وصل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، اليوم السبت، إلى إيران، في أول زيارة لوزير خارجية سعودي إليها منذ 17 عاما، تلبية لدعوة نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.
وفور وصوله، أجرى الوزير السعودي، مباحثات مع نظيره الإيراني، فيما لم تعلن الخارجية الإيرانية بعد ما دار في اللقاء بين الوزيرين، لكن من المفترض أن يتحدثا في ما بعد لوسائل الإعلام في مؤتمر صحافي للحديث عن تطورات العلاقات بين البلدين ومباحثاتهما.
ومن المقرر أن يلتقي وزير الخارجية السعودي أيضا مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لتسليمه رسالة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، تتمحور حول "توسيع العلاقات الثنائية".
الزيارة التي تصفها وسائل إعلام إيرانية بأنها "تاريخية"، تأتي استكمالا لمسار مصالحة بين إيران والسعودية بدأ في العاشر من مارس/آذار الماضي بعد الاتفاق بينهما في بكين على استئناف العلاقات بواسطة الصين، وأنهى ثماني سنوات من القطيعة الدبلوماسية.
وبدأت المباحثات بين البلدين لإنهاء القطيعة في بغداد في إبريل/نیسان 2021، وانعقدت فيها خمس جولات، وجولتان أيضا في العاصمة العمانية مسقط، لكنها وصلت إلى النتيجة في بكين، في مباحثات مفاجئة لم يعلن عنها إلا عندما تُلي البيان الثلاثي في بكين، وأعلن فيه عن اتفاق لاستئناف العلاقات.
ومنذ الإعلان عن الاتفاق، اختفت التصريحات النارية من كلاالبلدين تجاه الآخر، والتي كانت سمة سنوات التوتر والقطيعة، ومدفوعة بحروب بالوكالة في أكثر من ساحة في المنطقة، وحل مكانها غزل متبادل وحديث عن الصداقة والتعاون.
زيارة "مهمة جداً"
من جهته، يصف رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للخارجية الإيرانية، مجتبى فردوسي بور، زيارة بن فرحان إلى إيران بأنها "مهمة جدا وتاريخية لتعزيز العلاقات بين طهران والرياض".
وبشأن التحديات أمام تنامي العلاقات بين البلدين، يشير الدبلوماسي الإيراني، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "المتغيرين الدولي والإقليمي هما أكبر التحديات أمام تعزيز وتقوية العلاقات بين البلدين".
وفي السياق، يلفت فردوسي بور إلى تحديات أخرى أمام تطوير العلاقات الإيرانية الخليجية، خاصة بين طهران والرياض، مثل أمن الطاقة والأمن الاقتصادي والتنمية الاقتصادية في المنطقة، والأمن الإقليمي، وأمن الغذاء، والماء. ويضيف أن كلاً من الطرفين ينظر إلى الأمن الإقليمي من وجهة نظره، وهذا يشكل تحدياً أمام تنمية العلاقات.
ويوضح أن "الأمن الإقليمي هو الأساس، ونحن نعتقد أن هذا الأمن لا يمكن أن يكون أمنا مستوردا بتدخل القوى العظمى في هذا الإقليم"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "الفرص المتاحة في مختلف المجالات، وخاصة الاقتصاد والطاقة، أمام البلدين، أكبر من التحديات الموجودة لتوطيد العلاقات المشتركة".
ويعرب عن أمله في الرقي بالعلاقات إلى مستوى التعاون الإقليمي، وخاصة في المجال البحري والأمن الإقليمي البحري، موضحا أن طهران على "استعداد تام" لدفع العلاقات مع السعودية إلى الأمام على جميع مجالات التعاون.
ويؤكد الدبلوماسي الإيراني أن إيران والسعودية، باعتبارهما بلدين إسلاميين كبيرين، يمكنهما تأسيس سوق إسلامية كبيرة، لافتا إلى موقع بلاده "الجيوستراتيجي في النقل الإقليمي".
