في 9 إبريل/نيسان 2020، كُلّف مصطفى الكاظمي برئاسة الحكومة العراقية، خلفاً لعادل عبد المهدي، الذي استقال بعد أشهر من تفجّر الاحتجاجات الشعبية في مدن جنوب ووسط العراق المطالبة بالإصلاحات، وتورط حكومته في سلسلة عمليات قمع عنيفة للتظاهرات، ذهب ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى.
وبعد أزمة استمرت عدة أشهر، عقب إعلان عبد المهدي استقالته وتصويت البرلمان بالموافقة رسمياً عليها في الأول من ديسمبر/كانون الأول عام 2019، تمثلت في الخلافات على البديل لرئاسة الحكومة، وتم خلالها ترشيح عدد من الأسماء، وتكليف اثنين منها رسمياً لرئاسة الحكومة، وهم محمد توفيق علاوي، الذي أدى اعتذاره بسبب خلافات حادة بين القوى السياسية إلى تكليف عدنان الزرفي، والذي اعتذر هو الآخر عن عدم تكليفه بعد أسابيع، بسبب رفض القوى الحليفة لإيران للتكليف، واعتباره تم من قبل الرئيس العراقي برهم صالح، من دون العودة إليهم، حل رئيس جهاز المخابرات والصحافي السابق مصطفى الكاظمي كمرشح توافقي بين مختلف القوى السياسية بما فيها المعسكر الحليف لإيران. وقد اعتبر هذا المعسكر ترشيح الكاظمي، في حينها، أنه يأتي في إطار "عودة السياقات الدستورية إلى طبيعتها وأخذ الكتلة الأكبر استحقاقها"، بحسب ما أعلنه زعيم تحالف "الفتح"، هادي العامري، للصحافيين عقب جلسة التكليف 9 إبريل من العام الماضي، بحضور رئيسة بعثة الأمم المتحدة في بغداد، جنين بلاسخارت.
عقيل الرديني: لا يمكن لأي رئيس وزراء تحقيق أي إنجاز بوجود قوى سياسية نافذة، ولها ثقل مسلح
ونجح الكاظمي، قبل يومين فقط من انتهاء فترة التكليف الدستورية لتشكيل الحكومة والبالغة شهراً واحداً، من الحصول على ثقة البرلمان في السابع من مايو/أيار 2020، بعد جلسة برلمانية استمرت لأكثر من 5 ساعات، تم خلالها تمرير 15 وزيراً من حكومته، قبل أن يتم التصويت على باقي الوزراء في الأسبوع التالي، لتكون سابع حكومة في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003.
ورغم مرور نحو عام على منح حكومة الكاظمي الثقة، إلا أن الكثير من الوعود التي أطلقها خلال تلاوته برنامجه الحكومي، لم تنفذ حتى الآن. ويرى نواب ومسؤولون أن إخفاق الكاظمي في تحقيق الكثير من الوعود يعود إلى صراعه مع الفصائل المسلحة وأحزاب سياسية، لا ترغب في أي نجاح لهذه الحكومة، كونها ستكون بمثابة نجاح للتظاهرات وضرب لرؤساء الوزراء السابقين الذين فشلوا في انتشال العراق من مشاكله. وفي هذا السياق، أقر مسؤول عراقي بأن الكاظمي "لم يحقق أكثر الوعود التي تضمّنها برنامجه الحكومي لأسباب خارجة عن إرادته". واعتبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "مُحارَب من قبل مليشيات وقوى معروفة، ولا يساعده أيضاً عامل التوازن الذي تمتع به رؤساء حكومات سابقون، كونه لا يملك حزباً ولا كتلة برلمانية". وبين أن "ملف الخدمات وإدارة الأزمة الصحية، وكذلك الأزمة المالية التي ضغطت بقوة على العراقيين في الأشهر الماضية، وملف السلاح المنفلت، وهيمنة المليشيات واستمرار الهجمات المسلحة، كلها لم تشهد أي تقدم، بل على العكس بعضها تراجع، وأخرى أدت إلى إخفاقات، مثل حماية المتظاهرين والناشطين المدنيين، ووقف عمليات الاغتيال والاستهداف". وكشف أن "الكاظمي تحدّث قبل أيام لعدد من المقربين منه بأنه يعتبر تحقيق انتخابات نزيهة للعراقيين في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل أهم من أي منجز آخر يمكن أن يتحقق في العراق، وأن المرحلة الحالية يمكن اعتبارها انتقالية لا أكثر".
