لا تزال العملية الانتخابية في ليبيا تواجه انسداداً غير مسبوق، بسبب اتساع هوّة الخلافات بين الأجسام السياسية في البلاد، وتعارُض مواقف القادة الليبيين وتصريحاتهم، وآخرها عزم مجلس النواب على عقد محادثاته في روما لتمرير قانون الانتخابات، في محاولة لكسب تأييد دولي.
وفيما تستعد البعثة الأممية إلى ليبيا لاستئناف محادثات لجنة التوافقات في ملتقى الحوار السياسي، التي بدأت السبت الماضي وأُجِّلَت إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى، يعتزم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وأعضاء لجنة إعداد قانون الانتخابات إجراء محادثات مع رئيس المفوضية العليا للانتخابات في روما، لكن الغموض لا يزال يخيّم على مصير هذه الدعوة بعد اعتراض المجلس الأعلى للدولة.
ووفقاً لوكالة "نوفا" الإيطالية، ستستضيف روما محادثات لإنقاذ الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر/ كانون الأول، بحضور رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح.
وبحسب مصادر الوكالة، فإن المحادثات المقرر أن تبدأ غداً الأحد، ستكون حاسمة في إنقاذ الانتخابات الليبية بعد فشل محادثات ملتقى الحوار السياسي في التوصل إلى قاعدة دستورية متوافق عليها.
وفي خطوة استباقية للمحادثات في روما، أعلن المجلس الأعلى للدولة، أمس الجمعة، رفضه لأيّ "تصرف أحادي" بشأن إقرار قانون الانتخابات العامة بالبلاد.
وأكد المجلس، في بيان له، أن "إقرار قانون الانتخابات العامة من اختصاص مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وأن أي تصرف أحادي من الجهتين يعتبر مرفوضاً طبقاً لنصوص الإعلان الدستوري".
ولفت بيان المجلس إلى أن أي تعديل لا بد أن يحصل بالتوافق بين المجلسين، مستنداً إلى مواد الاتفاق السياسي التي تنص على ضرورة تشكيل مجلس النواب ومجلس الدولة "لجنة مشتركة مهمتها اقتراح مشروع قانوني الاستفتاء والانتخابات العامة لاستكمال المرحلة الانتقالية"، مشدداً على أن دور المفوضية العليا للانتخابات والبعثة الأممية استشاري وفني فقط.
ووفقاً لمصادر برلمانية، فإن رحلة عقيلة صالح وأعضاء لجنة صياغة قانون الانتخابات، التي شكلها صالح في وقت سابق من الشهر الجاري، إلى روما لم تتقرر بعد، خصوصاً مع ملاحظات من البعثة الأممية تعبّر عن خشيتها من انجرار المسار الانتخابي إلى المزيد من التعقيد في حال تمرير قانون الانتخابات الخاص برئيس الدولة وسط اعتراض أطراف سياسية أخرى في البلاد.
وكشفت ذات المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن تحالفاً يربط عقيلة صالح ورئيس المفوضية العليا للانتخابات من أجل تمرير قانون انتخاب الرئيس، كان وراء فكرة اللقاء في روما ومحاولة إعطاء زخم دولي للخطوة.
ورغم وصف المقترح المدرج من رئاسة مجلس النواب في جداول أعمال جلسات النواب بقانون الانتخابات العامة، إلا أن الناشط السياسي الليبي عثمان مريوة، يؤكد أنه مقترح لتمرير قرار رقم 5 الصادر في عام 2014 بشأن انتخاب رئيس مؤقت للدولة فقط، مشيراً إلى أن عقيلة صالح صرح بهذا في العديد من المناسبات.
ويوضح مريوة، المتابع لشأن المسار الدستوري والانتخابي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن رئاسة مجلس النواب يسيطر على قرارها عقيلة صالح، ويحاول الاستفادة من الإشكال القائم حول الأساس القانوني للانتخابات الرئاسية باعتماد نص القرار رقم 5 ليكون أساساً لقانون الانتخابات الرئاسية بما يخدم مصالح وأهداف خاصة بعيدة عن الأهداف الأصلية للانتخابات.
وينص القرار رقم 5 الصادر في عام 2014 على أن يجري انتخاب رئيس مؤقت للدولة بطريق الاقتراع العام السري المباشر وبالأغلبية المطلقة لأصوات المقترعين.
ويصف مريوة محاولات عقيلة صالح وخلفائه لتوجيه العملية الانتخابية بـ"الالتفاف"، موضحاً أن قانون الانتخابات الذي فشل مجلس النواب في طرحه على النواب للنقاش عدة مرات يتضمن أيضاً توزيعاً جديداً للدوائر الانتخابية في البلاد لتتماهى التوزيعة السكانية مع مساعي إجراء انتخاب الرئيس مباشرةً من الشعب.
ورغم عدم إعلان رئاسة مجلس النواب لمضمون مقترح المفوضية العليا للانتخابات بشأن تقسيم الدوائر الانتخابية، إلا أن ذات المصادر البرلمانية كشفت أن المقترح تضمن مقترح تقسيم البلاد إلى 32 دائرة انتخابية بدلاً من التقسيم السابق بقوام 13 دائرة.
ولاقى المقترح جدلاً واسعاً بسبب تجاوز المفوضية اختصاصاتها الفنية، بحسب قانون إنشائها، إلى الدخول في معترك السياسة وصراعاتها، لكن اعتراضات أخرى أبدتها مكونات اجتماعية تتعلق بسوء توزيع الدوائر الانتخابية المقترح من المفوضية، إذ طالب مجلس حكماء وأعيان ونواب مدينة ترهونة، غربيّ البلاد، بضرورة عدم قبول المقترح، لأنه لا ينصف المدينة التي يبلغ تعداد سكانها قرابة 300 ألف نسمة ويتوزع أبناؤها في مختلف أنحاء البلاد، لكونها أكبر القبائل الليبية تعداداً للسكان.
وإثر الجدل الذي لاقاه مقترح المفوضية العليا والاعتراض على تجاوزها دورها الفني، برر رئيسها عماد السائح مقترحه بأنه "جاء بناءً على طلب مجلس النواب"، مضيفاً أنّ المقترح تأسس على "الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي".
وأوضح أن مقترحه اعتمد على أرقام مصلحة الأحوال المدنية لعام 2020، التي بينت أن سكان ليبيا بلغوا 6.9 ملايين نسمة، ويتساءل مريوة عن صحة هذا الادعاء، سائلاً: "كم الزيادة في عدد سكان ليبيا بين آخر انتخابات في عام 2014 والعام الحالي ليستلزم زيادة 19 دائرة؟".
وفيما يشكك مريوة في مواقف رئيس المفوضية ويحذر من مخاطر انجراف المفوضية إلى أتون الصراعات السياسية، يعبّر عن استغرابه انخراط روما في مثل هذه العملية، على الرغم من وضوح مواقف عقيلة صالح المعرقلة، خصوصاً مع غموض أهداف مقترح إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية.
ويؤكد مريوة أن لقاء عقيلة للسايح في روما، حتى دون الوصول إلى نتائج بشأن قانون الانتخابات، سيشكل عرقلة جديدة لن تجعل إجراء الانتخابات في موعدها المقرر شيئاً سهلاً.