هل تستطيع مصر اللجوء إلى التحكيم الدولي في قضية سد النهضة، وما مدى امكانيات كسب القضية لصالح حماية الأمن المائي ومصالحها التاريخية في مياه النيل؟، هو السؤال الذي لم تحدد إجابته حتى الآن بين تأكيد المسئولين بعدم اللجوء إلى التدويل بمعنى التقاضي أمام محكمة دولية، وحديث عن قوة الموقف القانوني لمصر المستند على اتفاقيات تاريخية ودولية تضمن عدم الحاق الضرر بحصتها السنوية من مياه النيل.
وكشف مسؤول بملف حوض النيل لـ"الجديد"، أن الوفد المفاوض حالياً في ملف سد النهضة لا يتضمن خبير أو ممثل قانوني ويقتصر أعضاءه على الخبراء الفنيين وممثلين عن وزارة الخارجية فقط، بعد أن انتهى التعاقد مع الخبير القانوني، محمد سامح عمرو الذي التحق بالعمل في اليونيسكو مؤخراً.
وقال المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن الحكومة تستعين ببعض الخبرات والآراء القانونية بشكل مؤقت من خبراء قانون في الجامعات المصرية، لكن الأمر بحاجة إلى خبير دولي على صلة ودراية قوية بمشاكل الأنهار المشتركة. وأضاف المصدر أن "القضية الآن لم تعد قانونية فقط، والاستناد على حجج قانونية الآن والحديث بلغة القانون والأعراف الدولية لم يعد يؤدي إلى نتائج ايجابية، لذلك تفضل القاهرة الاستعانة بأوراق ضغط أخرى من خلال اللجوء إلى المحافل الدولية وتدويل القضية من خلال كسب ود المجتمع الدولي، بتبني المخاوف المصرية من انشاء سدود قد تؤثر على الأمن القومي والمائي المصري، مثل سد النهضة الإثيوبي".
وقال السفير عادل الصفتي، مستشار وزير الخارجية السابق، إنه لا يزال هناك عدد من الخطوات القانونية والدبلوماسة أمام الحكومة المصرية لضمان وإثبات حقوقها في مياه النيل، وحل الأزمة العالقة الآن مع إثيوبيا بشأن بناء سد النهضة. وأوضح الصفتي أن أحدآأليات التحرك تتمثل في تقديم مصر لشكوى للمنظمات الدولية، مثل منظمة العدل الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن حيث تدويل القضية والاحتجاج لديهم على تحركات اثيوبيا المؤثرة على أمن ومصلحة مصر، ومطالبتهم بالتدخل لوقف الاجراءات الإثيوبية في بناء السد، لحين التأكد من مدى الضرر.
وأضاف أن هناك معاهدات دولية أشرفت عليها الأمم المتحدة خاصة بالأنهار الدولية العابرة للحدود، بها نصوص تضمن حق مصر وتقوي حجتها في المطالبة بحقوقها في مياه النيل، حيث تكون رسالة مصر للعالم أنه في حالة الإبقاء على هذا السد فهذا يعني تهديد السلم والأمن الدولي. وأوضح الصفتي أن موقف مصر في البنك الدولي قد يكون ضعيفاً لضعف نسبة مساهمة مصر في رأسماله، ولكن يمكن أن يكون هناك تحرك عربي بالاتفاق مع السعودية والكويت والإمارات في المطالبة بوقف تمويل السد ومشروعات السدود التي تضر بحصة مصر، وكذك اتخاذ موقف سياسي من الصين وتقليل نسبة الاستيراد من الصين اذا اقتضي الأمر للتعبير عن الغضب المصري من تمويلهم للسد في إثيوبيا.
بدوره، أوضح الدكتور محمد شوقي عبد العال، أستاذ القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وجود عدد من المبادئ في القانون الدولي يمكن أن تستند لها مصر في حجتها القانونية، أهمها مبدأ عدم الضرر ووجوب حماية البيئة النهرية وعدم تأثير أي منشئ مائي على مظاهر الحياة البشرية في الدولة أو الدول المجاورة التي تشاركها في النهر. وأضاف أن هناك عدداً من الضوابط الإجرائية تلعب دوراً هاماً لحماية الموقف المصري، وهي اقرار القانون الدولي في حالة الأنهار الدولية المشتركة لمبدأ الإخطار المسبق، حيث أنه عندما تزمع أي دولة في الحوض النهري المشترك اقامة مشروع مائي كالسدود فعليها الالتزام بالاخطار المسبق وامداد الدولة الأخرى بمعلومات عن الأعمال التي تزمع اتخاذها وكافة البيانات الفنية وتقييم الأثر البيئي عليها بما يؤدي إلى تحقيق التوافق. وأكد أن هناك حلاً دولياً لتسوية الخلافات بين مصر وإثيوبيا، ففي مثل هذه الحالات هناك اقرار لمبدأ التسوية السلمية للمنازعات النهرية لتحقيق التعاون والاستخدام المنصف والمعقول لموارد المياه المشتركة.