النظام الإيراني طائفي بتعريفه عن نفسه من خلال نصوص دستورية مكتوبة. تحظّر المادة 71 من الدستور الإيراني على مجلس الشورى، تمرير أي قانون يتعارض مع مذهب الاثني عشري. كما تحرم المادة 115 من الدستور حوالى 40 في المائة من الشعب، من حق الترشح للرئاسة، لأنها تضع الدين والمذهب والإيمان بولاية الفقيه ضمن شروط الترشح.
وتأتي تحالفات إيران في المنطقة على أسس طائفية في العراق وسورية ولبنان واليمن، لتعبّر عن هذا التعريف الدستوري لهوية الدولة. لذلك تستهدف إيران السعودية، باعتبار الأخيرة أكبر دولة سنيّة في المنطقة. وهناك أمر آخر يمكن الإضاءة عليه، إذ ربما تحلم القيادة الإيرانية أن باستطاعتها في يوم ما، أن تهز الوضع في الخليج وتصل إلى مكة والمدينة. إيران دولة ثيوقراطية (حكم ديني)، لذا من المستغرب الحديث عن أن إيران تريد تصدير الثورة، فإيران لا تملك ثورة لتصديرها. كانت هناك ثورة إيرانية ضخمة، لكنها اختطفت من الملالي. هل يعتبر مفهوم ولاية الفقيه أو المليشيات ثورة؟ مستحيل.
لكن الثورة في إيران كانت مطروحة باعتبارها مضادة للنفوذ الأميركي في المنطقة ابتداء من الشاه محمد رضا بهلوي، نفسه
هذا كان في العام 1979، لكنها انتهت إلى دولة ثيوقراطية، طائفية، تعتمد على مليشيات. إيران أول من استخدم المليشيات الطائفية منذ الثمانينات، وأنشأت فيلق "بدر" في العراق وحزب الله في لبنان. الثورة فكرة ومؤسسة وحقوق وحرية، وهذا لم يأت من إيران.
كيف تقرأ اتهام الكويت إيران وحزب الله بالوقوف وراء خلايا مسلحة تعمل على أراضيها، على الرغم من العلاقات الإيرانية الكويتية الإيجابية؟
هي علاقة إيجابية من جانب الكويت فقط. ربما تريد إيران أن تستخدم الكويت كتعويض عن البحرين، لأن الباب أُقفل أمامها هناك، أو ربما تستخدمها كضغط على الجانب السعودي، لتتحول الكويت إلى خاصرة رخوة للمملكة.
يتحدثون عن "أفغنة سورية"، أي أن يشعل التدخل الروسي المباشر حرباً بالوكالة بينها وبين أميركا على الأراضي السورية؟ ما احتمالات تحقيق ذلك؟
هذا محتمل. إذا كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين يريد أن يدعم النظام، كما يدعي، ومقتنعاً أن السبيل الوحيد لمحاربة الإرهاب هو دعم الرئيس السوري بشار الأسد، فهو يقود سورية إلى الأفغنة، لأنّه اصطف مع النظام ودخل في الصراع. فالنظام فقد شرعيته داخلياً، وإقليمياً، ودولياً. كما أن دخول روسيا يستفز القوى الأخرى، وهناك حساسية في الشام من القوى التي تأتي من الخارج، ويمكن رؤية ذلك تاريخياً من تجربة الاستعمار في المنطقة.
ألا يُعتبر دخول قوة عظمى كروسيا وقتالها لصالح النظام حاسماً للصراع؟
لا تستطيع روسيا حسم الصراع. حاولت أميركا فعل هذا في العراق وأفغانستان وفشلت. لا أعتقد أنّ روسيا أقوى أو أغنى من الولايات المتحدة. على العكس، روسيا لا تملك الكثير مما تملكه الولايات المتحدة سواء على الصعيد العسكري أو في تجربة بناء المؤسسات السياسية وصياغة الدساتير، ومع هذا فشلت في العراق وأفغانستان. روسيا رمت بثقلها كاملاً في العام 1979 خلف النظام الشيوعي في أفغانستان، وماذا حصل بعد ذلك؟
ما هي فرص تقسيم سورية على أسس طائفية بعد التدخل الروسي؟
الدخول العسكري الروسي وتمركزه على الساحل الغربي، مركز ثقل النظام، ينبئ أن الروس يرون إمكانية تقسيم سورية، ويريدون أن يكونوا حاضرين مع الأسد للاستيلاء على هذه المنطقة. إعلانهم أنهم يريدون محاربة داعش، أمر مشكوك به. للأسف، إمكانية تقسيم سورية مطروحة. الإيرانيون يريدون التقسيم، لأنّهم لا يستطيعون الاستمرار إلا بضعف العراق وسورية، والضعف يؤدي إلى التقسيم.
