20 عاماً على فاجعة بيسلان الروسية: الأمن مقابل الحريات

01 سبتمبر 2024
بوتين في بيسلان، 20 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في 1 سبتمبر 2004، احتجز مسلحون أكثر من 1100 شخص في مدرسة ببيسلان، مطالبين بانسحاب القوات الروسية من الشيشان، وانتهت العملية بمقتل 334 شخصاً.
- في الذكرى العشرين للفاجعة، أقيمت فعاليات تأبينية وزار الرئيس بوتين المجمع التذكاري "مدينة الملائكة"، وهي زيارته الثالثة لبيسلان.
- حادثة بيسلان جاءت بعد سنوات من التوتر الأمني في شمال القوقاز، وأثرت سلباً على العلاقات بين الأديان في روسيا، مما أدى إلى إعادة هيكلة منظومة مكافحة الإرهاب.

في الأول من سبتمبر/ أيلول 2004، ذاع صيت مدينة بيسلان الواقعة في جمهورية أوسيتيا الشمالية جنوبي روسيا، إثر احتجاز مجموعة من المسلحين أكثر من 1100 شخص من التلاميذ والأساتذة وأولياء الأمور رهائن، أثناء حفل بداية العام الدراسي الجديد بالمدرسة رقم واحد، مطالبين بانسحاب القوات الفدرالية الروسية من جمهورية الشيشان ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز الروسي. وفي 3 سبتمبر 2004، بدأت القوات الخاصة الروسية عملية عشوائية لاقتحام المدرسة، لا تزال أسئلة غامضة تخيم عليها، وسط استمرار تساؤلات حول ما إذا كانت هناك إمكانية لتفادي هذا العدد الهائل من الضحايا. فعلى الرغم من تمكن القوات الروسية من إنقاذ أغلبية الرهائن، فإن 334 شخصاً، بمن فيهم 186 طفلاً، لقوا مصرعهم أثناء عملية الاقتحام.

أسف كيريل سيميونوف لأداء الواقعة دوراً سلبياً في العلاقات بين الأديان

وبالذكرى الـ20 للفاجعة التي تحل اليوم الأحد، تقام في بيسلان وغيرها من المدن الروسية فعاليات تأبينية لإحياء ذكرى الضحايا. واستبقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة أجراها إلى بيسلان في 20 أغسطس/ آب الماضي، وتفقد المجمع التذكاري "مدينة الملائكة" الذي دفن به ضحايا الهجوم الإرهابي. ويضم المجمع تمثالين، أحدهما "شجرة الحزن" لتخليد ذكرى القتلى من بين الرهائن، والثاني لذكرى مقاتلي وحدتي القوات الخاصة "ألفا" و"فيمبيل" الذين قضوا أثناء الاقتحام.

ثالث زيارة لبوتين إلى مدرسة بيسلان

ووضع بوتين زهوراً إلى جانب "شجرة الحزن"، ثم ركع أمامها على ركبتيه، وقبل النصب، قبل أن يتوجه إلى المدرسة التي تحولت إلى مجمع تذكاري. وتعد هذه الزيارة هي الثالثة لبوتين إلى بيسلان بعد زيارتيه في 4 سبتمبر 2004 بعد يوم على الأحداث الدموية وأخرى في العام 2008. وجاءت حادثة مدرسة بيسلان خاتمة لسلسلة من العمليات الإرهابية الدموية التي شهدتها روسيا في بداية القرن الـ21، بما فيها احتجاز الرهائن خلال المسرحية الموسيقية "نورد أوست" بموسكو في أكتوبر/ تشرين الأول 2002 (130 قتيلاً)، واغتيال الرئيس الشيشاني أحمد قديروف، أثناء استعراض عسكري في غروزني في مايو/ أيار 2004، وتفجيرا طائرتين من طرازي "توبوليف-154" و"توبوليف-134" أسفرا عن مقتل 90 شخصاً في العام ذاته، وغيرها.

