كشفت مصادر مصرية مطلعة أن رئيس حزب "الإصلاح والتنمية"، النائب السابق محمد أنور السادات، بدأ أداء دور الوسيط في أزمة إصدار محكمة أمن الدولة "طوارئ" حكماً غير قابل للطعن بسجن المحامي الحقوقي زياد العليمي خمس سنوات، والصحافيين هشام فؤاد عبد الحليم، وحسام مؤنس أربع سنوات، وثلاثة آخرين لمدة ثلاث سنوات، في القضية رقم 957 لسنة 2021 "جنح أمن دولة طوارئ".
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن السادات تلقى اتصالات من بعض السفارات الغربية في مصر، في أعقاب صدور الحكم على الناشطين الثلاثة، أول من أمس الأربعاء، بوصفه يقود مبادرة "الحوار الدولي"، التي تضم شخصيات متنوعة الاتجاهات الفكرية والاتصالات في الخارج، ويرغب النظام المصري في تصديرها كوسيلة لتحسين صورته في الأوساط الأميركية تحديداً.
السادات تلقى اتصالات من بعض السفارات الغربية لإرجاء التصديق على الحكم الجديد
وأضافت المصادر أن الاتصالات التي تلقاها السادات طالبته بلعب دور الوسيط لدى الأجهزة المصرية، لإرجاء تصديق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الحكم الصادر في حق العليمي وعبد الحليم ومؤنس، باعتبار أنه لا يكتسب قوة تنفيذية إلا بتصديق الحاكم العسكري أو نائبه، أي رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، واللذان يملكان كذلك سلطة تخفيف العقوبة أو إلغائها.
وتابعت أن السادات شرع بالفعل في إجراء العديد من الاتصالات مع أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، وجهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، للتشاور حول إيجاد مخرج مناسب وقانوني من الأزمة، بحيث لا يُعرّض الجهات القضائية المصرية للحرج، أو يطعن في مصداقية أحكامها، ويلقى في الوقت نفسه قبولاً لدى الغربيين المعنيين بملف حقوق الإنسان في مصر.
وأوضحت المصادر أن السادات طرح رؤيته بشأن الخروج من هذا المأزق، وهي إصدار جهات التحقيق قراراً بحفظ التحقيقات في القضية رقم 930 لسنة 2019، المعروفة إعلامياً بـ"تحالف الأمل"، وبالتالي خصم مدد الحبس الاحتياطي للناشطين الثلاثة من مدة العقوبة المقضي بها في حكم محكمة أمن الدولة "طوارئ"، بما يعني الإفراج عن العليمي بعد عامين ونصف العام، وعبد الحليم ومؤنس، بعد عام ونصف العام، كونهم قضوا عامين ونصف العام تقريباً في محبسهم.
وأشارت إلى أن السادات أدى دوراً في الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين المعروفين، منهم المحامية ماهينور المصري، والصحافيان معتز ودنان، ومصطفى الأعصر، وسبق أن توسط للأجهزة الأمنية للإفراج عن الناشطين المتهمين في قضية "الأمل"، على خلفية شروعهم في تشكيل تحالف سياسي معارض قبيل الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي، وهيمنت عليها الأحزاب الموالية للنظام الحاكم.
في السياق، قال مصدر دبلوماسي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك رسائل أخرى من وراء الحكم الذي وصفه بأنه "شديد القسوة"، منها أن أي خطوة يتخذها النظام في مصر، تتعلق بملف حقوق الإنسان، يتوقع منها الحصول على خطوة مقابلة من الدوائر الأميركية أولاً، ثم الأوروبية ثانياً، تجاه التقارب مع حكم السيسي. وترى الدوائر المقربة من الرئيس المصري، أن المبادرة يجب أن تظل طوال الوقت بيد النظام، وليس بيد أي جهة أخرى داخلية، أو خارجية، وأنه إذا كان قد تعرّض للانتقادات من زاوية تجاوز فترات الحبس الاحتياطي للمعارضين، فقد أصبحت لديه حالياً أحكام قضائية باتة، وفق المصدر.
