لم تنته قضية مجازر الجيش والشرطة في مصر خلال فض اعتصامات مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، عند حد القتل أوالاعتقال، بل يُضاف إليها مجزرة من نوع آخر، تتمثل في "المفقودين"، الذين لا يعرف ذووهم مصيرهم، وما إذا كانوا قتلوا وضاعت جثثهم، أم اعتقلوا في أماكن غير معلومة كالسجون الحربية.
وعلى الرغم من مرور عام كامل على فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"نهضة مصر"، على يد قوات الأمن في 14 أغسطس/آب الماضي، غير أنّ عشرات الأسر لا تزال تبحث عن أبنائها، ولا تعرف مصيرهم، وكأن لسان حالها يقول "ليتهم قتلوا، واستطعنا دفن جثثهم".
وبخلاف الضّرر النفسي الذي يعيشه أهالي المفقودين، هناك أيضاً ضرر حياتي يتسبب به المصير المجهول للمفقودين، إذ تنص المادة 21 من قانون الأحوال الشخصية بأنه "يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنوات من تاريخ فقده. وفي جميع الأحوال يُفوض تحديد المدة التي يُحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضي، على ألا تقل عن أربع سنوات، وذلك بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حياً أو ميتا".
كما تشير المادة 22 إلى أنه "بعد الحكم بموت المفقود أو نشر قرار رئيس مجلس الوزراء أو قرار وزير الدفاع باعتباره ميتاً على الوجه المبين في المادة السابقة، تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو نشر القرار في الجريدة الرسمية كما تترتب كافة الآثار الأخرى".
(16عاماً) في الأحداث، وذهب لإحضار الجثة فوجدها، واتصل بزوجته، ومن وقتها فقد هو وجثة ابنه. ولا تزال الزوجة وأبناؤها يبحثون عن معيلهم المفقود وجثة ابنهم.
ومن بين هذه القصص أيضاً، اختفاء محمد الشحات عبد الشافي، الذي كان يقوم بنقل المصابين على دراجة بخارية بيضاء إلى المستشفى الميداني حتى الساعة الحادية عشرة صباحاً، ومن حينها لم يشاهده أحد.
وروى شقيقه تامر معاناة البحث عنه قائلاً "قمت بالبحث عنه في كل مكان، ولم أعثر عليه، قمت بعمل تحليل فحص الحمض النووي للجثث المجهولة، ولم أجده حتى الآن".
أما عمر محمد علي (21 عاماً)، فقد غير العسكر مسيرة حياته، وبعدما كانت أسرته تنتظر تخرجه من كلية الهندسة، باتت تنتظر خبراً عنه، ليصبح اسمه ضمن لائحة تطول من المفقودين.
المفقودون على الرغم من اقتران قضيتهم بمجزرة رابعة، إلاّ أن بعضاً منهم فُقد قبل ذلك. من بينهم عمرو إبراهيم عبد المنعم متولي (24 عاماً)، طالب في كلية الهندسة في أكاديمية طيبة، من محافظة كفر الشيخ، الذي روت عائلته أنه "متغيب منذ أحداث الحرس الجمهوري".
وتضيف "وصلتنا أخبار مؤكدة تفيد أنه محبوس بشكل غير قانوني في سجن وادي النطرون، وبعد فترة تم نقله مع آخرين لسجن آخر".
وأضافت "تقدمنا بشكاوى عديدة منها الشكوى لكل من المدعي العام العسكري ووزير الداخلية، وشكوى كتابية للنائب العام، ولم يتم سؤالنا في أي من هذه الشكاوى حتى الآن، كما أقمنا دعوى أمام مجلس الدولة بهدف الإفصاح عن مكانه".
أما العامل أشرف حسن، الشهير بأسامة (38 عاماً) من محافظة المنوفية، فلديه قصته أيضاً، إذ أصيب باختناق من الغاز يوم حادث المنصة، ودخل المستشفى الميداني وبعدما خرج منها اختفى تماماً. ولا توجد أي معلومات عنه حتى الآن، في حين أفاد أخوه إنه لا يعرف القراءة والكتابة ولا ينتمي لأي تيار سياسي.
ومن المفقودين منذ حادثة المنصة أيضاً، المحاسب خالد محمد عز الدين (42 عاماً). وأفاد صديق كان يرافقه وقت إصابته، أن "اثنين قاما بحمله للمستشفى الميداني ولم يلحق بهما".
ويضيف "توصلت للطبيبة التي كانت تعالجه فأخبرتني أنه خرج من المستشفى وهو على قيد الحياة وبه النبض، ولكنه فاقد الوعي تماماً، وسمعنا أنه دخل مستشفى عسكرياً ثم بعدها مستشفى طره، وأجريت له عملية وتعافى، وتم ترحيله إلى مكان آخر لا نعلمه".
ويشير إلى أنه "تم إخفاء مفقودين ومعتقلين منذ مذبحة المنصة وفض رابعة. وهناك حالة من التكتم على أسمائهم بصورة غريبة. أشبه بشغل عصابات تخطف مصريين كأسرى". وتابع "لا نيابات ولا جلسات ولا عرض على محكمة".
من جهته، أوضح المحامي مصطفى عزب، أنه "تم تقديم العديد من البلاغات للنائب العام، ولم يحرك ساكناً، لكننا مستمرون في رحلة البحث والتواصل مع المنظمات الدولية والمحلية. ويضيف "كانت آخر خطوة لنا تقديم بلاغات لنيابة شرق القاهرة وشكوى تفصيلية للأمم المتحدة، ونحن ندرس كل المتاح من دون سقف، وقد نضطر لعمل ضغط دولي أو رفع دعاوى دولية".
وفي محاولة لفك شيفرة المفقودين، قام عدد من أهالي الضحايا بالتعاون مع بعض الناشطين والمحامين، وأسسوا رابطة تضم أهالي وأصدقاء كل من فُقد منذ بداية الانقلاب لجمع ومتابعة كل المعلومات المتاحه عنهم.