"يوم غضب" ينتظر لبنان وساحة النور في طرابلس شمالاً، إثر وفاة الشاب عمر طيبا خلال المواجهات التي اندلعت مساء أمس الأربعاء بين المتظاهرين والقوى الأمنية والعسكرية، وإصابة عدد كبير من المشاركين في التحركات بجروحٍ حرجة جداً.
وأكد الناشط عمر أبيض، لـ"العربي الجديد"، أنّ المسيرات ستكون سيّد المشهد اليوم، والنزول إلى الشارع وحمل شعلة الانتفاضة من جديد "بات أمراً ضرورياً نتيجة القمع الذي نتعرّض له، وهناك دعوات للتوجه إلى منازل السياسيين حيث الوجهة الأساسية يجب أن تكون".
وتشهد مدينة طرابلس، الملقبة بـ"عروس الثورة"، منذ الاثنين الماضي، سلسلة تحركات ومواجهات مع القوى الأمنية والعسكرية، سقط خلالها قتيل وأكثر من مئتي جريح.
ويقول أبيض: "الشعب جاع، محروق، جسدياً ونفسياً ومعيشياً، وما حدث أمس خطير جداً، الأسلحة التي استخدمت وطريقة التعاطي القمعية مع المتظاهرين، حتى لو رمينا الحجار وغيرها، هل يكون الردّ برصاص حيّ؟ أنا ممرض ومسعف سقط 7 جرحى أمامي، منهم عمر طيبا، وحالات حرجة، الدماء كانت على كتفي، هل هذه دولة؟ أم غابة نعيش فيها؟".
وينبه عمر أبيض في هذا السياق، إلى أنه "دائماً ما يدخل مندسون إلى الاعتصامات والاحتجاجات، سواء في التحركات السلمية أو غير السلمية، لكن العدد الأكبر من الذين نزلوا إلى الشارع هم شباب وطلاب جامعات، حتى الأولاد القصّر الذين شاركوا هم نتاج منظومة حاكمة أخرجت هؤلاء من المدارس، وحرمتهم حقهم في التعليم، وباتوا يعملون مع أهلهم لتأمين لقمة العيش بدل عيش طفولتهم كالأولاد بمن هم في أعمارهم، في الدول التي تحترم نفسها، أداء هذه الطبقة ولّد هذا الجيل، من هنا نحن ننزل وننتفض كي نربي جيلاً جديداً يعيش بكرامة حقيقية".
ويلفت الناشط نفسه إلى أنّ التحركات "يجب أن تطاول كل المناطق والساحات، فنحن نريد الكرامة قبل أي شيء، وليس فقط الأكل والشرب، نريد دولة وليس غابة، وسنناضل بكل الوسائل لإسقاط النظام القمعي، فلبنان ليس بلد الحريات كما يدّعون، حتى في الانتخابات يضعون قوانين على قياسهم"، مشيراً إلى أنّ "الأعداد لا تزال قليلة في التظاهرات، لأنّ هناك من خاف من الممارسات القمعية، وبعدما رأى اشخاصاً فقدوا نظرهم وأصيبوا ومنهم قتل، وآخرين يصار إلى تركيب ملفات لهم وتهديدهم، إضافة الى جائحة كورونا التي أثرت سلباً بدورها، ولكنها اليوم لم تعد تقف حائلاً أمام نزولنا، فبات الجوع أخطر منها".
من جهته، يتوقع أبو محمود شوك، من حملة "حراس المدينة"، أن تكون الليلة حامية جداً، لتشهد جولة جديدة من المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية والعناصر العسكرية، التي كانت قد بدأت يوم الاثنين الماضي، ولا سيما في حال ارتفاع عدد القتلى، حيث إن الجرحى بحالة حرجة جداً، في ظل أنباء عن وفاة متظاهر آخر سريرياً، من هنا رد الفعل قد ترتفع حدّته.
في المقابل، يشير أبو محمود، وهو شارك في انتفاضة 17 أكتوبر، إلى أنه لم ينزل إلى الشارع وينضم إلى التحركات، لأن برأيه المواجهة يجب ألا تكون مع الأجهزة الأمنية، فيما يؤيد المسيرات أمام بيوت السياسيين ورفع الصوت عالياً بوجه الطبقة السياسية.