وأضاف أن هذه الورقة تمكّن السيسي شخصياً، وفق تصوّر الدوائر المحيطة به، من اتخاذ الخطوات التي يراها في صالح حكمه، بالدرجة الأولى، وأنها على مستوى الشكل القانوني، تمكّنه هو بإرادته المنفردة من اتخاذ الموقف الذي يخدم مصلحته، سواء بعدم التصديق على الحكم، أو بالتصديق عليه وفق الموازنات السياسية.
وتابع المصدر أن رسالة أخرى يوجهها النظام للداخل ولمنظمات المجتمع المدني، التي يرى السيسي أنها تعاملت مع قراره "الشكلي" بعدم مد حالة الطوارئ، بسلبية شديدة، عرّضته والنظام إلى انتقادات أوسع، وتتمثل هذه الرسالة في أنه لن يخضع لأي ضغط يجعله يغيّر من سياساته وإجراءات التعامل مع المعارضين.
وقبل أكثر من شهر، قالت مصادر قانونية وقضائية لـ"العربي الجديد"، إن النظام يتجه إلى تدشين ظاهرة جديدة بالإحالة السريعة للمعتقلين السياسيين، الذين يثور بشأنهم اهتمام غربي ومطالبات بالإفراج، إلى محاكمات في قضايا وهمية جديدة أو في القضايا التي اعتُقلوا بسببها، لتقنين استمرار اعتقالهم من دون الدخول في حسابات قانونية معقدة، ارتباطاً بانتهاء فترة الحبس الاحتياطي المقرر حدها الأقصى بعامين في قانون الإجراءات الجنائية.
وتهدف هذه الظاهرة إلى تخفيف الضغوط الحقوقية الغربية عن النيابة العامة تحديداً، بحيث يتم الادعاء رسمياً بأن مصير هؤلاء المعتقلين بات في يد القضاء "المستقل"، فضلاً عن إعلان الاتهامات المزعومة الموجهة إليهم في وسائل الإعلام كحقائق أثبتتها التحقيقات التي أجرتها النيابة.
كما تهدف هذه الظاهرة إلى التهرب المبكر من التعهدات التي قطعها النظام على نفسه من خلال الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها السيسي الشهر الماضي، بإعادة النظر تشريعياً وتنفيذياً في نظام الحبس الاحتياطي، بحيث يتم وضع عدد من القيود على إطلاق المدد في قضايا ووقائع مختلفة، والتوسع في استبدال الحبس بعدد من التدابير الاحترازية الجديدة، بما في ذلك التفكير في استيراد نظام الإسورة الإلكترونية التي يمكن من خلالها تتبّع حركة المتهم ومنعه من مغادرة منطقة معينة.
وجاء الحكم على العليمي وعبد الحليم ومؤنس، بعد أيام قليلة من قرار السيسي إلغاء حالة الطوارئ المفروضة في جميع أنحاء البلاد منذ إبريل/نيسان 2017، وإطلاقه "استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان"، الهدف منها تحسين صورة القاهرة في العواصم الغربية، من دون تحقيق تقدم يذكر في ملفات هامة مثل فتح المجال العام، والسماح بحرية تكوين الأحزاب الفاعلة والنقابات المؤثرة والجمعيات الأهلية، ووقف الملاحقات الأمنية والاعتقالات والاستخدام المتعسف للسلطة ضد المعارضين.