أعتقد أن معظم الشعب السوري ضد التقسيم. التاريخ السوري الحديث يثبت هذا الشيء، لكن الدمار والطائفية التي دخلت سورية أوصلت الناس إلى حالة من اليأس، دفعت البعض إلى القبول بالأسد، أو حتى بداعش. ومن هنا، سيأتي من يقول إنه يقبل بالتقسيم بسبب رداءة الأوضاع.
اقرأ أيضاً: التصعيد الإيراني ضد السعودية: أكبر من إعادة جثامين منى
من المتمسك بالأسد، إيران أم روسيا؟
بالنسبة لإيران، الأمر غير قابل للنقاش، فهم متمسكون بالأسد، ولا يريدون أن تحكم الأغلبية السنيّة، سورية. ويعتقد الإيرانيون أن حكم السنّة لسورية يعني خروجهم منها، وبالتالي سينتهي حزب الله في لبنان.
ماذا عن التنسيق الروسي الإسرائيلي في سورية، خصوصاً في ظل الضربات التي وجهت إلى قوات النظام في القنيطرة من الجانب الإسرائيلي؟
اللطيف في التطورات الأخيرة (ساخراً)، أن انتقال مظلّة حماية الأسد من الإيرانيين إلى الروس، جاء بمباركة كل ما يسمى بأقطاب الممانعة، كما جاء بمباركة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فالتقت الممانعة مع الإسرائيليين في هذا. إسرائيل تلتقي مع الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله في بقاء الأسد، كما أنّها لا تريد تيارات إسلامية متطرفة تستولي على سورية وتدخل في صدام معها، أو تُفرَض عليها مواجهتهم. في نهاية المطاف، لا يهم إسرائيل أن يتم التوصل إلى حلّ، هي تريد فقط ضمان ألا ينتقل السلاح الروسي المرسل لدعم النظام السوري إلى حزب الله.
أشرت سابقاً، إلى أن سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما أدت إلى خروج الولايات المتحدة من لعبة التوازنات في المنطقة، لكن وضع سورية بشكلها الحالي، هو المثالي بالنسبة لأميركا وإسرائيل، وهذا ينطبق على العراق، بمعنى أن ما يحدث فعلياً غير بعيد عن المطامح الأميركية، كيف تفسّر هذه النقطة؟
تسبّبت الولايات المتحدة بفراغ كبير في الشام ومنطقة الهلال الخصيب، حين تركت المنطقة لإيران ومن ثم روسيا، حتى أعلن العراق تحالفه مع روسيا، وأُعلن عن مركز في بغداد للتنسيق بين الإيرانيين والروس والسوريين والعراقيين. الولايات المتحدة في عهد أوباما، خرجت من الهلال الخصيب والشام، لكن هذا لا يعني أنّها خرجت من التوازنات الإقليمية في المنطقة ككل. هي موجودة في مصر والخليج والمغرب العربي، وفي البحار على أي حال.
هل يمكن أن يغيّر تدخل روسيا المباشر في المنطقة، خطط أميركا في العراق وسورية؟
ممكن. خطط أميركا تجاه المنطقة ستتغير بعد رحيل إدارة أوباما. هناك شعور في الولايات المتحدة أن السياسة الخارجية للرئيس جيدة من ناحية أنّها أخرجت أميركا من المغامرات العسكرية السابقة، لكنّها أيضاً أضعفت الموقف الأميركي على المستوى الدولي، من ناحية أخرى.
