كشفت مصادر مصرية خاصة، عن حالة انقسام داخل الأجهزة الأمنية، بعد الكشف عن الوفاة الغامضة للخبير الاقتصادي المعتقل أيمن هدهود، داخل مستشفى الأمراض العقلية في العباسية، فجر الأحد الماضي.
وأعلن المحامي عمر هدهود، فجر الأحد، وفاة شقيقه أيمن في ظروف غامضة، بعد أكثر من شهرين من إخفائه قسرياً من قبل أجهزة الأمن، واحتجازه بصورة غير قانونية في مقر جهاز "الأمن الوطني" التابع لوزارة الداخلية في منطقة الأميرية بالقاهرة.
وحسب رواية شقيقه، فإن أيمن تعرّض للإخفاء القسري مساء 3 فبراير/شباط الماضي، بعد تناول العشاء معه في حيّ الزمالك بقلب القاهرة، مشيراً إلى أنّه احتُجز بعد أيام من اختطافه في قسم خاص بمستشفى العباسية للصحة النفسية، على خلفية إصابته بحالة من الاضطراب النفسي في أعقاب احتجازه، وتعرضه للتعذيب.
وأصدرت وزارة الداخلية بياناً، نفت خلاله "صحة الرواية التي تؤكد اختفاء المواطن أيمن هدهود قسرياً" مؤكدة أنّ هدهود "حاول كسر باب إحدى الشقق وأتى بتصرفات غير مسؤولة"، مشيرة إلى أنّه "تم إيداعه في أحد مستشفيات الأمراض النفسية بناءً على قرار النيابة العامة".
من جهتها، أمرت نيابة مدينة نصر ثاني، الأحد، بتشريح جثمان هدهود، بعد ساعات من إعلان أسرته تلقي مكالمة من أحد أفراد قسم مدينة نصر ثاني يبلغهم بوفاته، ويطالبهم بالحضور لاستلام جثمانه من مستشفى العباسية للأمراض النفسية، حسبما قال شقيقه عمر هدهود.
اعتماد على عدم وجود حراك شعبي في مصر
وتعليقاً على هذه القضية، قالت مصادر مصرية، لـ"العربي الجديد" إنّ جناحاً داخل الأجهزة الأمنية يقلل من خطورة الواقعة، ويرى أنّ ردود الفعل الغاضبة على وسائل التواصل ستمر كزوبعة في فنجان، في حين يرى جناح آخر أنّ الأمر قد يؤدي إلى نتائج خطيرة، خصوصاً على المستوى الدولي، في وقت يتعرّض فيه النظام المصري لانتقادات عنيفة بشأن حالة حقوق الإنسان في البلاد.
وبحسب المصادر، يرى أصحاب التوجّه الأول، أنّ بيان وزارة الداخلية كافٍ لغلق القضية، معتمدين على أنّ الرأي العام العالمي مشغول بأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وتبادل الاتهامات بين الطرفين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والوضع الاقتصادي العالمي المأزوم بسبب هذه الحرب.
وقالت إنّ المسؤولين الأمنيين الذين يقللون من خطورة واقعة هدهود: "يعتمدون أيضاً على فكرة عدم وجود أي نوع من الحراك الشعبي أو السياسي، بعد تأميم جميع الأحزاب والكيانات السياسية، بالإضافة إلى احتكار جميع وسائل الإعلام، وهي الكيانات التي كانت في السابق تساهم في رفع الوعي الجماهيري بالقضايا المشابهة".
وأوضحت المصادر أنّه "على الرغم من تشابه واقعة مقتل الشاب المصري خالد سعيد على يد الشرطة عام 2010، قبيل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مع واقعة وفاة هدهود داخل مستشفى الأمراض العقلية، بعد اعتقاله وتعذيبه، إلّا أنّ الظروف السياسية مختلفة".
احتكار الدولة للمجال العام وإغلاق جميع القنوات السياسية وقنوات الاتصال الإعلامية، جعل من مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الغضب
وقالت المصادر إنّ "المشهد السياسي في عام 2010، كان يمتلئ بالعديد من الكيانات السياسية، والحركات الشعبية، بالإضافة إلى الصحف والمحطات التلفزيونية المعارضة، والتي ساهمت في تركيز الضوء على قضية خالد سعيد لفترة طويلة، مما أدى إلى تحولها إلى عنصر مهم في تفجير الغضب الشعبي في يناير" مضيفة: "لكنّ الأمر مختلف تماماً الآن، إذ إنّ احتكار الدولة للمجال العام وإغلاق جميع القنوات السياسية وقنوات الاتصال الإعلامية، جعل من مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الغضب".