لجنة حماية الصحافيين: الحكم بسجن عبد الحليم ومؤنس يكشف تنصل النظام من التزاماته بشأن مغادرة الصحافيين للسجون
من جهتها، قالت لجنة حماية الصحافيين، وهي منظمة غير حكومية تتخذ مدينة نيويورك الأميركية مقراً لها، إن الحكم الصادر بسجن عبد الحليم ومؤنس لمدة أربع سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، بعد مرور أكثر من عامين على حبسهما احتياطياً، غير مقبول، ويكشف تنصل النظام المصري من التزاماته بشأن مغادرة الصحافيين للسجون. وطالبت اللجنة في بيان، أمس الخميس، السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن الصحافيين المحتجزين من دون قيد أو شرط. وقال منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة، شريف منصور، إن عبد الحليم هو صحافي مستقل، وناشط في ملف العمال، ومؤنس هو مراسل صحيفة "الكرامة" المحلية الخاصة، واعتقلا من منزليهما في القاهرة، في 25 يونيو/حزيران 2019، حسبما وثّقت اللجنة في ذلك الوقت.
فيما استنكرت ثماني منظمات حقوقية بارزة "الحكم الاستثنائي" لمحكمة أمن الدولة، في القضية رقم 957 لسنة 2021 (جنح أمن دولة طوارئ)، مؤكدة أنه "يمثل استمراراً للسياسات المعادية لحقوق الإنسان من جانب النظام المصري، وجزءاً من حملة الانتقام الممتدة بشأن الناشطين الثلاثة". وطالبت المنظمات في بيان مشترك الرئيس المصري بعدم التصديق على الحكم، والإفراج فوراً عن العليمي وعبد الحليم ومؤنس، وإسقاط كافة التهم الموجهة إليهم، محذرة من تردي الحالة الصحية للمحبوسين في القضية، وتعرضهم للإهمال الطبي المتعمد، الذي تسبّب في إصابتهم بأمراض مزمنة.
واستشهدت المنظمات بمعاناة العليمي من أمراض الربو، وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى مرض مناعي نادر، وإصابته خلال فترة احتجازه بارتشاح في القلب. في حين يعاني عبد الحليم من تردي أوضاع احتجازه، سواء في ما يتعلق بالتهوية أو غياب الرعاية الصحية، واستمرار معاناته من آلام الظهر والغضروف، بينما يُحرم مؤنس من التريض والزيارة.
وهذه المنظمات هي: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، مبادرة الحرية، مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، كومتي فور جستس، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ويواجه المتهمون في القضية 957 لسنة 2021 اتهامات مختلفة عن قضيتهم الأصلية مثل "نشر أخبار كاذبة" و"تهديد الأمن والسلم العام"، واقتصرت المحاكمة فيها على مدة أربعة أشهر، وفقاً لأحكام قانون الطوارئ في مصر، الذي نصّ على استمرار نظر محاكم أمن الدولة للقضايا المُحالة إليها حتى بعد إلغاء حالة الطوارئ.
دفع وكيل المتهمين بعدم اختصاص محكمة أمن الدولة باستكمال النظر في القضية
ودفع وكيل المتهمين، المحامي الحقوقي خالد علي، بعدم اختصاص محكمة أمن الدولة باستكمال النظر في القضية، استناداً إلى مواد الدستور التي نصّت على حق المواطنين في المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي، وحظرت تحصين أي عمل من الرقابة القضائية. وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دفع علي بعدم دستورية المادة 19 من قانون الطوارئ، مطالباً بإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية استمرار عمل محاكم أمن الدولة بعد إلغاء حالة الطوارئ. غير أن محكمة أمن الدولة "طوارئ" لم تبت في طلبه، مقررة حجز الدعوى للحكم في جلسة 17 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. وكتب علي على صفحته الشخصية في موقع "فيسبوك"، رداً على التساؤلات التي وصلته بشأن الحكم على ستة من الناشطين في "الإيحاء"، والمنسوخة من القضية الأساسية "تحالف الأمل"، قائلاً: "الحكم صادر من محكمة استثنائية، وهي محكمة أمن الدولة طوارئ، وهذه الأحكام وفقاً لقانون الطوارئ لا يجوز الطعن عليها بالاستئناف أو النقض، ولا نملك إلا تقديم تظلم (التماس) للحاكم العسكري".
