مع مرور أكثر من 200 يوم على بدء حملة الاعتقالات السياسية في تونس، التي طاولت قيادات حزبية ومحامين وقضاة وإعلاميين ورجال أعمال ومدونين وحتى مواطنين عاديين، يقول نشطاء وسياسيون إنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد لم ينجح في تحقيق أهدافه من هذا الاستهداف المستمر للمعارضة.
وكانت دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف بتونس قد رفضت، الأربعاء الماضي، مطلب الإفراج المقدّم في حق وزير العدل الأسبق والقيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري، وهو من أوائل الذين جرى اعتقالهم.
وقبل البحيري، رفضت السلطات مطالب الإفراج عن بقية المعتقلين، باستثناء شيماء عيسى والمحامي الأزهر العكرمي، وقبلهما مدير إذاعة "موزاييك" نور الدين بوطار.
وبعد مرور ما يقارب 200 يوم على بدء حملة الرئيس التونسي ضد معارضيه، يبقى السؤال المطروح الآن متعلقاً بمكاسب سعيّد في هذه الحملة، لا سيما أنّ أسئلة عدة بدأت تطفو على السطح حول ما إذا كان ملف الاعتقالات قد أصبح عبئاً حقوقياً وسياسياً عليه، سواء داخل تونس أو خارجها.
وعلى هامش وقفة احتجاجية لـ"جبهة الخلاص الوطني" المعارضة وسط تونس العاصمة مساء أمس الخميس، قال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ سعيّد فشل في ضرب المعارضة التونسية، "فقد توسعت أكثر ولم يعد هناك مكون من مكونات المجتمع المدني أو حزب من الأحزاب أو شخصية من الشخصيات إلا وهي تقف في أرضية المعارضة"، واستدرك: "صحيح أن المعارضة لم توحّد جهودها وليس هناك تنسيق ميداني بينها، وهذا قد يستغرق هذا وقتاً، ولكن قيس سعيّد في المحصلة في عزلة خانقة في الداخل والخارج".
وحول ما خسره سعيّد من جراء اعتقال القيادات السياسية، رد الشابي بأن "الاعتقالات حل تلجأ إليه الدول الظالمة، ظناً منها أنها ستعزز استقرارها"، مؤكداً أن "مثل هذه الاعتقالات زادت من رقعة الاحتجاج ومن دائرة المعارضة، وهذا ما زاد من عزلة النظام على المستوى الخارجي، وسياسياً له عدة تبعات خطيرة منها عدم الاستقرار السياسي والانهيار".
من جهته، أوضح القيادي في "جبهة الخلاص الوطني" وعضو فريق الدفاع عن المعتقلين السياسيين المحامي سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "سعيّد لم ينجح بالطبع في كسر المعارضة، فما أصاب المعارضة من انقسام ليس نتيجة الاعتقالات بل نتيجة حالة التصحر التي أصابت البلاد، وليست جميعها بسبب قيس سعيّد وإجراءاته، ولكنها نتيجة كسر جماعي، لا يعود للعامين الأخيرين فقط حيث استولى خلالهما سعيّد على السلطة وحطم المؤسسات، بل نتيجة عدم نجاح النخب في إقناع الشعب بأنّ الحرية تقود إلى التنمية، وأن النخب ليست هي الوحيدة المستفيدة من الحريات، فالشعب لم يرى انعكاساً للحريات تنموياً".
وأضاف: "بالتالي عندما جاء سعيّد، بنى على خيبة الأمل المجتمعية إجراءات جرت من خلالها السيطرة على السلطة، وكانت هناك أزمة كان طرفاً فيها، ولكنه كان الأقدر على استثمارها من خلال الخطاب الشعبوي".
وعن نتائج وتداعيات الاعتقالات على المشهد وعلى المعتقلين من داخل سجونهم، قال عضو فريق الدفاع عن المعتقلين إنّ "الاعتقالات قربت وجهات النظر بين المعارضين، فخلال الاستهداف يقترب المستهدفون من بعضهم"، كما أن "هناك مساندين لقيس سعيّد أصبحوا يشعرون باستهدافهم، سواء عبر شعارات تطهير الإدارة والقرارات التي استهدفت مقربين من السلطة، أو من خلال التعامل مع مسؤولين في الدولة ألقي بهم من دون أي اعتبار لما قدموه، ولكن إلى هذه اللحظة فإن هذا التقارب الذي بقي تحت السقف الحقوقي الإنساني لم يتحول إلى موقف سياسي موحد قادر على مواجهة سعيّد".
