كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية النقاب عن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أوفد أخيراً مبعوثه الخاص، يتسحاق مولوخو، للقاء رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق، محمد دحلان، في دبي، وبحث معه خلافة الرئيس محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية في حال قدّم الأخير استقالته من منصبه، ورفض التوقيع على الاتفاق الدائم مع إسرائيل وفق مخطط كيري.
وقالت الصحيفة إنّ هذه الخطوة جاءت ضمن استعدادات إسرائيل لسيناريو استقالة أبو مازن في حال فشل الجهود الأميركية الحالية، وإنها بدأت إعادة ترسيم علاقاتها مع العقيد دحلان، الذي يعيش في دبي اليوم بعدما اتُّهم في العام 2011 بالتآمر على عزل الرئيس الفلسطيني. ولم تُسقط الصحيفة من خبرها احتمالات أن يكون مولوخو ودحلان التقيا مرات عدة في السابق. وأشارت إلى أن الاتصالات مع دحلان تجري على خلفية تقديرات إسرائيل بأن أبا مازن لن يكون قادراً على التوقيع على اتفاق الحل الدائم، وأنه من المحتمل أن يفشل المخطط الأميركي الحالي.
وتابعت الصحيفة أن هناك من يعتقد، في الدولة العبرية، أن دحلان من الممكن أن يكون "شريكاً للسلام"، خلافا لأبي مازن، وأنه قد يتمكن من التوسط بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لكون دحلان من سكان قطاع غزة وله فيها تأثير، كما أن له علاقات وطيدة في أجهزة الأمن الفلسطينية. وبحسب الصحيفة، فإن الخطوات الإسرائيلية في إعادة الاتصال بدحلان، مردّها التقديرات التي تفيد بأن عباس غير قادر على تمثيل الشعب الفلسطيني لأنه امتنع عن إجراء انتخابات، إضافة إلى أن أبا مازن يفتقد لأي سلطة أو تأثير بين سكان قطاع غزة، وبالتالي لن يكون اتفاق إقامة الدولة الفلسطينية سارياً إذا لم يكن قطاع غزة مشمولاً في الحل الدائم.
ولفتت الصحيفة إلى رسالة كان قد بعث بها وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان، في أغسطس/ آب الماضي، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وإلى وزيرة الخارجية الأميركية في حينه هيلاري كلينتون، وإلى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، وإلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، دعا فيها المجتمع الدولي إلى تحديد تاريخ لإجراء انتخابات عامة في السلطة الفلسطينية بهدف استبدال عباس.
وجاء في رسالة ليبرمان المذكورة: "توجد في السلطة الفلسطينية حكومة مستبدة ينخرها الفساد، وفي ظل ضعف مكانة عباس وسياسته بعدم تجديد المفاوضات، الأمر الذي يشكل عقبة أمام السلام، فإنّ الوقت حان لدراسة حل إبداعي، والتفكير بتعزيز القيادة الفلسطينية". ووفق ليبرمان، فإنه "يجب أن تجرى انتخابات عامة في السلطة الفلسطينية لاختيار قيادة فلسطينية جديدة وشرعية، ونأمل أن تكون واقعية".
ويومها، أصدر ليبرمان بياناً صحافياً أوضح فيه أن "كل من يأتي بعد عباس سيكون أفضل لإسرائيل، وهناك عدد ليس بقليل من الفلسطينيين الذين درسوا في الدول الغربية، وهم مثقفون ويحملون قيماً غربية، يمكن التحدث معهم". وقال في أكثر من مناسبة إن "عباس ليس شريكاً للسلام".
في المقابل، أشارت الصحيفة إلى ما اقتبسه يوسي بيلين في كتابه عن دحلان قوله إن "هناك شخصيات لا يفهمها معسكر السلام الإسرائيلي ويخسرها: أرييه درعي (القيادي في حزب شاس الديني) وأفيغدور ليبرمان، فهما قادران على أن يكون المفتاح للسلام، وبدلاً من تقريبهما، فأنتم تبعدونهما".
كما لفتت "معاريف" إلى أن دحلان كان قد بعث برسالة في العام 2010 إلى الإدارة الأميركية، ادعى فيها أن "أبا مازن ليس شريكاً للسلام، وأنه هو (أي دحلان) قادر عن أن يكون شريكاً كهذا، ولا مناص من استبدال عباس بشخصية قادرة على تحقيق إنجازات".
وتابعت الصحيفة أنه بعد إجراء تحقيق، تقرر لاحقاً فصل دحلان من عضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح"، فغادر إلى الأردن ثم إلى دبي، حيث لا يزال يحاول التأثير على ما يجري في داخل السلطة الفلسطينية. وبحسب "معاريف"، فإن التقارير تشير إلى أن دحلان لا يزال يموّل نشاطات مختلفة في مناطق السلطة الفلسطينية، ومن ضمنها "نشاط ميليشيات في مخيمات اللاجئين".
وتعيد هذه الخطوة الإسرائيلية إلى الأذهان المحاولات الإسرائيلية المحمومة في عهد أرييل شارون، وخلال عدوان "السور الواقي" عام 2002، في البحث عن سبل لعزل وإضعاف سلطة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بعد محاصرته في المقاطعة، واستحداث منصب رئيس الحكومة في السلطة الفلسطينية لإضعاف سلطة أبو عمار. كما سعت إسرائيل في تلك الفترة باستمرار إلى إبراز أهمية بعض القيادات الأمنية الفلسطينية، وفي مقدمتها دحلان وجبريل الرجوب، وبعض الشخصيات السياسية، وفي مقدمتها أحمد قريع في البداية، ومحمود عباس لاحقاً.
ويُستبعد أن يكون النشر الإسرائيلي الحالي، مرتبط أيضاً بمحاولات حكومة نتنياهو تعزيز صورة عباس كرافض للسلام، وتحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية فشل المفاوضات ومخطط كيري لإنقاذ إسرائيل من المقاطعة، أولاً، والتمهيد لزعزعة أركان السلطة الفلسطينية وإدخالها في دوّامة من الحروب الداخلية وتعميق الانقسام والتشرذم داخل صفوف "فتح"، لا سيما وأن نائب الرئيس الالسابق لجهاز "الشاباك"، عضو الكنيست يسرائيل حسون، كان أعلن قبل أسبوعين أنه يرى الرجوب خليفة ممتازاً لعباس، بينما يبدو أن طرح بورصة خلافة عباس قد يهدف أيضاً إلى ممارسة ضغوط على رئيس السلطة لتقديم تنازلات في المفاوضات مع إسرائيل، من جهة، وإبعاد أي احتمال أو سيناريو بشأن إطلاق سراح الأسير والقائد الفلسطيني مروان البرغوثي.