وأضاف علي: "الطعن بالاستئناف أو النقض يعني أنك تطعن على هذا الحكم، نظراً لما شابه من عيوب قانونية أمام سلطة قضائية، ومن ثم يتيح لك القانون أن تكون هناك دائرة قضائية أعلى لتولي النظر في القضية من جديد، وتقديم مذكرات ومستندات جديدة، وسماع المرافعات من الدفاع والنيابة". واستدرك بقوله: "أما الالتماس فهو مجرد طلب يُقدّم لمكتب الحاكم العسكري أو نائبه، وبالتالي لا تقدّمه لسلطة قضائية، بل إلى جهة إدارية، والتي قد تستعين بقانونيين أو قضاة للنظر في هذه التظلمات، باعتبارهم تابعين لجهة إدارية، وليسوا سلطة قضائية"، متابعاً "لن تعقد جلسات لنظر التظلم أو الاستماع إلى مرافعات من المتهم أو دفاعه أو من النيابة، ولكن سيصدر قرار بشأن هذا الالتماس".
وأوضح علي أن "ما يصدر عن قاضي محكمة أمن الدولة طوارئ لا يكتسب قوة تنفيذية، أو يصبح حكماً واجب النفاذ إلا بتصديق الحاكم العسكري أو نائبه على الحكم، واللذان لهما سلطات واسعة تشمل تخفيف العقوبة، أو تبديلها، أو وقف تنفيذها، أو إلغاءها، أو إعادة المحاكمة من جديد أمام دائرة أخرى". واستكمل قائلاً: "نحن أمام قضيتين الأولى معروفة إعلامياً باسم الأمل، وتم حبس المتهمين فيها احتياطياً لمدة تصل إلى عامين و5 أشهر حتى الآن. أما القضية الثانية فهي الجنحة التي صدر فيها حكم السجن لمدد تتراوح بين 4 و5 سنوات، وهم غير محبوسين احتياطياً على ذمتها، وبالتالي سيبدأ تنفيذ هذا الحكم، وقضاء مدته كاملة".
وختم علي: "لا يجوز خصم مدة الحبس الاحتياطي السابقة من مدة هذا الحكم إلا في ثلاث حالات: الأولى أن يصدر قرار بحفظ التحقيقات في قضية الأمل، والثانية أن يتم استبعادهم من القضية عند إحالتها للمحاكمة لأي سبب مثل عدم كفاية الأدلة، والثالثة أن يصدر حكم ببراءتهم بعد إحالتهم للمحاكمة في القضية. وهذه فقط الحالات التي سيخصم فيها مدد الحبس الاحتياطي من مدة العقوبة المقضي بها في حكم محكمة أمن الدولة".
وعُرفت هذه القضية إعلامياً بـ"الإيحاء"، بسبب قرار إحالة العليمي إلى المحاكمة، بتهمة "الإيحاء للرأي العالم بفشل قناة السويس"، و"الإيحاء للرأي العام العالمي باضطهاد أهالي النوبة"، في مقالين كتبهما منذ خمس سنوات تقريباً. وطبقاً لقرار الإحالة للمحاكمة، اعتبرت النيابة أن المقالين "من شأنهما إضعاف اعتبار الدولة، والإضرار بالمصالح القومية للبلاد، والتأثير على مركزها الاقتصادي، وتكدير السلم العام، وإلقاء الرعب بين الناس".
ووفقاً لما ورد بقرار الإحالة، فإن عبد الحليم أجرى حديثاً مصوراً في عام 2016، "أوحى للرأي العام العالمي بعدم شرعية مؤسسات الدولة المصرية، وكان من ذلك أيضاً إضعاف هيبة الدولة، واعتبارها، وإضعاف الثقة المالية فيها، والإضرار بالمصالح القومية، وتكدير الأمن العام، وإلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة". أما مؤنس فإن تهمته هي "نشر أخباراً كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، ادعى فيها وجود معتقلين سياسيين في السجون، للإيحاء للرأي العام بوجود انتهاكات لحقوق المواطنين في مصر، وانتهاك العاملين بوزارة الداخلية للقانون".