وعاد مشهد إرسال السيارات الضخمة المحملة بالمياه إلى الواجهة، مهدداً بعودة غضب اﻷهالي، الذين خرج المئات منهم الشهر الماضي قاطعين الطريق الدائري الذي يربط أحياء العاصمة، تعبيراً عن غضبهم لإهمال شكاواهم بشأن المياه.
وﻻ يقتصر غضب المواطنين هذه المرة على ضعف حركة إنجاز المشروع المهم بمد خط مياه من محطة أكتوبر إلى أحياء الجيزة. بل هم غاضبون أكثر بسبب ما يعكسه بيان الشركة حول انخفاض منسوب المياه بصورة عامة، بالتزامن مع تعثر مفاوضات مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، والذي يخشى المصريون أن يؤثر بحدة على احتياجاتهم المائية واستهلاكهم.
اقرأ أيضاً: الحكومة المصرية تسعى لاجتماع حول سد النهضة لتدارك الفشل
وإذا استمر انخفاض منسوب المياه الواصلة لمحطات المياه الرئيسية، يفترض أن تعاني بعض المحافظات المكدسة بالمساكن من أزمة حقيقية، في ظل توقف مشروعات مياه الشرب منذ العام 2008، وتعثر مشروع خط أكتوبر- الجيزة الذي كان مقرراً افتتاحه العام الماضي. وتم تأجيل افتتاح المشروع بسبب حشد معظم مقاولي الباطن العاملين مع الدولة في مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس ثم الطرق السريعة التي أسندت إدارتها للقوات المسلحة.
أما التبريرات التي قدمت لمسألة انخفاض منسوب المياه فعكست تناقضاً في تصريحات المسؤولين وتخبطهم. وبينما يذكر بيان رسمي أن منسوب المياه انخفض، قال وزير الري حسام المغازي، إن "المنسوب اعتيادي وإن سد النهضة بريء من هذه المشكلة ﻷن عملية ملء الخزان لم تبدأ حتى اﻵن". وهو ما أكدته مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أنّ جميع صور اﻷقمار الصناعية التي تحصل عليها مصر تثبت عدم بدء فترة ملء الخزان حتى اﻵن. إﻻ أن الأزمة الحالية قد تكون نموذجاً لما ستتعرض له مصر مستقبلاً.
فوفقاً للمصادر نفسها، فإن انخفاضاً في منسوب المياه بدأت ملاحظته نهاية الشهر الماضي في منطقة بحيرة ناصر جنوب السد العالي، لكن التعامل الرسمي مع المشكلة لرفع المنسوب بدأ متأخراً بخمسة أيام، نظراً لتعثر استصدار أمر من وزير الري بزيادة الكمية المتدفقة لمجرى النيل عبر السد العالي، فضلاً عن أن وصول كمية المياه المتدفقة حديثاً إلى العاصمة يتطلب أسبوعين على اﻷقل لتمتلئ محطات المياه وتكون قادرة على التوزيع العادل لجميع المناطق.
وعزت المصادر بطء عملية رفع المنسوب إلى افتقار شبكة المياه المصرية إلى أنظمة رفع وطرد قوية للمياه، فهذه اﻷنظمة تتطلب أمواﻻً طائلة لشرائها بداية ثم تزويدها بالطاقة، في ظل معاناة البلاد من أزمة طاقة شبه دائمة لضعف إمدادات الكهرباء في معظم المناطق.
وتسعى مصر خلال مفاوضاتها مع إثيوبيا لتأخير فترة ملء الخزان لحين دخول محطتين جديدتين لإنتاج الكهرباء على اﻷقل حيز اﻹنتاج لتعويض النقص الذي سيصيب إنتاج الطاقة الكهرومائية. كما تطالب بإبطاء معدلات الملء في المرحلة اﻷولى، وهو ما يمثل عامل ضغط على النظام المصري في ظل عدم استجابة إثيوبيا للمطالبات وتجاهلها بعض اﻻجتماعات التي تدعو إليها مصر، مقابل تفاقم مشاكل المرافق داخلياً.
وكان وزير الري المصري الحالي قد زار الخرطوم بشكل مفاجئ، وعقد جلسة عمل سرية مع وزير الري السوداني، بعد ساعات من إعلان الحكومة اﻹثيوبية تغيير وزير الري اﻹثيوبي على خلفية تشكيل حكومة جديدة.
وأشارت مصادر مصرية إلى أن وزير الري اﻹثيوبي الجديد لم يرد على رسالتين وصلتاه من القاهرة بشأن موعد وظروف انعقاد الاجتماع الوزاري الذي دعت إليه مصر في الأسبوع الثالث من أكتوبر تشرين الأول الحالي.
من جهته، يصف وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، زيارة مغازي إلى الخرطوم، يوم الأحد الماضي، للتنسيق بين مصر والسودان بشأن ملف سد النهضة، بأنها "عقيمة لا جدوى منها، في ظل استمرار إثيوبيا في عمليات البناء".
ولم يستبعد علام في تصريحات خاصة نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا خلال الفترة المقبلة في حالة عدم الوصول إلى حلول مرضية بين الدول الثلاث، متسائلاً "ماذا لو الشعب عطش؟ بالتالي سيكون هناك تدخل أمني، لكون تشغيل سد النهضة الإثيوبي مسألة أمن قومي لمصر وشعبها". ويعتبر علام أنه لا توجد إدارة سياسية حكيمة في مصر لإدارة ملف المياه الذي بدأ يتهاوى ويأخذ منحى خطيراً.
ووفقاً لعلام، فإنّ الاستعدادات المصرية الحالية للاجتماع المقبل للجنة الثلاثية بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا في القاهرة، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بعدما تم تأجيله من شهر سبتمبر/أيلول، من المتوقع أن يواجه مصير الاجتماعات السابقة نفسه أي "من دون أي فائدة" وسيبوء بالفشل الذريع. ويشير علام إلى أنه في حكم المؤكد أنهم لن يناقشوا أي شيء مهم، ولا سيما أن إثيوبيا تسعى إلى إفشال أي مفاوضات بشتى الطرق، بعدما أضاعت مصر حقوقها حينما اعترفت بالسد من دون التحفظ على السعة أو الارتفاع. ويشدد علام على ضرورة البحث عن حل في التصدي لأضرار السد، لافتاً إلى أن الاستمرار في عقد اللجان حول سد النهضة لن يفيد وهدفه المماطلة الإثيوبية فقط.
وبحسب الوزير السابق، فإن الأضرار ستكون كبيرة على مصر حتى في حال استخدام إثيوبيا السد لتوليد الطاقة وليس للزراعة، لكونها ستحجز 74 مليار متر مكعب، وستضطر مصر للإخراج من مخزون السد العالي حتى تنتهي البحيرة تماماً، محذراً من احتمال تعرض البلاد لمجاعات، كما كان يحدث في فترات زمنية سابقة بعد أن يصل عجز حصة مصر ما بين 9 مليارات متر مكعب و 22 مليارا سنوياً. ويلفت علام إلى أنّ "هذا الانخفاض سيؤدي إلى توقف بتوربينات السد تماماً خلال السنوات المقبلة بعد تفريغ بحيرة السد العالي، إلى جانب بوار مليون ونصف مليون فدان زراعي بسبب قلة المياه وتوقف الحياة تماماً، وستهوي إلى حالة من الشح المائي.
اقرأ أيضاً: السيسي يتمسّك بالحلول السياسية لأزمة سد النهضة