لم يكن ممكناً أن تمضي الأزمة الخليجيّة إلى ما هو أكثر سوءاً مما كانت عليه، ولم يكن مفاجئاً أن يتوصّل قادة دول مجلس التعاون إلى حلّ يتجاوز هذه الأزمة، ويمضي إلى تفاهمات تحمي كيان المجلس نفسه، من أيّ انقسام أو تفكيك. ويُعدّ المجلس الكيان الإقليمي الوحيد، عربياً، الذي حافظ على مقادير وازنة من الثبات، واستطاع أن يوفّر مظلّة للتشاور الخليجي الدائم، وإنْ لم يرض مواطني الدول الأعضاء الستّ فيه تماماً، ذلك أنّ الطموحات كبيرة لوصول هذه المظلة إلى ما هو اتحادي، وتطوير النظم الموحّدة.
والأوضح أن المواطن في السعوديّة وقطر والإمارات والبحرين والكويت وعُمان لن يشغل نفسه بتفاصيل ما بحثته القمة الخليجيّة الموسّعة التي استضافها العاهل السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، في الرياض، مساء الأحد الماضي، بالقدر الذي يجد نفسه معنياً بطيّ الخلافات وإزالة السحابة السوداء التي ظلّلت سماء الخليج، منذ ما يزيد عن ثمانية شهور، فحمى مجلس التعاون نفسه. والأوضح، أيضاً، أن هذا الهاجس هو ما ظلّت تصدر عنه جهود الوساطات والمشاورات التي نشطت باتجاه إنجاز مصالحة خليجيّة جديّة في الشهور الماضية، لا سيّما في الأسابيع القليلة الماضية. وبذلك، يمكن القول إن عواصف الخلافات داخل البيت الخليجي مهما بلغت حدّتها، أو زوابع التراشقات الإعلامية في أثنائها، فإنّها لن تذهب إلى التضحية بمنجز بناء مجلس التعاون الذي تأسّس عام 1981، وعرفت العلاقات الثنائية بين الدول الأعضاء فيه، طوال هذه السنوات، عدة خلافات، كانت بعضها شديدة، (العلاقات العمانيّة الإماراتيّة والخلافات الأمنيّة، الخلاف السعودي الإماراتي الحدودي، الخلافات القطريّة السعوديّة بشأن الخفوس،...).
تخفّف السجال بين قطر من جهة، والسعودية والبحرين والإمارات، من منطق المكاسرة، ومن حال التربّص في هذا الأمر وذاك، وتغلّبت إرادة التراضي والتفاهم من أجل أن لا يصاب مجلس التعاون باهتراءٍ، قد لا تنفع معها المجاملات التقليديّة، والاجتماعات الروتينيّة. وبدا أنّ المنظور الذي تمّ الاحتكام إليه، هو التزام الدول الأعضاء بأمن كلّ دولة فيه، وعدم المساس به بأيّ شكل كان، وكذا الالتزام بعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة، مع الإبقاء على التشاور الدائم، واحتفاظ كل دولة بحقّها في خياراتها السياسيّة الخاصة، بما لا يؤثر على أمن أيّ دولة أخرى واستقرارها. هذا كله هو الجوهري في ما سمي اتفاق الرياض، وظلّت وسائل إعلام في غير مكان، تزيد وتعيد فيه، من دون أن تطالع وثيقةً مؤكدة بشأنه، ما أجاز لها أن تفترض أنه شروط على دولة قطر تنفيذها. كما أن هذا كلّه، هو المحتوى الجوهري في "اتفاق الرياض التكميلي"، الذي جاء عليه البيان الختامي لاجتماع الرياض، مساء أول من أمس الأحد، والذي استضافه العاهل السعودي، وشارك فيه ملك البحرين، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وأمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
ويفيد مسؤول خليجي لـ"العربي الجديد"، بأنّ "الاتفاق التكميلي لا يشتمل على غير التأكيد على اتفاق الرياض الأول، والذي أكّد حرص كل دول مجلس التعاون على أمن شقيقاتها، والالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة لأيّ من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر".
وحول موعد عودة سفراء السعودية والبحرين والإمارات إلى الدوحة، بعد أن شكّل سحبهم في شهر مارس/آذار الماضي، المؤشّر الأهم على حدّة الأزمة، يتوقّع المصدر "عودتهم في غضون الأسبوع الحالي". وإذا تمّ التوافق على ذلك كلّه، يصير الدفع بهذه الأجواء الإيجابيّة إلى مزيد من التقدم، هو الرهان والمطلب الأساسي لمواطني دول المجلس، ويصير نجاح قمة الدوحة، في التاسع من ديسمبر/كانون الأول المقبل لقادة دول المجلس، رهاناً في محلّه، علماً أنّها القمّة الـ35 لقادة الدول الأعضاء، وسيعني انعقادها، ونجاحها، فشل الرهانات البائسة التي خاضت فيها منابر إعلامية، لم تسلك التوجه الإيجابي في هذا الملفّ منذ اشتعاله.
وبالنظر إلى كل ما سبق، يصير وجيهاً إيضاح البيان الختامي لاجتماع الرياض في ضيافة العاهل السعودي، (غابت عنه مسقط)، بأن الاتفاق التكميلي "يصبّ في وحدة دول المجلس ومصالحها ومستقبل شعوبها"، كما "يُعدّ إيذاناً بفتح صفحة جديدة" ستكون مرتكزاً قوياً لدفع مسيرة العمل المشترك، "والانطلاق بها نحو كيان خليجي قوي ومتماسك، خصوصاً في ظلّ الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة وتتطلّب مضاعفة الجهود والتكاتف لحماية الأمن والاستقرار فيها".
ومن مؤشّرات طيبة على أجواء إيجابيّة، سيعبر إليها مجلس التعاون، أنّ دولة الإمارات، أصدرت، الليلة قبل الماضية، بياناً عبرت فيه "عن سعادتها بنجاح اجتماع الرياض، من خلال تغليب وحدة الخليج ومصلحته لصالح المصالح العليا لشعوب المنطقة واستقرارها". ورحّبت "بعودة المسيرة الخليجية إلى طريقها الصحيح، وتغليب العمل الجماعي الذي يعود بالفائدة والنفع على الجميع"، معربة عن "تطلّعها إلى المشاركة في قمة الدوحة، تجسيداً لرؤية تؤكد على أمن المنطقة واستقرارها ومصلحة شعوبها، وبما يعود بالخير والتنمية والتقدم على سائر دول وأبناء مجلس التعاون".
وفي هذه الأجواء، تستضيف الدوحة اجتماعات تمهيديّة للقمة التي ستكون الأولى التي تعقد في قطر، منذ تولي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مقاليد الحكم في البلاد.