أهمية خاصة
يضيف موسوي خلخالي أن العامل الثاني الذي يزيد أهمية الزيارة يعود إلى مكانة إيران والسعودية في المنطقة، إذ إنهما "بلدان مهمان في المنطقة، وإلى جانب تركيا، تعد الدول الثلاث البلدان الرئيسية بالشرق الأوسط لجهة المساحة الشاسعة والقدرات والإمكانيات الهائلة والتأثيرات في الدول المحيطة، ما يجعلها أسس المعادلات السياسية في الشرق الأوسط".
وانطلاقا من ذلك، فإن عودة العلاقات بين البلدين المتنافسين على النفوذ، الذي يطغى عليه الطابع السياسي في المنطقة، ودولها، "تكتسب أهمية كبيرة".
اتفاق حول ساحات الاشتباك
كما تقرر حسب الخبير الإيراني أن "تبذل إيران جهودا لعودة العلاقات بين سورية والسعودية وتطوير علاقات الرياض مع العراق والمساعدة على حل الملف اللبناني"، لافتا إلى أن استدامة العلاقات بين البلدين "تتوقف على مدى استعدادهما للتعاون وتوسيعه".
غير أن البلدين، كما يقول رئيس تحرير موقع "الدبلوماسية الإيرانية، "ليسا حليفين، بل بلدان متنافسان منذ القدم"، لافتا إلى أنهما يعدان مرجعيتين للطائفتين الكبيرتين في العالم الإسلامي، أي السنة والشيعة، وهو ما منحهما نفوذا وتأثيرا لدى أبناء الطائفتين في مناطق انتشارهم في العالم الإسلامي.
وعن مدى تطور العلاقات بين طهران والرياض بعد اتفاق المصالحة، وما إذا كانت ستتخذ طابع سلام بارد أم تعاون مطرد، يقول رئيس موقع "الدبلوماسية الإيرانية" لـ"العربي الجديد" إن ذلك "مرتبط بمسار التطورات، والبلدان حاليا يعملان على تطبيع العلاقات".
وفي السياق، يضيف موسوي خلخالي: "البلدان يمضيان إلى الأمام في العلاقات، وعلينا أن ننتظر لمعرفة مدى تعاونهما في الملفات (الشائكة) ومدى استعدادهما للاعتراف بمصالح كل منهما فيها"، موضحا أن علاقات التنافس بين إيران والسعودية "ليست لها حدود وسقف معين، مثل العلاقات التنافسية بين إيران وتركيا، ولذلك اتخذت تلك العلاقات في بعض الساحات طابع المواجهة".
كما أنه إذا تطورت العلاقات بين إيران والسعودية إلى "مستوى مقبول ومتقدم من العلاقات الاقتصادية"، وفق الخبير موسوي خلخالي، فإن ذلك "سيؤثر بشكل مباشر في خفض حدة التنافس بينهما".
توترات مستمرة وانفراجات خجولة
أصبح التوتر السمة الأبرز للعلاقات الإيرانية السعودية منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية 1979، وجملة حوادث بارزة خلال العقود الأربعة الماضية، زادت وعززت هذا التوتر المشفوع بالخلافات الأيديولوجية بالأساس بين البلدين.
إلا أن تحسنا طرأ خلال العقود الأربعة الماضية على العلاقات المتوترة، مع تولي الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الرئاسة الإيرانية (من 1989 إلى 2005). تمكن رفسنجاني من نسج علاقات صداقة مع الأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي أصبح لاحقاً ملك السعودية. وهذه العلاقات ساهمت في ضبط إيقاع التوتر وتحسين العلاقات الثنائية بعض الوقت.
واستمر هذا التحسن في العلاقات الثنائية وانخفاض التوترات بين البلدين في عهد حكومة "الإصلاحات" الإيرانية التي ترأسها الزعيم الإصلاحي محمد خاتمي من 1997 إلى 2005. إلا أن تلك الفترة لم تدم طويلاً، ليخيم التوتر مرة أخرى على العلاقات الثنائية مع نهاية عهد حكومة "الإصلاحات" وبداية عهد الرئيس الإيراني المحافظ الأسبق محمود أحمدي نجاد، حيث استمر إلى أن قطعت السعودية العلاقات عام 2016 على خلفية مهاجمة إيرانيين محافظين مقارها الدبلوماسية من جراء إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر.