيس لجنة العدل في الشيوخ، وآخرين في مجلس النواب.
وقد تحدث هؤلاء بلغة تصفية الحساب ردا على "التواطؤ السعودي الروسي" في توقيت القرار، بحيث جاء عشية الانتخابات النصفية "وكأنه تدخل فيها ضد الديمقراطيين" ولصالح الجمهوريين، وهو "تواطؤ" وضعه الكونغرس في خانة "الانحياز لموسكو في حرب أوكرانيا" ضد الولايات المتحدة.
يشار في هذا السياق إلى عدم ارتياح بل انزعاج مبطن أعربت عنه الخارجية من زيارة الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد لموسكو ولقائه الرئيس بوتين. "نحث الإمارات على المساعدة في بناء وتعزيز الموقف الدولي الذي يدين روسيا. فلا مكان الآن للحياد"، كما قال المتحدث باسم الخارجية نيد برايس.
لكن الفورة العارمة ضد المملكة قابلتها أصوات تلعب دور الكابح الضمني لحالة النقمة المتزايدة على الرياض، إذ تدعو وتؤكد على أهمية فتح "حوار موسع" مع المملكة لتنظيم العلاقات ووضعها في إطار جديد، "لأنها في حالتها الراهنة غير قادرة على الاستمرار".
ومن أبرز الداعين في هذا الاتجاه مارتن أنديك، الدبلوماسي والسفير الأميركي السابق في إسرائيل، والحريص على الحفاظ على علاقات مميزة مع الرياض لاعتبارات جيوسياسية وأمنية نفطية وإقليمية، ومنها أيضا حرصه على أن يساهم حسن العلاقات بين المملكة وواشنطن في تسهيل التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وربما التعجيل به.
لكن يعترف آخرون بصعوبة رأب الصدع الأميركي– السعودي "بسبب ضعف الثقة" المتبادلة، بتعبير ريتشارد هاس رئيس "مجلس العلاقات الخارجية".
وما زالت إدارة بايدن حريصة على التوازن. خطابها يترك الباب مفتوحا لتصحيح العلاقات كما يفضل وكما وعد من البداية، لكنها قد لا تغفر لصناع قرار "أوبك+" لو خسر الحزب الديمقراطي الانتخابات النصفية، إذ كان وضع الحزب أفضل قبل قرار المنظمة النفطية.
وخفض الإنتاج من شأنه أن يؤدي إلى زيادة تتراوح بين 15 و30 سنتاً لغالون البنزين، وهي زيادة طفيفة على المستهلك يطرأ مثلها وأكثر أحيانا مثلاً عندما تتوقف مصانع تكرير النفط في بعض الولايات لأغراض الصيانة. لكن حصولها الآن وسط حالة التضخم قد يؤثر على خيار الناخب، خاصة المستقلّ، الذي يستخدم تصويته كمحاسبة للرئيس وحزبه، فقط لأن العبء نشأ في عهده.
وبات الرئيس الأميركي في وضع دقيق الآن. خطوة "أوبك+" أثارت الخوف في البيت الأبيض وصفوف حزبه الديمقراطي، وهو آخر ما كان يحتاج إليه. ويبدو أن عتبه، أو بالأحرى غضبه من الرياض المفترض أنها شريكة، يمكن أن يؤدي إلى "تمكين" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المساهمة في هزيمته الانتخابية.