بمناسبة مرور مائة يوم على تشكيلها في 2 أغسطس/ آب الماضي، احتفت الحكومة الصومالية الفدرالية (برئاسة حمزة عبدي بري)، أول من أمس الأربعاء، عبر صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، بتحقيقها جملة من الإنجازات خلال تلك الفترة، أبرزها مكافحة حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" ومحاربة الأفكار المتطرفة التي تنتهجها الحركة، وفرض استقرار أمني في المناطق التي حُرّرت من قبضة مسلحي "الشباب" في وسط البلاد.
ووضعت الحكومة الصومالية مكافحة الإرهاب على رأس إنجازاتها، إلى جانب تفعيل ملف إعفاء الديون الخارجية المستحقة على البلاد، وإطلاق حملة إنسانية لإغاثة متضرري أزمة الجفاف التي ضربت جنوبيّ الصومال. وفي الشأن الخارجي، أشار المنشور الحكومي إلى تبني سياسة خارجية هادئة اعتمدت على تعزيز التعاون الدبلوماسي بين الصومال ودول الجوار والعالم.
الصومال... حكومة بإرث ثقيل من الملفات
وورثت الحكومة الفدرالية الجديدة في الصومال، إرثاً ثقيلاً من ملفات شائكة تحتاج إلى إعادة تصويب، وفق مراقبين. ويعد ملف الأمن من أبرز العقبات التي تواجهها حكومة حمزة عبدي بري، حيث شهدت العاصمة مقديشو منذ تعيينه رئيساً للحكومة من قبل رئيس البلاد حسن شيخ محمود في يونيو/ حزيران الماضي، تفجيرات دموية عدة راح ضحيتها المئات من المدنيين. وشنّت السلطات الصومالية حملة عسكرية على "الشباب" بدأت في يوليو/ تموز الماضي، وحققت انتصارات طفيفة، دون أن تقدر على كسر شوكة الحركة في وسط البلاد وجنوبها.
حرّرت الحكومة أكثر من 50 منطقة من قبضة "الشباب"
كذلك شكّل ملف الحد من تبعات الجفاف، أولوية للحكومة الحالية، ولا سيما مع تفاقم الوضع الإنساني، وإعلان الأمم المتحدة أن نحو 8 ملايين شخص في الصومال يواجهون أزمة غذائية بسبب الجفاف.
وفي السياق، يرى الصحافي الصومالي في مركز "آفاق" للإعلام، عدنان علي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة الفدرالية تمرّ ولا تزال بتحديات جمّة، من بينها الأمني، حيث شهدت مقديشو ومدن أخرى مثل بلدوين وجوهر هجمات انتحارية، ولم تتمكن الحكومة من إعادة الجنود الصوماليين البالغ عددهم 5 آلاف عسكري الذين استكملوا التدريبات في إريتريا، بسبب صعوبات لم تكشف، رغم جولات الرئيس الصومالي إلى أسمرة مرتين لهذا الهدف.
ويضيف الصحافي الصومالي أن "الحكومة ركّزت خلال الأشهر الأخيرة الماضية على الحرب ضد التنظيمات المتطرفة، ونجحت في مواصلة الضغط العسكري عليها، وحرّرت أكثر من 50 منطقة في وسط البلاد وجنوبها، وقتلت قرابة 600 عنصر من حركة الشباب وجرحت 1200 آخرين على الأقل". ويلفت إلى أن الحكومة صعّدت الحرب على "الشباب" بجعلها أيضاً حرباً أيديولوجية وإعلامية، ودشنت لهذا الغرض قناة تلفزيونية مخصصة للحرب الإعلامية ضد الحركة.
أما دبلوماسياً، فيعتبر علي أن الحكومة فشلت في حملتها لرفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ عام 1992، لكنها تصالحت مع دول عدة، أبرزها مصر والإمارات وجيبوتي وكينيا، وهو ما يحسب لها. ويذكّر بأن العلاقات مع هذه الدول كانت متدهورة في عهد حكومة الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، بسبب سياسات محاور إقليمية ودولية استأثرت بالقرار السيادي الصومالي، بحسب رأيه.
كذلك يشير عدنان علي إلى أن الحكومة نجحت في الحد من تفاقم أزمة الجفاف، وإنقاذ البلاد من الوقوع في فخ المجاعة، عبر تنظيم حملات إغاثة عاجلة للمتضررين من الأزمة، كذلك أولت اهتماماً كبيراً لملف البيئة، وأطلقت مبادرة لتشجير 10 ملايين شجرة في العاصمة مقديشو، وهي المهمة التي نفذتها وزارة البيئة والتغير المناخي التي استحدثت للمرة الأولى في تشكيلة الحكومة الفدرالية.
