شجب المشاركون استمرار النشاط الإرهابي في المنطقة، التي تتمركز فيها قيادة تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" والتنظيم الجديد "جند الخلافة". ولم تندّد الشعارات، التي رفعت خلال هذا التجمع بالجريمة فقط، بل بمشكلة استمرار النشاط الإرهابي والجريمة في منطقة القبائل، التي تسكنها غالبية من الأمازيغ. ويُعدّ المحور الممتد بين ولايات بجاية، تيزي وزو، البويرة وبومرداس الأكثر خطراً، إذ يشهد أكبر نشاط للجماعات المسلّحة، منذ التسعينيات، على الرغم من عدم وجود بيئة شعبيّة حاضنة لجماعات مماثلة.
ويرى محللون أنّ المجموعات المسلحة استفادت خلال الفترة السابقة من التشنّج الحاصل في المنطقة بين السكان الأمازيغ والسلطة، على خلفيّة مطالب تتعلّق بالهويّة واللغة الأمازيغية، التي ترفض السلطة الاعتراف بها لغةً رسميّة. وأدّى هذا التشنج إلى أحداث عنيفة ومصادمات في سنوات 1980، 1994، 1988 و2001.
ولم تتأخر الحكومة الجزائرية في التعليق على إعدام غورديل، إذ اعتبرته "عملاً جباناً وجريمة بشعة تثير كثيراً من الحزن والأسى"، وعبّرت عن "تضامنها مع أفراد عائلة الضحية واقربائه والحكومة الفرنسية".
وذكرت الحكومة أنها بذلت كل ما في وسعها لإنقاذ حياة الرهينة الفرنسي. وقال بيان رسمي إنه "منذ ورود خبر اختطاف الرعية الفرنسية، جنّدت السلطات كل الطاقات والوسائل البشرية والمادية، سواء للجيش أو لمختلف مصالح الأمن لمطاردة الجماعة الإرهابية وتحرير الرهينة من دون ادخار أي جهد في ذلك". وأضاف البيان أن "الجزائر تؤكد مرة أخرى عزمها على مواصلة مكافحتها للإرهاب بكل أشكاله مع ضمان أمن وسلامة كل الرعايا الأجانب المتواجدين على ترابها".
وقال وزير الداخلية الجزائري، الطيب بلعيز، على هامش جلسة للبرلمان، أول من أمس، إن "الجزائر عازمة على اقتلاع الارهاب من جذوره". وأوضح أن هذه "الجريمة البشعة ستزيد الجزائر عزيمة وإرادة من أجل سحق هذه الجماعة الإرهابية المتوحشة المجرمة وسفاكة الدماء". وأشار إلى أن "الشعب الجزائري هو أكثر شعب يعرف ويقدر شناعة وبشاعة وهمجية الإرهاب الذي انكوت به بلادنا آنذاك. لقد كنا نقول منذ مدة إن الإرهاب لا دين له ولا ملة ولون له، وبأنه لن يبقى في الجزائر بل سيتعدى الحدود ليعم كل العالم، وهي المقولة التي باتت واقعاً".
وعلى صعيد التحقيقات الجارية بشأن معرفة ظروف وملابسات خطف غورديل، يوم الأحد الماضي، عندما كان برفقة أصدقائه الجزائريين، قالت مصادر أمنية إن جهاز الدرك في ولاية البويرة، "حقق مع أصدقائه الجزائريين، قبل أن يقرر تحويلهم للتحقيق في مدينة البليدة، حيث يتواجد مكتب التحقيقات المركزي للدرك".
وفي سياق ردة الفعل الميداني على التهديدات التي تضمنها الشريط المصور لتنظيم "جند الخلافة" المتعلق بإعدام الرهينة الفرنسي والذي أعلن فيه التنظيم عزمه استهداف الفرنسيين والمصالح الغربية في الجزائر، رفعت السلطات الجزائرية من مستويات الانتشار الأمني والمداهمات الأمنية في الأماكن العامة والاحياء الشعبية والأسواق.
وأصدرت المديرية العامة للأمن الوطني، أول من أمس، بياناً أكدت فيه أنها اتخذت سلسلة تدابير وقائية "في كل ولايات الوطن وعززت الدوريات الأمنية المتنقلة والراجلة في القرب من المؤسسات التربوية والأماكن والساحات العمومية والمراكز التجارية، فضلاً عن تعزيز مفترقات الطرق بفرق الدراجين، وذلك لتحقيق السرعة والفاعلية في التدخل".
