لا تزال التجمعات والتظاهرات محظورة في فرنسا، بما فيها تلك المرافقة للدورة الحادية والعشروي للمؤتمر العالمي حول المناخ. ولا تزال آثار الصدمة بادية على وجوه الباريسيين، بكل ما تحمله من قلق تؤججه التصريحات النارية والحربية لمختلف القادة السياسيين الفرنسيين عن الحرب الشاملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
وتلعب هذه التصريحات دوراً سلبياً في منح الفرنسيين شعوراً بانعدام الأمن، وخصوصاً تصريحات رئيس الوزراء مانويل فالس الأخيرة عن احتمال تعرض فرنسا لعمليات إرهابية أخرى، وآخرها ما قاله فالس أمام نواب البرلمان الفرنسي من "وجود خطر سلاح كيماوي أو جرثومي" يتهدد فرنسا، على الرغم من أن الخبراء الفرنسيين يشددون على أن غاز الخردل، والذي توصل خبراء "داعش" الكيماويون إلى تصنيعه، سلاح يصعب نقله لاستخدامه في أغراض عسكرية.
وتبدي السلطات الفرنسية، أيضاً، قلقاً من غاز الكلور السام، وهي تزعم أن تنظيم "داعش" نجح في تصنيعه، وتؤكد أنه من السهل استخدامه.
وإذا كانت بعض المدن، كتولوز، تنظّم اليوم تظاهرة: "ضد البربرية ومن أجل السلام"، فإن باريس لا تزال تحت هول الصدمة، وهو ما دفع مجلسي النواب والشيوخ الفرنسيين لتمديد حالة الطوارئ في عموم التراب الفرنسي لثلاثة أشهر، بما تتضمنه من الإغلاق الفوري لأي موقع إلكتروني تشتم فيه رائحة تقريظ الإرهاب، كما أنه يسمح، من الآن فصاعداً، لرجال الأمن حمل أسلحتهم حتى في الفترات التي يكونون فيها خارج العمل، إضافة إلى مراقبة حدود فرنسا مع جيرانها، وهي "مراقبة ستستمر ما دام التهديد الإرهابي قائماً".
ولا تزال أخبار الاعتقالات المتوزعة على كثير من الدول الأوروبية، والتي تطاول نشطاء وأنصاراً مفترضين للجماعات المتطرفة، تزيد من قلق وغضب الفرنسيين. ولم يكن الهجوم العنيف على فندق في مالي، أمس الجمعة، على الرغم من التواجد العسكري الفرنسي والأميركي والغربي الكثيف في هذا البلد الأفريقي، ليساعد على تهدئة روع الفرنسيين، والذين باتوا يقتنعون أن الحرب ستكون طويلة جداً.
ولا تزال بقايا الملصقات القديمة التي تذكّر بالتظاهرة الضخمة التي عرفتها باريس بُعيْد اعتداءات يناير/كانون الثاني 2015، على التمثال الكبير في ساحة الجمهورية، في باريس، تؤكد للجمهور أن المعركة ضد الإرهاب والتطرف لم تنته فصولها بعدُ. وتبدو الساحة شبه فارغة، إلا من وسائل الإعلام الدولية، وبعض المواطنين الذين يأتون لوضع زهرة أو التقاط صورة ثم ينصرفون.
ثمة خوفٌ يُرى على الوجوه والسحنات، لأن المجتمعات الغربية أصبحت معزولة وفقيرة في مواجهة التهديدات، كما يقول المؤرخ هنري روسو. ولأنه يتوجب على السلطة السياسية، قبل الانزلاق في هذه الحرب المعلنة، أن تقنع مواطنيها بعدالتها والحاجة الماسة إليها.
تحاول فرنسا، وخاصة باريس، أن تبدو واقفة، بعد مرور أسبوع على الاعتداءات، ويحاول بعض الفرنسيين أن يُطمئنوا أنفسهم، وخصوصاً بعد الارتياح "الشعبي" الكبير الذي أعقب مقتل عبد الحميد أبا عود، والذي يفترض أنه العقل المدبر لهجمات باريس. ولكن معظم الإشارات تبيّن هشاشة الوضع، إذ ضاعَف الفرنسيون، وهم المشهورون في أوروبا باستخدام المهدئات، من تناولها. كما أن الاستهلاك أصيب بانهيار كبير، فكبريات المتاجر هجَرَها الزبائن، ولا تزال وسائل النقل العمومية (الميترو والترام والحافلات) شبه فارغة، ويلاحظ ميلٌ من الأطفال لشراء ألعاب نارية، ومن بينها سيارات شرطة من أجل محاربة "الأشرار الإرهابيين".
والخوف الذي ينتشر في باريس لم يستثن الأقاليم الفرنسية الأخرى، فالاعتقالات التي شهدتها مدن فرنسية عديدة، حتى وإن كانت استباقية، تزرع القلق. إضافة إلى أن الفرنسيين يكتشفون أن اعتداءات يناير/كانون الثاني، تبدو هيّنة أمام هول أحداث ليلة الجمعة 13 نوفمبر/تشرين الثاني الطويلة.
اقرأ أيضاً: تركيا تعتقل بلجيكياً استطلع مواقع في باريس لـ"داعش"