ويتوقف أبو محمود عند "الاستغلال السياسي، وهو أمر طبيعي أن يحصل في كل تحرك، وسبق أن جرى في الانتفاضة الشعبية وما رافقها من احتجاجات، لكن نحن كحراس مدينة استطلعنا الكثير من الآراء التي كانت تجزم وتكرر كلمة واحدة "الشعب جاع"، وتعبّر عن رفضها لتمديد التعبئة العامة حتى الثامن من فبراير/ شباط المقبل، في ظلّ عدم تأمين الدولة أي بدائل أو تعويضات أو مساعدات للصمود خلال فترة الإقفال، التي أكبر المتضررين منها من يعتمد على الأجرة اليومية من سائقي الأجرة والبياعين الجوالين الذين يعتمدون على البيع اليومي لتأمين لقمة الخبز فقط.
ويلفت المصدر ذاته لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المندسين ليسوا بالضرورة دائماً أن يكونوا من السياسيين، فربما أرسلوا من الأجهزة الأمنية، وكان وزير الداخلية الأسبق مروان شربل قالها علناً ومباشرة على الهواء، أنهم في أحيان كثيرة كانوا يدخلون مندسين عن قصدٍ لرمي الحجارة وافتعال أعمال شغب، بهدف تدخل القوى الأمنية واستخدام القوّة لردع المتظاهرين وتفريقهم وإخراجهم من الساحات".
"كلن يعني كلن"
وبرزت دعوات لتحركات اليوم وطوال أيام الأسبوع في مختلف المناطق اللبنانية، رفضاً للسياسات القمعية والقرارات التي تزيد من فقر اللبنانيين وجوعهم، تطاول كذلك المصارف والبنك المركزي الذي يحتجز الودائع، ومؤسسات الدولة الخارجة عن السمع والعمل.
ويقول الناشط من صيدا، جنوبيّ لبنان، محمد نجم لـ"العربي الجديد"، إن "التحركات مستمرّة، ولو بأعداد ضئيلة، باعتبار أن الناس خائفة جداً من النزول نتيجة ضغوطات سياسية وحزبية"، مشدداً على أنّ المشاركين في التحركات "نزلوا من تلقاء نفسهم، فكل منتفض على الأرض لا يشرفه أن يكون تابعاً لأي جهة أو حزب، وهو يرفع شعار "كلن يعني كلن" ويريد إسقاط كل الطبقة الحاكمة، والإرث السياسي، الذي يدير البلاد منذ سنين ولا تزال الوجوه نفسها في السلطة".
ويشير نجم إلى أنّ الانتقادات التي توجّه إلى المتظاهرين بنقل المواجهة مع القوى الأمنية وتحريف أهداف التحركات، ليست في مكانها، لأن الناس في كلّ مرة تتوجه إلى بيوت السياسيين تتعرض للضرب والهجوم من قبل القوى الأمنية التي تحمي أركان السلطة، من هنا لم يجد المتظاهرون سوى السرايا للتعبير عن غضبهم، فالكل جاع، وبات بلا عمل، ولا مدخول، وأمواله محتجزة في المصارف، والدولار يحلّق في السوق السوداء، وهذه أزمات تطاول الشعب كله، لا شريحة واحدة.
ويرى الناشط أن "الانتفاضة ستعود حتماً والدعوات يومية للتظاهر، وخصوصاً أنّ الوضع بات أسوأ حتى من فترة 17 أكتوبر، مع ارتفاع معدل البطالة والفقر والجوع وحتى الفساد وكل من سقط خلال التحركات الحالية أو السابقة شهيداً على مذبح الساحات لن تذهب دماؤه هدراً".
وفي استطلاع لرأي عددٍ من الناشطين الذين شاركوا في تحركات 17 أكتوبر، ولم ينزلوا اليوم إلى الشارع، كانت الإجابة بالخوف من القمع والممارسات العنيفة التي تحدث، والتي تحول دون مشاركتهم، إضافة إلى أسباب مرتبطة بالاستغلال السياسي لجهات حزبية تدفع الناس إلى الساحات لتنفيذ أجندات مشبوهة.
في السياق، أكدت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك إجراءات مشددة ستفرض اليوم في ساحة النور، وستستقدم تعزيزات مع ورود أنباء عن أن ليل طرابلس سيكون ساخناً جداً، بعد تشييع الشاب عمر طيبا، والجيش سيفرض سيطرته على الأرض، ويتعامل بشدة عند الضرورة، فهو أيضاً لديه عدد من الجرحى في صفوفه وعناصر قوى الأمن الداخلي، وسيقف بوجه أعمال الشغب".
ولفتت إلى أن التعزيزات "ستطاول كل الساحات التي تشهد دعوات للتحركات، سواء بقاعاً أو في العاصمة اللبنانية بيروت أو جبل لبنان، وجنوباً".
وكانت قوى الأمن الداخلي قد توعدت، أمس الأربعاء، بأن تتعامل بشدة مع المهاجمين وحزم، في ظل إصرار المتظاهرين على اقتحام سرايا طرابلس.