وتدفع تجربة الجزائر في مكافحة الارهاب باتجاه خيارين. الأول طرح فرصة أمام المسلحين لتسليم أنفسهم مقابل الاستفادة من تدابير العفو والاجراءات المخففة التي أقرها قانون المصالحة الوطنية الذي صدر في 28 سبتمبر/أيلول 2005. أما الخيار الثاني فهو عسكري، إذ التزمت به الجزائر منذ بداية العمل والنشاط الارهابي في البلاد بداية تسعينيات القرن الماضي.
وفي السياق، أكدت وزارة الدفاع الوطني أن "عمليات مكافحة الإرهاب وتعقب الإرهابيين تبقى متواصلة بكل عزم وإصرار". وجاء في بيان للوزارة أن "عمليات مكافحة الإرهاب وتعقب هؤلاء المجرمين أين وجدوا تبقى متواصلة بكل عزم وإصرار حتى القضاء النهائي عليهم وتطهير كامل التراب الوطني من دنسهم". وأعلنت أنها أطلقت "عمليات تمشيط وبحث واسعة في المنطقة بالتنسيق والتعاون مع مختلف مصالح الأمن بهدف القضاء على المجرمين".
ودفعت قيادة الجيش بـ12 ألف عنصر من القوات الخاصة الى منطقة تيزي وزو والبويرة التي تتمركز بها المجموعات المسلحة وقيادة تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"كتيبة الفرقان" التي انشقت عن "القاعدة" وأعلنت تأسيس تنظيم "جند الخلافة". وزار قائد جهاز الدرك وقيادات عسكرية رفيعة المنطقة لمتابعة عملية التمشيط العسكري، وإعطاء التعليمات اللازمة. وتبدو السلطات العسكرية في الجزائر عازمة على تعويض الفشل الاستخباراتي والعسكري في انقاذ الرهينة الفرنسي بالقضاء على أكبر عدد ممكن من المسلحين الذين يتمركزون في المنطقة الجبلية.
وعلى صعيد آخر، شددت السلطات الجزائرية مراقبة الأحياء الشعبية الفقيرة في العاصمة الجزائرية ومناطق أخرى، لمراقبة أي نشاط لشبكات يُعتقد أنها تنشط لتجنيد جهاديين جدد لصالح التنظيم الجديد "جند الخلافة".
ويرجّح الخبير في الشؤون الأمنية علي الزاوي، ألا يتمكن التنظيم الجديد من تجنيد جهاديين جدد بالنظر الى التجربة المريرة للجزائريين في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية، وإلى الحسم العسكري الذي انتهجته الجزائر للقضاء على الكيانات الإرهابية النشطة. واللافت في هذا السياق أن هناك تراجعاً كبيراً في نشوء المجموعات الإرهابية في مناطق الشمال، عدا بعض العمليات المعزولة والقليلة، إضافة إلى نشاط محدود لهذه المجموعات في منطقة الساحل على حدود مالي والنيجر مع الجزائر.
ولا تتوقف تداعيات حادث خطف وإعدام الرهينة الفرنسي على الشقين الأمني والعسكري فقط، بل تمتد لتشمل الشق السياسي أيضاً، إذ أضاعت الجزائر فرصة كبيرة فيما لو نجح الجيش في تحرير غورديل لتأكيد جدارة الجيش الجزائري في تكريس خبرته الميدانية الطويلة في مكافحة الارهاب، وتكرار إنجازه الامني الذي حققه قبل سنتين، خلال حسم المعركة مع المسلحين في حادثة احتجاز 700 رهينة أجنبية في منشأة الغاز في تيقنتورين.
كما أن الجزائر باتت عقب ذلك عرضة لمزيد من الضغوط الفرنسية والغربية بشأن انخراطها في الحملة الدولية ضد "داعش"، وهو ما ظلت ترفضه. لكن دموية الحادث الأخير يدفع بالجزائر إلى القبول بمزيد من التعاون الأمني والاستخباراتي لمجابهة "داعش"، وتبادل المعلومات عن الأفراد والشبكات الاقليمية التي تنشط لتجنيد جهاديين، وإرسالهم الى سورية والعراق.