لكن الصحافي في مركز "آفاق" يلفت إلى وجود ملفات أخرى عالقة أيضاً، وخصوصاً ملف استكمال كتابة الدستور (لم يستكمل منذ عام 2012)، وتشكيل لجنة انتخابات وطنية توافقية، وتحريك المفاوضات مع أرض الصومال (صومالي لاند)، وحلّ المعضلات السياسية المتصلة بالنظام الفدرالي للبلاد. ومن بين الملفات العالقة أيضاً، عدم تطوير برنامج الأمن القومي الذي يفترض أن يؤطر لسياسات بناء الجيش وتمكينه من تولي مسؤولية حفظ الأمن للبلاد بعد انتهاء ولاية قوات حفظ السلام الانتقالية (أتمس) في الصومال بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2024.
الحرب على "الشباب" أولوية
من جهته، يؤكد الصحافي الصومالي نور محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة الصومالية حققت في مئويتها الأولى إنجازات أمنية، وخصوصاً في معركة القضاء على "الشباب"، بمشاركة مسلحي العشائر، في تحدٍّ جديد لإمكانية بقاء الحركة والعيش في الوسط العشائري. كذلك فإن الحكومة الصومالية برأيه، شنّت حرباً اقتصادية على الحركة، عبر تجميد العشرات من الحسابات المصرفية التي يعتقد أن لها صلة بأفراد منها، وهي حملة يراد منها تجفيف منابع ومصادر تمويل "الشباب"، عبر تجريم التعامل مع عناصرها مالياً.
ملف الحد من تبعات الجفاف شكّل أولوية لحكومة عبدي بري
ويشير نور إلى الوفاق السياسي الحاصل حالياً بين الحكومة الفدرالية والولايات، على عكس المرحلة السابقة، ما يمكن اعتباره تطوراً سياسياً وإنجازاً للحكومة، لأن التناغم بين المركز والأطراف يساهم برأيه في تحقيق رؤية الحكومة الأمنية والاقتصادية. أما إنسانياً، فيشرح أن الحكومة الفدرالية خفضت مستوى التداعيات الناجمة عن الجفاف، ونتيجة سياستها الهادفة إلى عدم التسرع في إعلان حالة المجاعة، ما يمكن أن يقوّض جهودها في مكافحة "الشباب".
أما عن التحديات التي واجهت الحكومة في تلك الفترة، فيرى نور أن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين في المناطق التي حُرّرت من "الشباب"، كان كبيراً، بالإضافة إلى تجفيف منابع ومصادر تمويل "الشباب". وإن مواصلة أدائها الحالي وتحقيق وعودها للشعب يمثل تحدياً أمام حكومة حمزة عبدي بري، برأيه.
وحول إمكانية استمرار المعارك الشرسة ضد "الشباب"، يرى متابعون أن الجيش الصومالي اضطر إلى مشاركة القتال ضد "الشباب" بعدما بدأت المواجهات بين مليشيات العشائر ومسلحي الحركة في وسط البلاد، ما دفع عناصر الجيش في إقليم هيران إلى دخول الحرب لترجيح كفة العشائر.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد فاتولي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن دخول الحكومة حرباً ضارية ضد حركة الشباب بعد ولادتها مباشرة، يعكس مدى عدم وجود رؤية عسكرية استراتيجية عسكرية مسبقة، بل جاء إعلان الحرب من دون مراجعات أو طرح خطط بسقف زمني واضح.
ويعتبر محمد أن إنهاء وجود "الشباب" في كثير من المناطق هو بحد ذاته تحدٍّ كبير، كذلك إن إنهاء الحرب والانتصار سيعتبران رصيداً عسكرياً للحكومة، لكن إذا منيت بالفشل، فإن هذا سيزيد، من دون شك، التحديات والشرخ الأمني في البلاد.
وأجرى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود جولة تفقدية منذ السبت الماضي لعدد من المناطق التي استعادتها القوات الصومالية من قبضة "الشباب" في إقليمي جلجدود وهيران، وحثّ سكانها على الوقوف إلى جانب الجيش، معلناً أن هناك جبهات عسكرية جديدة ستنضم إلى القتال خصوصاً في إقليم جنوب غرب الصومال (موطن "الشباب" الذي يضم مقار تدريب عسكرية ومدناً استراتيجية تخضع لسيطرتها)، وذلك لفتح الطرق ورفع الظلم عن المقهورين في تلك المناطق.