تواصل "قوات سورية الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية، عمليتها العسكرية المدعومة دولياً التي تشنّها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في ريف حلب الشرقي، بعد أن أطبقت الحصار على مدينة منبج، أكبر مدن هذا الريف، مواصلةً التقدّم جنوب وشمال المدينة من دون أن تقتحمها. وتتّبع هذه القوات استراتيجية عسكرية تقوم على حصار المدينة من كل الجهات مع ترك ثغرة غير محاصرة تفسح المجال أمام عناصر التنظيم للانسحاب حتى بمعداتهم باتجاه واحد هو مدينة الباب، واستكمال تقدّمها في القرى والمناطق المحيطة بمنبج، مع تمكّنها، يوم أمس الخميس، من السيطرة على منطقة المطاحن الاستراتيجية جنوب منبج والتي تضم مطاحن حبوب تغذي محافظة حلب بالكامل.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه "قوات سورية الديمقراطية" على بُعد أقل من خمسة كيلومترات عن محيط منبج الذي تحاصره، يحاول "داعش" شنّ هجمات متفرقة على مواقع تلك القوات في بعض المناطق ذات الطبيعة الصحراوية، ما مكّنه من استعادة بعض القرى الصغيرة القريبة من المدينة والتي يجيد التنظيم المناورة فيها أكثر من القوات المهاجمة.
أما اجتماعياً، فتفسح هذه الطريقة المجال أمام "قوات سورية الديمقراطية" لتسويق نفسها دولياً وأمام الرأي العام في المنطقة كمدافع عن المدنيين والخائف على مصيرهم، في محاولة منها لكسب حاضنة شعبية في المنطقة التي تضم سكاناً عرباً ينظر معظمهم إلى هذه القوات التي يشكّل قوامها الرئيسي "وحدات حماية الشعب" الكردية ذات التوجهات الانفصالية، على أنها قوات احتلال مثلها مثل تنظيم "داعش".
وتشكّك قوى سورية عدة في مقاصد التوسع العسكري للوحدات الكردية التي تشكّل الثقل الأساسي في "قوات سورية الديمقراطية"، متهمة إياها أنها تسعى إلى إنشاء دولة كردية في شمال سورية، وأن المعارك التي تخوضها اليوم ما هي إلا لربط القامشلي وعين عرب بمنطقة عفرين في ريف حلب، وهي ذات غالبية كردية. إلا أن القيادات الكردية تنفي هذا الأمر، مؤكدة تمسكها بالانتماء إلى الكيان السوري، إلا أنها تقدّم نموذج الفدرالية كنموذج لإدارة سورية المستقبل، التي تحافظ على حقوق مكونات الشعب السوري السياسية والثقافية والاقتصادية.
ويساند "قوات سورية الديمقراطية في معركتها بالإضافة إلى المساندة الجوية التي تقدمها قوات "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب"، العديد من القوات الخاصة والمستشارين التابعين لدول غربية يصل عددها إلى 12 دولة، حيث يتم الكشف عنها تباعاً بينها قوات فرنسية وأميركية وسط أنباء عن تشكيل قواعد عسكرية لهذه الدول.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر كردية مطلعة، أن "هناك قوات ومستشارين من 12 دولة تقدّم الدعم لقوات سورية الديمقراطية على الأرض، منها النرويج والسويد وكندا وأستراليا وبريطانيا وجمهورية التشيك وبلجيكا، إضافة إلى الأميركيين والألمان والفرنسيين". ووفقاً لهذه المصادر، فإن هذه الدول موجودة على الأرض منذ فترة، مشيرةً إلى أن القوات الفرنسية "كانت موجودة في سورية قبل 3 أشهر من تاريخ الإعلان الرسمي"، لافتةً إلى أن "الدول هي من تطلب التكتم عن وجودها".
وبحسب المصادر، فإن "وجود قوات لتسع دول في شمال سورية، يأتي ضمن التعاون بين قوات سورية الديمقراطية، والتحالف الدولي، وثلاث دول أخرى أرسلت قوات ومستشارين استناداً إلى تفاهمات ثنائية"، إلا أن المصادر تحفظت على الكشف عن هذه الدول، مرجعةً الأمر إلى قيادة "قوات سورية الديمقراطية". وأوضحت المصادر أن "مهام قوات تلك الدول تتعلق بالتدريب على الأسلحة الحديثة، وكيفية التعامل معها، ودور قتالي متعلق بالتقنيات، والتنسيق بين الجو والأرض، وغرف العمليات المركزية".
من جهته، اكتفى المتحدث الرسمي باسم "المجلس العسكري لمنبج وريفها"، التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية"، شرفان درويش، بالقول: "نحن نتعامل مع التحالف الدولي"، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الكشف عن الدول التي أرسلت قواتها على الأرض ودورها "من صلاحيات التحالف الدولي".
من جهته، قال المتحدث باسم "قوات سورية الديمقراطية"، العقيد طلال سلو، في تصريحات صحافية، إن وجود جنود فرنسيين يندرج ضمن الدعم الذي يقدّمه التحالف الدولي للأكراد، الذين يقاتلون تنظيم "داعش" في مناطق عدة شمال سورية". واعتبر أن "الوجود الفرنسي تقرره قيادة التحالف".
وتفيد معلومات متقاطعة أن لدى هذه الدول توجهات بإنشاء قواعد عسكرية لها في المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية". وقد كانت القوات الأميركية، سبّاقة لهذا الأمر، بعدما أنشأت قاعدة لها في القامشلي، في حين يتم الحديث اليوم عن قاعدة فرنسية في تلة مشته نور، المطلّة على عين العرب بريف الرقة الشمالي، تم تجهيزها كمرحلة أولى لتكون مهبطاً للمروحيات. ومن المتوقع أن تستخدم في نقل الجنود الفرنسيين بين سورية والعراق، الأمر الذي قد يجعل منها قاعدة عسكرية أساسية في المستقبل.