ألا تعتبر تحركات أميركا الاستراتيجية مقدمة لانكفائها؟
تخسر في هذه الحالة. أميركا دولة كبرى، يعتمد اقتصادها على الاقتصاد العالمي، وجزء كبير من الضرائب الأميركية يأتي من شركاتها العابرة للقارات. انكفاء أميركا عالمياً سيؤثر في اقتصادها. وفي هذه الحالة، يمكن أن تأتي شركات أخرى روسية، أو فرنسية، أو من دول أخرى، لتملأ الفراغ الذي يخلفه تراجعها. كان يمكن معالجة الاندفاع الكامل لإدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن ومغامراته، من دون التأثير على موقف الولايات المتحدة الدولي. تملك هذه الأخيرة اليوم، نموذجين واضحين، أوباما، وبوش الابن. لكن لدينا أيضاً نموذج ثالث، وهو الرئيسان الأميركيان الأسبقان، جورج بوش الأب وبل كلينتون، اللذان لم يغامرا أبداً، واعتمدا على تدخلات محدودة.
تعتقد أن لا حل في سورية من دون العراق أو العكس؟
يجب أن يكون هدف الدول العربية، خصوصاً السعودية، إخراج إيران من المنطقة. يبدأ الحل بإخراج إيران من سورية، باعتبار أنّ الأغلبية عربية، بما فيهم العلويون ضد الوجود الإيراني، والدليل، أن إيران فشلت هناك. وجاء تدخل روسيا كنتيجة لفشل إيران. الجيش السوري المدعوم بالمليشيات العراقية واللبنانية والحرس الثوري الإيراني والإمدادات الروسية، فشل في القضاء على الثورة. والرئيس السوري نفسه، اعترف أنّه يعاني في تجنيد الشباب، وأنه قد يضطر للتخلي عن مواقع من أجل الحفاظ على مواقع أخرى. يعني أنّ هناك أغلبية ساحقة من السوريين تريد سورية مختلفة عن سورية الأسد وترفض الحضور الإيراني. إذاً، الحل يبدأ من هنا.
كان من السهل نسف المشروع الإيراني الطائفي في المنطقة، من خلال سحب الورقة الطائفية منها وتعريتها، وبناء دولة وطنية تعلو على الطائفية، ولم يحدث هذا بسبب أزمة الحكم التي تعيشها الدول العربية منذ الاستقلال.
يظهر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي غير معني بالتمدد الإيراني ولا بمواجهة مليشياته، كما يتقارب مع الأسد في سورية بما لا يواكب سياسات دول الخليج التي تدعمه. لماذا يتمسك بهذا الخط؟ ولماذا يقبل الخليجيون ببقاء مصر مرتبكة تجاههم؟
لا أعتقد أن مصر تتفق مع إيران، كما أنّها ليست ضد السعودية. يبدو لي أن الموضوع أكثر تعقيداً. هناك في مصر عقدة لم تخرج منها منذ الستينات، وهي أن مصر هي قائدة الأمة العربية. لا يدرك الأخوة المصريون أن العالم العربي لا يمانع أن تقوده مصر. مصر دولة كبرى ولها تاريخ، وإذا أرادت أن تحتل مركز القيادة، فهي مؤهلة لهذا. لكنها اليوم، لم تتقدم للقيادة، ولا تريد أن تدع الآخرين يفعلون هذا. هي في حالة ارتباك سياسي كامل، لأنها لم تخرج من عباءة العسكر منذ العام 1952، كما أنها ضعيفة اقتصادياً.
اقرأ أيضاً: غطاء روسي للاجتياح: أنباء عن هجوم إيراني سوري شمالاً
ما علاقة عدم اعتراف المصريين بتراجع دورهم، بامتلاكهم رؤية مخالفة للخليج تجاه المنطقة؟
يبدو لي أن المصريين يعتقدون أن تبنيهم للرؤية الخليجية للأحداث، يعني اعترافهم بانتهاء دورهم في المنطقة. هنا دخول للعامل النفسي في السياسة. فهم لا يريدون أن يعترفوا بتراجع دورهم، ولا يريدون أن يصطدموا بالسعودية، لأنهم بحاجة إلى دعمها المالي والسياسي. كما أن مصر لا تريد الاصطدام بإيران، حتى لا تسلم بصحة رؤية السعودية والخليج للصراع. من ناحية أخرى، السعودية لا تحتمل انهيار مصر أبداً، وهي رؤية استراتيجية، خصوصاً بعد انهيار التوازن في المنطقة الذي كان قائماً على السعودية ومصر والعراق وسورية.