المكي لـ"العربي الجديد": سعيّد لم ينجح في إضعاف المعارضة وإسكات صوتها وضرب القيمة الرمزية التي يمتلكها المعتقلون في أحزابهم
وأوضح ديلو أن "عدم تقديم أدلة حتى اليوم حول المعتقلين يبيّن أن (حبل الكذب قصير)، وسعيّد لم ينجح خلال 6 أشهر في تقديم أدنى دليل أو قرينة أو حجة حول تورط المعتقلين في مؤامرة حقيقية، بل هي اتهامات تروج لها السلطة ولا يُسأل عنها المحالون والموقوفون، لا عن تجويع الشعب أو استهداف رئيس الجمهورية كما يروّجون، ولا يوجد أي شيء عن ذلك في المحاضر، بل أكثرها موجودة على صفحات التواصل الاجتماعي، والقرار في هذه القضايا سياسي، في الإيقاف وكذلك في الإفراج".
وأشار ديلو إلى أن "معنويات المعتقلين مرتفعة، وهم يعتبرون أنها مظلمة وسترفع، وكل دقيقة يقضونها في السجون ستزيدهم عزيمة، ولن يتخلوا عن قناعاتهم مهما جرى استهدافهم، ومن هو في ورطة حقيقية هو من اعتقلهم ومن استغل القضاء في ذلك".
وأفاد المحامي التونسي بأنّ "سعيّد قد يكون حقق بعض المكاسب على المدى القصير، حيث أربك البعض وخوّف البعض الآخر في البداية، ونجح نسبياً في تحويل المحور الرئيسي للمعارضة إلى المطالبة بإطلاق سراح المساجين، لكنه يخسر على المدى البعيد والمتوسط، لأن التجربة أثبتت أن صعود الشجر يلزم النزول منه عاجلاً أم آجلاً، والسلطة التي تعتقل الناس لن تبرر إلى ما لا نهاية لشعبها، وهي أيضاً ليست بمفردها في العالم، ولا تستطيع مد يدها طلباً للمساعدات والإعانات، وفي نفس الوقت تتجاهل طلبات إيقاف المحاكمات الظالمة وإيقاف الانتهاكات".
من جانبه، قال رئيس حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "قيس سعيّد أراد إضعاف المعارضة وإسكات صوتها، وضرب القيمة الرمزية التي يمتلكها المعتقلون في أحزابهم، ولكنه لم ينجح في ذلك، وقدم دليلاً على أنه قام بانقلاب وأنه معاد للحريات وللديمقراطية"، مشيراً إلى أن "سعيّد لم يكسب شيئاً من اعتقال المعارضين السياسيين، فكما أغلق البرلمان بالدبابات، ووضع المعتقلين في السجون، فقد قدم حجة للعالم عن حقيقة الأوضاع في تونس" .
وأضاف: "صحيح أن المعتقلين يعيشون مظلمة وعائلاتهم تعاني، ولكن الرصيد السلبي يحصل عليه سعيّد، لأنه تعهد بأنه لن يمس الحريات والحقوق وتنظيم الأحزاب، لكنه تورط في عكس ذلك، وحصلت ثغرة كبيرة في نظامه".
يُذكر أن سلسلة الاعتقالات شملت النائب في البرلمان المنحل وليد جلاد، ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، والناشط السياسي والقيادي السابق في حزب التكتل خيّام التركي، ثم رجل الأعمال كمال اللطيّف، وبعدها الناشط السياسي والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، ثم القاضيين المعفيين البشير العكرمي والطيب راشد.
وبعد وقت وجيز، طاولت الاعتقالات قادة "جبهة الخلاص الوطني" جوهر بن مبارك ورضا بلحاج، إضافةً إلى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وأعضاء الحركة محمد بن سالم والحبيب اللوز والصحبي عتيق ورياض بالطيب، بالإضافة إلى قيادات محلية وجهوية من حركة النهضة، ورئيس بلدية الزهراء ريان الحمزاوي، الذي رُفض الإفراج عنه أمس الخميس، والقائمة طويلة وتشمل عدة أسماء أخرى.