عكست تداعيات الاعتداء الانتحاري في برج البراجنة (في ضاحية بيروت الجنوبية) الأسبوع الماضي، مناخاً سياسياً إيجابياً تخلّله انفتاح علني بين قطبي الصراع، حزب الله وتيار المستقبل، اللذين دعيا إلى وجوب إيجاد المخارج اللازمة للأزمة السياسية والدستورية المستمرة منذ الشغور الرئاسي (مايو/أيار 2014). بعد موجة التضامن الإنساني العام مع ضحايا التفجير واستهداف المدنيين، جاء موقف الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي كرّر دعوته إلى "تسوية وطنية سياسية شاملة تطاول رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء بعد انتخاب الرئيس، وتشكيل الحكومة المقبلة، وعمل المجلس النيابي، وقانون الانتخاب". وقابل زعيم تيار المستقبل، رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، هذا الموقف بإشارة إلى "النظر بإيجابية لكل توجه يلتقي مع إرادة معظم اللبنانيين في إيجاد حل للفراغ الرئاسي، حيث أنّ مصير الرئاسة هو المدخل السليم لتسوية تعيد إنتاج السلطة التنفيذية".
وضع هذان الموقفان الخطوط العريضة للنقاش الجدي والبحث الفعلي عن مخارج الأزمة اللبنانية. وتشير أوساط رئيس مجلس النواب، نبيه بري، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "بري مستعدّ لمتابعة بذل كل الجهود الممكنة لمتابعة ما سبق وبدأه على طاولة الحوار الوطني"، مع العلم بأنّ الأقطاب اللبنانيين يجتمعون اليوم حول هذه الطاولة بعد أن قرّر بري نقل مكان اجتماعاتها من البرلمان إلى مقرّ الرئاسة الثانية (رئاسة مجلس النواب) في عين التينة في بيروت. وبالتالي أصبح من الممكن وضع بعض الآمال على "الحوار الوطني" وعلى الحوارات الثنائية الأخرى (أهمها حوار حزب الله ـ المستقبل)، خصوصاً مع بروز قناعة لبنانية محلية لدى الأقطاب وأصحاب القرار بأنّ "الاهتمام الدولي بالملف اللبناني قد ينحسر أكثر مما سبق أن انحسر في السنوات الثلاث الماضية"، بحسب ما ينقل لـ"العربي الجديد" عدد من زوار بري. كما أنّ الجهود المحلية ستتركّز على ما اعتبرته الأقطاب "بناء شبكة أمان سياسي" يمكن أن تكون رادعة لأي تطوّر أمني أو حدث أمني قد يطرأ على الساحة اللبنانية، خصوصاً مع إشارة معظم الأطراف الأمنية والسياسية إلى أنّ التهديد الأمني موجود وأنّ لبنان بات هدفاً لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مع تأكيد ضباط أمنيين لبنانيين أنّ "شبكة الأمان السياسي أهم وأقوى من أي عمل أمني وقائي يمكن القيام به"، ما يؤدي إلى القول إنّ الأطراف السياسية انتظرت وقوع مجزرة جديدة لتفهم حجم المأزق، الذي يعيش فيه اللبنانيون سياسياً وأمنياً واجتماعياً وكافة الجوانب الأخرى.
اقرأ أيضاً: تحقيقات تفجيري الضاحية تتقدّم: الأمن اللبناني يكشف شبكة الانتحاريين
اقرأ أيضاً: تحقيقات تفجيري الضاحية تتقدّم: الأمن اللبناني يكشف شبكة الانتحاريين
وعلى المستوى الأمني، دخل الجيش اللبناني أمس على ملف التوقيفات الأمنية المعنية بملف "مكافحة الإرهاب"، إذ أعلنت المؤسسة العسكرية عن توقيف "أربعة سوريين ومصادرة قاذف آر بي جي وبندقية كلاشينكوف وكمية من القذائف الصاروخية والذخائر المختلفة وأعتدة عسكرية متنوعة" إثر عملية دهم نفّذتها قوّة من الجيش في منطقة "وطى المصيطبة" في قلب العاصمة. وكانت التحقيقات الأمنية المتسارعة، التي قامت بها الأجهزة الأمنية اللبنانية "قد خلقت تنافساً إيجابياً في ما بينها"، بحسب ما يقول أحد ضباط قوى الأمن الداخلي لـ"العربي الجديد". فبعد أقل من 48 ساعة على تفجير الضاحية، تمكّن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من توقيف ثمانية أشخاص ضالعين في العملية، منهم مشروع انتحاري فاشل أوقف في مدينة طرابلس (شمالي لبنان) ومموّلون ومهرّبون ومعدّون ومساعدون لوجستيون. كما أوقف جهاز الأمن العام شخصين آخرين متورّطين، الأول شارك في التخطيط للعملية الانتحارية ونقل الانتحاريين إلى لبنان وبين المناطق اللبنانية، والثاني أمّن مبالغ مالية مطلوبة لهذه العملية. وتمّت هذه التوقيفات جراء عمليات دهم عديدة، في الأشرفية (في بيروت) والبقاع والشمال إضافة إلى برج البراجنة نفسها (حيث حصل التفجير)، حيث اعترف الموقوفون بعملهم لمصلحة داعش.
وفي وقت قياسي، بأقل من 48 ساعة، تمكّنت القوى الأمنية من متابعة الشبكة المسؤولة عن اعتداء الضاحية، وتوقيف أعضائها، في حين سبق لوزير الداخلية، نهاد المشنوق، أنّ أشار إلى أنّ "الجيش عثر على عشر سيارات مفخخة وعدد من الدراجات النارية المفخخة في عرسال (شرقي لبنان)"، مع العلم بأنّ أي بيان أو معلومة بهذا الشأن لم تصدر عن قيادة الجيش أو مديرية التوجيه فيه.