ولعلّ موقف المعلقين ينطلق من نتنياهو بالذات، والذي كان ترأس من خفّضوا سقف التوقّعات، عندما أعلن يوم الأحد أنه "لا يعتزم تقديم أي تنازلات للجانب الفلسطيني مقابل التهدئة، وأن على السلطة الفلسطينية أن تتحمّل المسؤولية عن تحريضها الكاذب بشأن مخططات تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً". كذلك كرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية الاتهامات عينها، خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يوم الثلاثاء، مدّعياً بأن "إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تحافظ على حرية العبادة في الشرق الأوسط".
في غضون ذلك، واستباقاً لأي "تنازل" محتمل من قبل نتنياهو، أو رضوخه للضغوط الأميركية، أعلن وزير الزراعة الإسرائيلي، أوري أريئيل، أحد أشدّ المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، عن حزب "البيت اليهودي"، عن تفضيله الاستقالة من الحكومة على أن يقبل بتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى. مع العلم أن أريئيل كان من مقتحمي المسجد عشية عيد الأضحى.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد رفضت اقتراحاً أردنياً بـ"إعادة صلاحيات المسؤولية عن تنظيم الدخول للمسجد الأقصى للأوقاف الأردنية"، ما دفع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، إلى رفض عقد لقاء ثلاثي يضمّه مع نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، على الرغم من مطالبة إسرائيل بذلك.
اقرأ أيضاً: اليسار الإسرائيلي يزايد على اليمين بدعواته لقمع الفلسطينيين
ويتضح وفق هذا، أن فرص التهدئة أو التوصّل إلى صيغة للتهدئة في القدس، على ضوء الخطوات الإسرائيلية الأخيرة، ضئيلة للغاية، وخصوصاً أن حكومة الاحتلال غير مستعدة، في المرحلة الحالية على الأقلّ، لتهدئة الأوضاع، بقدر ما تريد كسر الانتفاضة الفلسطينية الثالثة. وذلك عبر استخدام قوة الذراع والممارسات الوحشية التي تقوم بها أجهزتها، وعلى رأسها الإعدامات الميدانية للفلسطينيين، والذين يحاولون تنفيذ عمليات ضد الاحتلال، أو من تدّعي إسرائيل أنهم حاولوا القيام بذلك، على الرغم من أن الدلائل والشهادات تثبت عكس ذلك، كما في حالة الشهيد فادي علون، والذي قتله الاحتلال قبل أكثر من أسبوعين تقريباً، عند باب العامود في القدس.
ويعمد نتنياهو منذ يوم الثلاثاء، إلى إعادة توظيف المحرقة النازية، في تكريسٍ جديدٍ لجهله وهو ابن مؤرخ، بحسب انتقادات الصحافة الإسرائيلية له. ويسعى نتنياهو لتدعيم الدعاية الصهيونية بأن "الانتفاضة الجارية هي حملة إرهاب جديدة تنضم إلى موجات إرهاب سابقة تلقتها إسرائيل، قبل احتلال أراضي 1967 وبعد احتلال الضفة الغربية"، لأن الفلسطينيين في الدعاية الإسرائيلية الجديدة، أو قياداتهم على الأقلّ، "مُعادون للسامية".
وفي هذا السياق، حاول نتنياهو، الثلاثاء، اتهام مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، بأنه "هو من زرع فكرة إبادة اليهود وإحراقهم، في رأس (الزعيم النازي أدولف) هتلر، وأن الأخير، كان يريد طرد اليهود من أوروبا فقط". وعندما اعترضت الصحافة الإسرائيلية على دعاية نتنياهو الكاذبة بأن "زيارة المفتي الحسيني لبرلين تمّت في نوفمبر/تشرين الثاني 1941، بينما كان هتلر قد أطلق أول تصريح له بشأن إبادة اليهود في يناير/كانون الثاني عام 1939"، حاول نتنياهو الادعاء بأن "شهادات مساعد أدولف أيخمان (أحد كبار الضباط النازيين أيام هتلر)، تؤكد أن المفتي حرّض مراراً على إبادة اليهود". لكنها رواية ذكرت الصحف الإسرائيلية أن "الباحثين في مجال المحرقة النازية لم يلقوا لها بالاً باعتبارها رواية ضعيفة".
ويوضح تعنّت الاحتلال وإصراره على المضي قدماً في خطوات العزل العنصرية في القدس وتحويل الأحياء الفلسطينية إلى "غيتوهات"، أن نتنياهو، لا يعتزم في المرحلة الحالية، تقديم أي تنازل أو القبول بتهدئة تحت ضغوط أميركية وعربية، بالتزامن مع إلزام الجانب الفلسطيني العمل على خفض ألسنة اللهب. ويخشى نتنياهو من أن تعزّز أي تنازلات كهذه، من قوة معارضيه في اليمين الإسرائيلي، تحديداً حزب "البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بينيت، وحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة وزير الخارجية السباق أفيغدور ليبرمان، والذي صعّد أخيراً من هجماته ضد نتنياهو، متهماً إياه بـ"الفشل وقلة الحيلة في مواجهة الانتفاضة" ومطالباً إياه بـ"تقديم استقالة حكومته".
ويراهن نتنياهو مع ذلك، على البيان الأخير للخارجية الأميركية، والذي يشير إلى أن "الإدارة الأميركية تُقرّ بحقّ إسرائيل بالدفاع عن نفسها"، وهو ما كرّرته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أيضاً. ويعني هذا بنظر نتنياهو، بمثابة "فسحة زمنية" يمكنه استغلالها لمحاولة كسر الانتفاضة والوصول إلى المفاوضات من مركز القوة، وخصوصاً أن الأوضاع في العالم العربي لا توحي بوجود قوة عربية قادرة على الضغط على إسرائيل. كما ذكرت الصحف الإسرائيلية أمس الأربعاء، أن "النظام المصري أبدى استعداده وتأييده، لضرورة العودة إلى الوضع السائد قبل اندلاع الانتفاضة من دون شروط مسبقة، وحتى من دون دعم الموقف الأردني باستعادة صلاحيات الأوقاف الأردنية في المسجد الأقصى".
اقرأ أيضاً: الأردن يرفض استقبال نتنياهو... حفظ ماء الوجه وتجنّب الإحراج