وقالت المصادر إنّ "وسائل التواصل وحدها، لا تكفي لبلورة أي موقف سياسي يمكن البناء عليه، ذلك لأن الواقع يثبت أنّ أيّ قضية جدلية عليها لا تستغرق أكثر من يومين، ثم تتلاشى بفعل قضية أخرى، وهو الأمر الذي تعلمه الأجهزة الأمنية جيداً، بل وتستخدمه لصالحها أيضاً، حتى أنّها تقوم في كثير من الأحيان، بتفجير قضية جديدة من أجل التخلص من أخرى".
سيناريوهات في حال تصاعد قضية هدهود
في المقابل، قالت المصادر نفسها، إنّ "هناك جناحاً آخر داخل الأجهزة الأمنية المصرية، يرى أنّ واقعة وفاة هدهود يجب أن تؤخذ على محمل الجد، ويتم وضع سيناريوهات في حال تصاعدت القضية، منها تحميل أحد الضباط الذي ألقى القبض على هدهود المسؤولية عن وفاته".
لكنّ المصادر استدركت أنّ هذا السيناريو مستبعد في الوقت الحالي، خصوصاً بالنظر إلى الفيديو المُسرّب المنسوب للرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما كان وزيراً للدفاع، والذي تحدث فيه لمجموعة من قيادات الجيش، وقال إنّ "ما تم تجاه الشرطة خلال العامين الماضيين قد أفرز مناخاً جديداً" وأكد أن "الضابط الذي سيتسبب في قتل متظاهر أو إصابته في عينيه، بإطلاق قنابل الغاز أو الخرطوش، لن يُحاكم".
وأوضحت المصادر أن "مصدر قلق ذلك الجناح، ينبع من أن هدهود كان يرتبط بعلاقة وثيقة مع رئيس حزب الإصلاح والتنمية، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، النائب محمد أنور عصمت السادات، وهو الرجل الذي تستخدمه الأجهزة خارجياً للترويج لنظرية الانفراجة السياسية عبر الإفراج عن بعض المعتقلين، بواسطة قوائم يعدها السادات".
هدهود كان يرتبط بعلاقة وثيقة مع محمد أنور السادات، الذي تستخدمه الأجهزة خارجياً للترويج لنظرية الانفراجة السياسية
ويحاول النظام منذ فترة الترويج لحديث الانفراجة السياسية. وحسب ما أكدته مصادر متعددة لـ"العربي الجديد" فإن الأجهزة الأمنية المعنية بإدارة الملفات السياسية الداخلية وضعت خطة للترويج لـ"انفراجة سياسية" بشأن مجموعة من الملفات المتعلقة بالحقوق السياسية، والحريات الإعلامية، تعتمد على السادات إلى جانب رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب.
ووثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، الغموض الذي أحاط بظروف القبض على هدهود منذ اللحظة الأولى، التي لم يعرف تفاصيلها ولا ظروفها، وبعد مرور أيام حاولت أسرته معرفة مكان احتجازه، لكنها لم تتوصل لمعلومة، حتى فوجئت بأمين شرطة يخبرها "أيمن عندنا". وبالبحث والسؤال في قسم شرطة الأميرية التابع له محل سكنه، تبين أنه كان موجوداً في قسم شرطة الأميرية لأيام، تم احتجازه في مبنى الأمن الوطني في الأميرية.
وتابعت الشبكة "بعد اتصالات علمت أسرته من مصادر لها بوجوده في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، لكن المستشفى أنكر وجوده، في البداية ثم أقر، بعد إلحاح شديد، بوجوده تحت الملاحظة لمدة 45 يوماً ولا يسمح بزيارته إلا بإذن من النائب العام والنيابة العامة". وبالفعل توجهت أسرته إلى مكتب النائب العام لاستخراج تصريح بالزيارة ليتم إبلاغها بعدم إمكانية استخراج تصريح زيارة، لأن أيمن هدهود ليس محبوساً على ذمة أي قضية.
وبالبحث في جميع نيابات القاهرة ونيابة أمن الدولة وغيرها، لم تتمكن الأسرة من استخراج تصريح بالزيارة، حسب الشبكة، التي أكدت أن أسرته تقدمت ببلاغات إلى النائب العام المصري ووزارة الداخلية والمجلس القومي المصري لحقوق الإنسان باختفائه والمطالبة بالكشف عن مصيره، ولكن من دون جدوى، حتى أعلنت الأحد عن علمها بوفاته.