تؤكد على أن أبرز أهداف "عاصفة الحزم" هو نزع سلاح الحوثيين، في الوقت الذي تمّ التأكيد على أن الهدف هو إخضاع الحوثي للشرعية. ألا تعتقد أن نزع السلاح أمر شبه مستحيل؟
لا يمكن إخضاع زعيم جماعة "أنصار الله" في اليمن، عبدالملك الحوثي للشرعية، وهو يملك السلاح. المشكلة ليست في وجود الحوثي، لأنه طرف ديني لا سياسي، فاسم الحوثي اسم عائلة دينية، ووجوده لأسس دينية، بل المشكلة في امتلاكه للسلاح وتأسيسه مليشيا خارج الدولة.
لكن المشكلة مرتبطة بضعف الدولة المركزية في اليمن، فالسلاح منتشر قبل الحوثي؟
صحيح، لكن الأمر مختلف هنا. هناك فرق بين السلاح الفردي الخفيف والأسلحة المتوسطة والثقيلة التي يجب على الحوثي تسليمها للشرعية. كما أن هناك فرقاً بين تسلح الأفراد وبين تأسيس مليشيا. السعودية لن تكرر خطأ القبول بمليشيا مسلحة في اليمن، كما قبلت بوجود حزب الله من قبل في لبنان.
كتبت في بدايات 2013 أنه يجب عدم التسرع في الحكم على الربيع العربي بالفشل، وأن الثورات العربية ساهمت في تأكيد مفهوم الدولة الوطنية، كيف ترى "الربيع العربي" اليوم؟ وهل لا تزال مصرّاً على رأيك؟
لا زلت مصرّاً على هذا الكلام، لأن هذ الثورات هي أضخم حدث في المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى، وتداعياته أضخم حتى من تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي، أو الصراع الذي يدور الآن مع إيران. الربيع العربي طرح فكرة الفرد، والدولة المدنية، وأسقط جدار الخوف عند الشعوب من الأنظمة السياسية، وتسبب في هزّها، ووضع الإسلام السياسي لأول مرة في حالة دفاع لم يعرفها من قبل، بل يكاد الإسلام السياسي أن يتداعى اليوم بسبب الربيع العربي. كثيرون ينعون الربيع العربي، ويرونه حدثاً سلبياً، ويقولون إنه تحوّل إلى شتاء. نعم لقد تحول إلى شتاء، لكن التغيرات التاريخية الضخمة تتم بهذه الطريقة. تغيُّر بهذا الحجم في المجتمع والفكر السياسي والثقافي، لن يحدث بسهولة.
يتم هجاء الربيع العربي باعتباره أنّه أدى إلى انهيار الدولة في المنطقة، كانت الدولة تحتكر العنف، والآن أصبحنا مرتهنين لمليشيات
في الحقيقة، لم تنهر الدولة حتى الآن، ما انهار هو الأنظمة السياسية. والأنظمة هي التي أضعفت الدولة، وجعلتها عرضة للهزة التي حدثت. لو كان هناك بنى ومؤسسات دولة في العالم العربي، ربما لم نكن بحاجة إلى هذا الربيع أساساً. هذا الأخير، هو نتيجة تجربة الأنظمة السياسية نفسها. خطاب الثورات موجّه للنظام السياسي، واختزل بالشعار الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام". عندما نزلت الجماهير إلى الشارع، اختزلت مشكلتها في النظام السياسي، والمشكلة أكبر من ذلك. لكن هذا الاختزال طبيعي، لأن الأنظمة السياسية هيمنت على كل نواحي الحياة. ما حصل على مدى تاريخ تطور النظام السياسي العربي، أنّ سلطات الدولة تم اختزالها في السلطة التنفيذية، والتي هيمنت على السلطتين التشريعية والقضائية، إذ أصبح جهازاً أكبر من الحكومة وأقل من الدولة، ما أدّى إلى تشويه بنية الدولة في المنطقة.
اقرأ أيضاً: السيسي وعرض "وكيل السلام": تنازلات غير مسبوقة