لم تكن استقالة المبعوث العربي والدولي إلى سورية، الأخضر الإبراهيمي، مفاجئة، وسبق أن صدرت عن الرجل، وعن مصادر أخرى، مؤشرات عدة في هذا الاتجاه بعد اصطدام مهمته، التي وصفها هو نفسه منذ البداية بـ"شبه المستحيلة"، بعقبات جمة تتمثل في تباعد الهوة بين الطرفين المتحاربين في سورية، وفي غياب توافق دولي على سبل إنهاء الأزمة.
ولعل القشة، التي قصمت ظهر البعير، وجعلت الإبراهيمي يستعجل في التخلي عن دور الوسيط، هي إعلان السلطات في دمشق عن تنظيم انتخابات رئاسية في يونيو/حزيران المقبل، يترشح فيها الرئيس بشار الاسد، وهي خطوة اعتبر الابراهيمي أنها تعرقل احتمالات التوصل إلى حل سياسي، وضربة لمبادئ مؤتمر جنيف، التي تنص على تشكيل هيئة انتقالية حاكمة في سوريا من النظام والمعارضة، لا يكون فيها دور للأسد. وتأتي الاستقالة تتويجاً لأداء محبط خلال جولتَي التفاوض في جنيف، وخصوصاً من جانب وفد النظام السوري، الذي حرص على تجنب الخوض في القضايا الجدية التي تجعل المفاوضات مثمرة.
الإبراهيمي، البالغ ثمانين عاماً، استهلك ستين عاماً منها في العمل السياسي، وكان قد بدأ مهمته السورية في أغسطس/آب 2012، خلفاً للامين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، والذي استقال بدوره للأسباب نفسها. حاول الإبراهيمي إيجاد مرتكزات لإنجاح مهمته، مستنداً إلى خبرة واسعة اكتسبها كوسيط في النزاعات الدولية. وأول هذه المرتكزات كانت محاولة إقناع كل الأطراف بوقف الخيار العسكري والتسليم بالحل السياسي، وضرورة تقديم كلا الجانبين تنازلات تمكن في النهاية من وضع البلاد على سكة الحل. لكن مهمة الإبراهيمي، وكما الجهود الأخرى العديدة، اصطدمت بغياب التوافق الدولي حول الازمة السورية، ومحاولة الأطراف المتقاتلة استغلال الجهود الدبلوماسية لكسب الوقت، ريثما تتمكن من حسم الوضع ميدانياً بالاعتماد على الحل العسكري.
لم تقدم الأطراف الدولية المؤثرة في الأزمة السورية مساعدة جدية لمهمة الأخضر الإبراهيمي، وتركتها عرضة لتقلب موازين القوى على الأرض، وهي موازين تحرص هذه القوى حتى الآن، كما يبدو، على ألا تميل بشكل واضح لصالح أي من الطرفين المتقاتلين، مما خلق انطباعاً لدى غالبية السوريين، ولعله وصل أخيراً إلى الإبراهيمي نفسه، أن لا إرادة دولية بإنهاء المحنة السورية، وأن الإبقاء على الوضع الراهن لا يزال خياراً مفضلاً لدى القوى الكبرى.
بعد انتهاء وظيفته كوزير لخارجية الجزائر عام 1993، بدأ الإبراهيمي عمله رسمياً مع الأمم المتحدة كممثل خاص إلى جنوب إفريقيا، وكمسؤول عن بعثة المراقبين، التي أشرفت على أول انتخابات ديمقراطية بعد القضاء على نظام التمييز العنصري، وأفضت إلى تولي نلسون مانديلا الحكم.
وبعد جنوب أفريقيا، اختير الإبراهيمي مبعوثاً خاصاً إلى هايتي (1994-1996)، ثم تولى مهمات خاصة في جمهورية الكونغو الديموقراطية واليمن وليبيريا ونيجيريا والسودان، كما انخرط في الأزمة الأفغانية على مرحلتين: الأولى بين يوليو/تموز 1997 وأكتوبر/تشرين الأول 1999، حين كان مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة. والثانية تلت اجتياح البلاد بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وسقوط نظام حركة طالبان، حين ترأس الإبراهيمي مؤتمر بون للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول عام 2001، والذي أنتج اتفاق السلام، الذي يشار إليه باسم "عملية بون"، وذهب للإشراف على تنفيذه بصفته رئيساً لبعثة الأمم المتحدة في كابول خلال العامين التاليين للاتفاق.
وتولى الإبراهيمي منصب المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2004 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2005، ونصح الأمين العام السابق أنان بشأن مجموعة واسعة من القضايا، ونجح في منع بعض الصراعات أو حلها.
وقد اختير مبعوثاً خاصاً لكوفي أنان إلى العراق في الفترة الانتقالية التي تلت اجتياح عام 2003، فانتقد طريقة تعامل الاحتلال الاميركي مع أوضاع العراق بعد إزاحة حكم الرئيس صدام حسين.
والإبراهيمي عضو في "لجنة الحكماء"، وهي مجموعة مستقلة تضم عدداً من زعماء العالم، تأسست عام 2007 وتعمل من اجل السلام وحقوق الإنسان.
وتعود علاقة الإبراهيمي مع الأمم المتحدة إلى فترة ما بين عامَي 1956 و1961، عندما كان ممثلاً لـ"جبهة التحرير الوطني الجزائرية" في جاكرتا.
وشغل الإبراهيمي منصب وزير الخارجية في بلاده بين عامَي 1991 و1993.
وبين عامَي 1984 و1991، كان الأمين العام المساعد للجامعة العربية، وهو الدور الذي حمله بين 1989 و1991 إلى لبنان كمبعوث خاص للجنة الثلاثية، التي سعت إلى وضع حد للحرب الأهلية.
كما تقلد الابراهيمي العديد من المناصب في بلاده الجزائر، كسفير لها في بعض العواصم في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
يتقن الإبراهيمي اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، ويعيش في باريس عندما لا يكون في جولة لحساب الأمم المتحدة. وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد، بينهم ريم زوجة الأمير علي بن الحسين، الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.