وأوضح الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، أن حادثة بيسلان وغيرها من الهجمات استبقتها سنوات من الانفلات الأمني والتوتر في منطقة شمال القوقاز، وحربان مدمرتان في الشيشان التي عاشت نزعة انفصالية وتنامياً لأعمال الجماعات المتطرفة في تسعينيات القرن الماضي وبدايات القرن الجديد. وقال سيميونوف، في حديث لـ"العربي الجديد": "في ذلك الزمن، لم يكن الوضع في شمال القوقاز آمناً، نظراً لإقامة هيئات موازية خاضعة لسيطرة الجماعات السلفية والجهادية في جمهورية الشيشان. رغم تعرضها لضربات موجعة بعد بدء الحرب الشيشانية الثانية في عام 1999، إلا أنه لم يتم القضاء عليها نهائياً، بل توسعت إلى الأقاليم المجاورة مثل داغستان وأوسيتيا الشمالية التي وقع بها هجوم بيسلان، وثمة هجمات إرهابية نفذت حتى في موسكو".
وأسف لأداء واقعتي احتجاز الرهائن في بيسلان و"نورد أوست" دوراً سلبياً في العلاقات بين الأديان في روسيا، مضيفاً: "تتم الإشارة إلى هذين الهجومين عند الترويج للصورة السلبية للإسلام أو اقتراح أي إجراءات تقييدية بحق المسلمين مثل حظر النقاب، مع تجاهل الحقيقة أن هناك عدداً من المسلمين بين ضحايا حادثة المدرسة".

أسئلة من دون أجوبة

ولما كانت فاجعة بيسلان تعد أكثر الحوادث الإرهابية دموية في تاريخ روسيا، لا يزال العديد من أسئلة ذوي الضحايا بلا أجوبة حتى الآن، من جهة رفض السلطات التفاوض مع المحتجِزين واتخاذ قرار الاقتحام وما ترتب عليه من سقوط عدد غير مسبوق من الضحايا. الرئيس الأسبق لجمهورية إنغوشيا، رسلان أوشيف، هو المفاوض الوحيد الذي دخل إلى مبنى المدرسة أثناء عملية الاحتجاز وتمكن من إخراج 26 من الرهائن. وقال في شهادته بعد سنوات طويلة في مقابلة مع المدون الروسي الأشهر على "يوتيوب" يوري دود: "يجب الكفاح من أجل أن تكون حياة كل إنسان في الدولة بوزن الذهب، وإخضاع استراتيجية الدولة لذلك. لكن للأسف، هناك موقف تجاه الناس مفاده: النساء سينجبن آخرين".

تداعيات كثيرة ترتبت على فاجعة مدرسة بيسلان

وفي عام 2017، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ حكماً بإلزام روسيا بصرف تعويضات قدرها حوالي ثلاثة ملايين يورو لذوي الضحايا، بعد أن خرجت بنتيجة مفادها أن السلطات الروسية عجزت عن الوفاء بالتزامها بمنع التهديد المحتمل لأرواح الناس، ولم تخطط لعملية الاقتحام بطريقة تقلص من التهديدات لحياة الرهائن. تداعيات كثيرة ترتبت على فاجعة بيسلان، بما فيها إعادة هيكلة منظومة مكافحة الإرهاب في روسيا واستحداث مسؤولية شخصية لقادة العمليات عن نتائجها. وعلى الصعيد السياسي، تم إلغاء الانتخابات المباشرة لحكام الأقاليم بشكل مؤقت، ليضع الكرملين على عاتقه المسؤولية عن توازن القوى في شمال القوقاز.

وفي صيف عام 2006، أسفرت عملية خاصة عن تصفية زعيم الانفصاليين الشيشانيين، شامل باسايف، الذي تبنى المسؤولية عن الهجوم، وسط تكثيف عمليات مكافحة الإرهاب وصولاً إلى إلغاء نظام "عملية مكافحة الإرهاب" في الشيشان في عام 2009. وعلى صعيد علاقة المجتمع بالسلطة، شكلت أحداث بيسلان محطة فاصلة في ترسيخ العقد غير العلني القاضي بمصادرة جزء من الحريات السياسية والشخصية مقابل الأمن، وفق قطاع كبير من المتابعين.