واصل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الخميس، خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي جون كيري في برلين، التنصّل من جرائم الاحتلال وممارسات حكومته في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبدلاً من ذلك كرر نتنياهو تصريحات اتهم فيها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وحركة "حماس" والحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني بالتحريض على العنف وبث أكاذيب بشأن مخططات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.
يأتي ذلك في إطار اللقاءات التي يجريها كيري لبحث الأوضع في الأراضي الفلسطينية، بعد جولة للهدف نفسه قام بها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في المنطقة. كما يسبق ذلك لقاءً للرباعية بين مبعوثين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، اليوم الجمعة، سيحث الإسرائيليين والفلسطينيين على تهدئة الوضع، وفق ما ذكرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني.
وأمس عاود نتنياهو ادعاءاته بـ"أن التحريض الذي مارسه عباس هو الذي ولّد موجة الإرهاب الحالية" وبالتالي "آن الأوان لأن يوضح المجتمع الدولي لعباس أن عليه وقف التحريض ووقف بث الأكاذيب حول إسرائيل، لأنها معنية بتغيير الوضع القانوني".
فيما أبرزت وسائل إعلام إسرائيلية تصريح كيري ودعوته الطرفين إلى "وقف التحريض والعنف من أجل إيجاد طريق لخلق فرصة لعملية جادة، وهو ما ليس موجوداً اليوم". كما كان لافتاً إعلان كيري أن المحادثات مع نتنياهو أعطته "قدراً حذراً من التفاؤل بأنه قد توجد طريقة لنزع فتيل الموقف والبدء في العثور على طريق للمضي قدماً"، معتبراً أنه "إذا كانت الأطراف تريد أن تحاول، وأعتقد أنها تريد أن تتحرك صوب وقف التصعيد، فهناك عدة خيارات متاحة".
وكشف موقع "والاه" الإسرائيلي عن مصدر في الوفد المرافق لكيري، قوله إن كيري لا يعتزم أن يطلب من نتنياهو التزاماً مكتوباً بشأن المحافظة على الوضع القائم في المسجد الأقصى، وأنه سيكتفي بإيضاحات شفهية من نتنياهو، كمقدمة للقاءات التي يعتزم كيري عقدها في المنطقة السبت، ومن بينها لقاء مع عباس.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، قد أكد منذ مطلع الأسبوع أنه لن يقدّم أي تنازلات للفلسطينيين خلال لقائه مع كيري، لا فيما يتعلق بالوضع في المسجد الأقصى ولا فيما يتعلق بالبناء في المستوطنات. وقد كشفت الصحف الإسرائيلية أمس، أنه في ضوء تهديدات وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أريئيل، الذي يُعتبر أحد كبار المقتحمين للمسجد الأقصى، إضافة إلى أعضاء بالكنيست من حزب "البيت اليهودي"، بأن أي تنازل يعني الاستقالة من الحكومة، فإن حكومة نتنياهو وافقت أخيراً على مشاريع للبناء في مستوطنة يتسهار المعروفة بأنها معقل لأشد عتاة المتطرفين من بين المستوطنين.
اقرأ أيضاً: إسرائيل تخفض سقف التوقعات من جولة كيري في المنطقة
ويتضح من متابعة تصريحات نتنياهو منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية مطلع الشهر الحالي، مقابل خضوعه لنزوات ومواقف الجناح المتطرف في حكومته، أنه غير معني، خلافاً لتصريحاته بشأن استعداده للعودة للمفاوضات من دون شروط مسبقة، بأن يتم تحقيق أي إنجاز في هذا السياق.
واختار نتنياهو بدلاً من ذلك اللجوء إلى التحريض العنصري ضد النواب الفلسطينيين في الداخل وخصوصاً نواب التجمع الوطني (حنين زعبي وباسل غطاس) وضد الحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح، بالمسؤولية عن تفجر الانتفاضة بحجة "تحريض كاذب" بشأن مخططات التقاسم الزماني والمكاني، وذلك بعدما كانت الجهات الأمنية الإسرائيلية قد رفضت الأسبوع الماضي دعواه بأن السلطة الفلسطينية تحرض على العنف، بل أبرزت جدوى التنسيق الأمني. ومع أن نتنياهو تراجع بعض الشيء عن هجومه على عباس والسلطة الأسبوع الماضي، إلا أنه عاد هذا الأسبوع مجدداً إلى تحميله مسؤولية انفجار الانتفاضة، مع استحضار المحرقة النازية، والادعاء الكاذب على مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، رئيس الهيئة العربية العليا في فلسطين، بأنه من زرع فكرة إبادة اليهود لدى ألمانيا النازية.
وشكّلت هذه الهجمات والتصعيد الدعائي لنتنياهو، وخصوصاً ادعاءاته بأن إسرائيل تحافظ على حرية العبادة، غطاء لرفض نتنياهو اقتراحاً أردنياً الأسبوع الماضي بإعادة صلاحيات إدارة المسجد الأقصى لدائرة الأوقاف الأردنية.
كما أن التأييد الأميركي، المعلن بحسب تصريحات صدرت مطلع الأسبوع عن الخارجية الأميركية، بشأن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، زاد من حدة التعنّت الإسرائيلي. ويبدو أن اللقاء بين كيري ونتنياهو، وكعادة السياسة الأميركية في أزمات الشرق الأوسط وتحديداً على المسار الإسرائيلي-الفلسطيني، يأتي لضمان تنسيق المواقف المشتركة من جهة، ونقل المطالب والمواقف الإسرائيلية للأطراف العربية لاحقاً.
وفي موازاة ذلك كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أمس الخميس، أن طواقم أميركية إسرائيلية مشتركة، بدأت أخيراً عملها لبلورة حجم المساعدات الأميركية لإسرائيل. وتبين أنه سيتم زيادة هذه المساعدات بنحو مليار دولار ابتداء من العام 2019 فيما بلغ مجمل المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل في العام الحالي في هذا المضمار نحو 3.1 مليارات دولار.
يأتي هذا في وقت أعرب فيه الأمين العام للأمم المتحدة عن عدم تفاؤله، بعد المحادثات التي أجراها مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين. وزار بان أمس الأردن حيث التقى الملك الأردني عبدالله الثاني. وعند وصوله إلى عمّان، أعرب بان في مداخلة عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع مجلس الأمن الدولي لاحقاً، عن "عدم تفاؤله"، مشيراً إلى الهوة التي تزداد اتساعاً بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بحسب دبلوماسيين شاركوا في الاجتماع.
اقرأ أيضاً: نتنياهو يلتقي ميركل وكيري لبحث سبل "التهدئة"