قانون انتخابات الأسد بعد "تصفير العدّاد"

12 مارس 2014
تجمع لموالين للنظام السوري في قدسيا (أ ف ب)
+ الخط -

ليست هذه المرة الأولى التي تشهد سوريا تسخيراً للآلة الإعلامية والجهاز التشريعي، للقيام بالتعديلات اللازمة لبقاء نظام "البعث"، ولإعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لفترة رئاسية ثالثة، بعد نهاية فترته الثانية في يوليو/تموز المقبل.

بعد انطلاق الثورة السورية، كانت المطالب السياسية تنحصر بإصلاح النظام لا تغييره، وكانت تتمحور حول إلغاء المادة الثامنة من الدستور، المسمى بـ"الدستور الدائم"، والتي تنص على أن حزب البعث هو "الحزب القائد للدولة والمجتمع" وكذلك كان المطلوب إلغاء حالة الطوارئ والاحكام العرفية. ومع ذلك ناور النظام بعدم الاستجابة أولاً، ومن ثم بتمييع هذه المطالب عبر إصدار قوانين وتشريعات ملغومة من داخلها، ومع ذلك فهي غير قابلة للتنفيذ أيضاً.

أحدث الجهود "التشريعية" للنظام، ظهرت أمس الثلاثاء، من خلال قانون الانتخابات الذي تم تعديله مع أنه صدر ضمن ما يسمى "قوانين وتشريعات الإصلاح"، بعد انطلاق الاحداث السورية.

التعديلات على قانون الانتخابات التي سيقرها مجلس الشعب اليوم أوغداً، لا تتيح للأسد الترشح لولاية ثالثة فحسب، بل أن يكون المرشح الوحيد في انتخابات سينظمها النظام ويمررها، كما مرّر من قبل في انتخابات مجلس الشعب عام 2012.

وإن حصل وتم قبول مرشحين آخرين، فيتوقّع أن يكونوا مجرّد مرشحين شكليين ضعيفين جداً. فبموجب هذه القوانين، لن يكون حتى بوسع النائب والوزير قدري جميل، الترشح لرئاسة الجمهورية، إذ يفرض التعديل على المرشح أن يكون مقيماً في سوريا مدة لا تقل عن 10 سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح.

ولا تتيح آلية الترشح المجال إلا للبعثيين للوصول الى سدة الرئاسة، وهذا يعني عودة المادة الثامنة مجدداً، وبشكل التفافي. 

كما تفرض الآلية على المرشح جمع تواقيع 35 عضواً من أعضاء مجلس الشعب، ولا يحق لأي عضو مجلس شعب الا تقديم مرشح واحد، وإذا نظرنا الى تركيبة المجلس، نجد أنه مؤلف من 250 عضواً، وهم بغالبيتهم من حزب البعث الحاكم، 163 عضواً ومن الأحزاب المتحالفة معه في إطار "الجبهة الوطنية التقدمية"، في مقابل 29 عضواً من الأحزاب الوليدة حديثاً، فيما يبقى للمستقلين 58 نائباً.

وبحسبة بسيطة مفترضة أن المستقلين مستقلون فعلاً، فهم لن يستطيعوا الا تقديم مرشح واحد، فيما يستطيع البعثيون ترشيح أربعة مرشحين، وبالتحالف مع أصدقائهم في أحزاب "الجبهة"، يصبح بإمكانهم ترشيح خمسة.

طبعاً هذا حساب "على الورقة والقلم"، لكن الصورة تصبح أوضح عند التمعن بمعظم أسماء الأعضاء المستقلين وتاريخهم ومواقفهم السابقة والحالية الموالية بالكامل للنظام، فحينها يصبح مؤكداً أن المرشحين السبعة سيكونون نسخة واحدة، على افتراض أن كل مجموعة من 35 نائباً، ستقدم مرشحاً واحداً. ومن جملة الشروط الجديدة ــ القديمة للمرشح إلى الرئاسة، ألا يكون متزوجاً من غير سورية، وغير محكوم بجناية أو جنحة شائنة أو مخلة بالثقة العامة.

وسيجد الباحث أن تركيبة المستقلين لدورة عام 2012، هي بمعظمها من الذين أسسوا وقادوا مجموعات مسلحة تُعرف بـ"الشبيحة"، او "اللجان الشعبية"، كحال حسن بري من حلب، والذي عرفت عائلته بدورها "التشبيحي" في المدينة، وكذلك وائل الملحم، الذي قاد مجموعات مسلحة في حمص، أو ممن كان لهم مواقف مؤيدة تزايد حتى على البعثيين، منهم محمد حمشو وأحمد شلاش ومحمد خير النادر وأحمد جريخ.

والمثير للانتباه، أن هذا التعديل على الدستور الجديد، والمقر عام 2012، رغم أنه سُمي في ما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، بـ"دستور تصفير العداد"، حيث لا يسمح هذا الدستور الا بولايتين دستوريتين للرئيس، ولكن التفسير الموالي كان جاهزاً، وهو أن الولايتين السابقتين لا تدخلان في الحساب، بالتالي يبدأ العداد من إقرار الدستور الجديد، وبذلك لن يُتاح للأسد الترشح لولاية جديدة في عام 2014 فقط، بل لولاية رابعة أيضاً عام 2021، وبعدها أيضاً يمكن تعديل هذا الدستور.

التلاعب بالقوانين والدستور، بدأه الرئيس السابق حافظ الأسد، واستكمله ابنه منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى الحكم، حين تم تعديل الدستور بمادته 83، لتغيير سن المرشح لرئاسة الجمهورية، من 40 عاماً، الى 34 عاماً، وهي سن الوريث بشار الأسد في حينها.

في تلك الجلسة، اعترض نائب واحد على التعديل، هو منذر موصلي، المدير الأسبق لمكتب الرئيس الراحل أمين الحافظ، وذلك ليس اعتراضا على التوريث، وانما لعدم ذكر سبب التعديل كما يقتضي الدستور. وكانت النتيجة أن أُخرس النائب من قبل زملائه ومن رئيس المجلس آنذاك، عبد القادر قدورة، الذي وصف اعتراض الموصلي بـ"وسواس الشيطان الخناس". وطبعاً، لم يُنتخَب هذا النائب لدورة المجلس التي تلت.

دلالات
المساهمون