وقال القيادي في "ائتلاف النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، النائب عقيل الرديني، لـ"العربي الجديد"، إن "الضغوط السياسية التي وصلت إلى حد التهديدات، وكذلك مواجهة السلاح المنفلت، تسببت في تعثر الكاظمي وحكومته في تحقيق الكثير من الوعود التي أطلقها بعد تكليفه". وبين أنه "لا يمكن لأي رئيس وزراء تحقيق أي إنجاز بوجود قوى سياسية نافذة، ولها ثقل مسلح، تعمل على عرقلة أي خطوة للحكومة، خصوصاً أن هذه القوى تستخدم السلاح المنفلت لتهديد الدولة وهيبتها. ولهذا نرى الكثير من فقرات البرنامج الحكومي لم تنفذ حتى الآن، رغم مرور عام على إطلاق الوعود بخصوصها". واعتبر أن "هناك جهات سياسية متنفذة متورطة في قضايا فساد كبيرة وخطيرة، ولهذا هناك ضغوطات وتهديدات بعدم فتح تلك الملفات. وربما فتح تلك الملفات، يعني سحب الثقة من الكاظمي وحكومته. وربما بعض الجهات تعمل على إثارة الفوضى والمشاكل من خلال السلاح المنفلت، الذي تملكه خارج سيطرة الدولة. فكل هذه الأمور تمنع تحقيق وعود الإصلاح التي أطلقها الكاظمي بعد تكليفه".
ماجد شنكالي: عدم وجود ثقل برلماني للكاظمي تسبب في عدم الإيفاء بوعوده
واعتبر النائب ماجد شنكالي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "عدم وجود ثقل برلماني للكاظمي تسبب في عدم الإيفاء بوعوده، خصوصاً فيما يتعلق بمحاربة الفساد". وأضاف أن "أمام الكاظمي مهمة كبيرة، وهي إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، فإذا نجح في هذه المهمة، فهذا الإنجاز سيحسب له. أما في الجوانب الأخرى، كالصحة والخدمات ومحاربة الفساد، فلم نر للكاظمي وحكومته أي إنجازات، إلا على مواقع التواصل الاجتماعي. نحن لم نر أي استرداد للأموال المنهوبة حتى الساعة". وبين أن "الكاظمي واجه طيلة الفترة الماضية الكثير من الأزمات والمشاكل الداخلية، بسبب مواجهة المليشيات المسلحة، وكذلك الضغوط السياسية عليه. ولهذا نحن ندعم الكاظمي وحكومته في كل عمل إيجابي، رغم أن الخطوات بطيئة جداً، في محاربة الفساد وضبط السلاح المنفلت الذي يشكل تهديداً حقيقياً للدولة العراقية".
في المقابل، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي إحسان الشمري، تكليف الكاظمي ومنح الثقة لحكومته بأنه "بحد ذاته كان تحدياً، خصوصاً أن بعض القوى، قبل منح الثقة للكاظمي، كانت تريد الإبقاء على عادل عبد المهدي، لكن الكاظمي نجح في موازنة المصالح ما بين القوى السياسية من جهة، ورغبة الشارع العراقي من جهة أخرى". وبين الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الكاظمي تحدّث عن برنامج حكومي طموح، لكن قبل ذلك كانت الأولوية للكاظمي وقف انهيار الدولة، الذي تسببت فيه حكومة عادل عبد المهدي. وقد نجح إلى حد كبير في وقف هذا الانهيار، بعد أن كان الاقتصاد منهاراً، والأمن أصبح مرتبكاً بفعل وجود داعش وعودة التنظيم مرة أخرى، والتمكين الذي حصل للسلاح المنفلت، وتغاضي عبد المهدي عنه. هذه كانت أولويات بالنسبة للكاظمي".
وأضاف الشمري أن "تنفيذ الوعود وفق البرنامج الحكومي لا يعتمد فقط على الحكومة، بل على دعم القوى السياسية لتنفيذ البرنامج والوعود. ولهذا، كانت هناك إرادة سياسية تدفع إلى عدم تطبيق البرنامج الحكومي، وحتى ما جاء في الورقة البيضاء. وهذا يدل على النوايا المبيتة بأن هناك قوى سياسية لا تريد تحقيق أي نجاح حكومي". وأقر بأن "حكومة الكاظمي لا تستطيع وحدها حسم ملف الفساد بشكل نهائي، وقضية محاسبة قتلة المتظاهرين، لوجود إرادات سياسية تمنع هذه المحاسبة". واعتبر أن الكاظمي "نجح في تحقيق الانفتاح العالمي على العراق، خصوصاً العربي، وما تحقق من العودة العربية إلى الداخل العراقي مهم جداً. لكن بعض القوى السياسية عملت وسوف تعمل على تعطيل الكثير من التوجهات والخطوات الحكومية". وقال إن "صراع الكاظمي مع السلاح المنفلت، والضغوطات التي تمارَس عليه سياسياً، منعت تنفيذ وعود الإصلاح، والكثير من برنامجه الحكومي".