تنظر الفصائل الفلسطينية والخبراء القانونيون، بايجابية بالغة لخطوة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، بإجراء دراسة أولية للحالة في فلسطين. واعتبروا أن "الخطوة تأتي في السياق الصحيح وتبشّر بوضع قادة الاحتلال في خانة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الانسانية".
لكن الأجواء الإيجابية لا تخلو من حذر وتساؤل مشروع، حول مدى جاهزية السلطة الفلسطينية، عبر السعي إلى تشكيل لجنة وطنية من الخبراء القانونيين، يقومون بجمع البيانات وتوثيقها لرفد المحققين في المحكمة الجنائية بها. ويعود السبب إلى الخشية من قيام المحكمة بتجميد التحقيق، بناءً على طلبٍ من قضاتها، أو من مجلس الأمن، الذي يملك مثل هذه الصلاحية. حسب الاتفاقية الدولية بينه ويين المحكمة الجنائية.
من جهتها، رحّبت حركة "حماس" بقرار المحكمة، وأعربت عن رغبتها بتقديم المساعدة لمحكمة الجنايات الدولية، ومدّها بآلاف الوثائق والتقارير والشهادات الموثّقة حول جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة، وفقاً لما أفاد به المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، أمس السبت.
وقال برهوم: "ستُشكل هذه الخطوة بارقة أمل لشعبنا في محاكمة قيادات العدو ومعاقبتهم على جرائمهم، ويجب الاسراع في اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه. ونحن على استعداد لتقديم آلاف الوثائق والتقارير التي تؤكد ارتكاب العدو الصهيوني جرائم مروعة بحق غزة وأبناء شعبنا".
وفي السياق، دعت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، في بيان، القيادة الفلسطينية إلى "الاستعداد الأمثل في إعداد ملفات جرائم العدو وقادته، من خلال لجنة وطنية مهنية، تعمل استناداً للائحة توفر لها الاستقلالية المهنية في عملها وقراراتها، وتكون مرجعيتها اللجنة التنفيذية للمنظمة".
ورأى خبير القانون الدولي، حنا عيسى، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "هناك ثلاثة سيناريوهات لإجراء المدعي العام دراسة أولية للحالة في فلسطين. ويتضمن السيناريو الأول جمع المعلومات، وفحص إن كان ما حصل يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، وفي حال توصّل إلى هذه النتيجة، فسيطلب المدعي العام من قضاة المحكمة الجنائية السماح له بالتحقيق. أما السيناريو الثاني، فيقضي بالاستمرار في جمع المعلومات، ويتلخّص السيناريو الثالث بإغلاق الملف في حال عدم وجود أدلّة".
وتابع أنه "في هذه المرحلة، تقوم المحكمة الجنائية بجمع الأدلّة للجرائم التي تنظر فيها، مثل جرائم الحرب، والابادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية". وأكد أن "التقارير الموثقة متوفرة، سواء بالنسبة للاستيطان، الذي يعتبر جريمة مستمرة، أو العدوان على قطاع غزة وارتكاب جرائم حرب فيها".
وحول المطلوب فلسطينياً، أكد عيسى أنه "يجب توفير فريق من الخبراء القانونيين، لجمع الأدلّة وتقديمها للمحكمة الجنائية، على أن يأتي تشكيل الفريق من الرئيس محمود عباس، بصفته صاحب الولاية التنفيذية والتشريعية في دولة فلسطين، وهي الصفة التي وقّع، بناءً عليها، نصّ الانضمام لميثاق روما والمحكمة الجنائية الدولية".
وحول تشكيل مثل هذه اللجنة، اعتبر حسن العوري، المستشار القانوني للرئيس عباس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يتم تشكيل مثل هذه اللجنة بعد، لكن الملف بأكمله من اختصاص وزارة الخارجية الفلسطينية".
وشدد مدير العلاقات العامة في وزارة الخارجية الفلسطينية، وائل البطريخي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على "الجاهزية القانونية الكاملة للوزارة للتعاطي مع هذا الملف". وقال: "تقوم الوزارة بجهود وخطوات قانونية في هذا الملف منذ أشهر، فعلى سبيل المثال تم عقد لقاء ضمّ نحو 40 خبيراً قانونياً في جنيف، لبحث انضمام فلسطين إلى المحكمة، والجرائم التي تختص بها المحكمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة". وكشف أن "هناك لجنة تشاورية بين وزارة الخارجية والمحكمة الجنائية في هذ الخصوص، لا لجنة دائمة".
ويُبدي الخبير في القانون الدولي الانساني، رزق شقير، تفاؤلاً كبيراً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ويرى بأن "المحكمة الجنائية تظهر تعاملاً جدياً مع الجرائم التي وقعت على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى قبل انضمام فلسطين إلى عضوية المحكمة الجنائية"، والتي حسب تصريحات الأمين العام للامم المتحدة، بان كي مون، ستكون نافذة في الأول من أبريل/ نيسان المقبل. وعزا شقير السبب إلى أن "إرادة المدعي العام للمحكمة الجنائية ليست مثل المدعي الأسبق، الذي كان يتمتع بعلاقات استراتيجية مع إسرائيل".
وعلى الرغم من تفاؤله، يُعرب شقير عن بعض المخاوف التي تكتنف هذه الخطوة، وأبرزها "قيام المحكمة بتجميد التحقيق لفترة زمنية معنية، أو إصدار مجلس الأمن قراراً بوقف التحقيق لمدة زمنية معينة قابلة للتمديد".
وأوضح "يستطيع مجلس الأمن أن يصدر قراراً بتجميد التحقيقات لفترة زمنية، في حال طالبت إحدى الدول دائمة العضوية ذلك، مثل الولايات المتحدة، لكن الأمور معكوسة تماماً هذه المرة، فلو طلب ذلك فإن عليه الحصول على موافقة تسعة أعضاء من مجلس الأمن على قرار وقف التحقيق، شرط ألّا تستخدم أي دولة حق النقض (الفيتو). فلن تستطيع الولايات المتحدة وقف التحقيقات، ولو ضمنت الأصوات التسعة، فأي فيتو في المقابل، سيكون لمصلحة استمرار التحقيقات، ولمصلحة فلسطين، لا العكس".