انتقدت فالستروم من دون مواربة التدخل الروسي في سورية وقصفه لفصائل المعارضة السورية التي تقاتل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أكثر من ضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ومن ضمن أمثلتها عن أسباب انتشار الإرهاب، ورد اسم إسرائيل كدولة محتلة للفلسطينيين وغياب الأمل عند الفلسطينيين ببقاء الاحتلال وغياب الحل السياسي كواحد من أسباب التوجه نحو التشدد عند الشباب، مضيفة "لو أخذنا الوضع في الشرق الأوسط، لا يمكن إلا المرور على الأقل على وضع الشعب الفلسطيني الذي لا يرى مستقبلاً يحمل أياً من أنواع الأمل. علينا ألا نقبل ببقاء هذا الظرف الذي يدفع نحو اليأس والعنف".
أثارت الجملة الأخيرة دولة الاحتلال ووزارة خارجيتها التي انتقدت فالستروم والسويد، معتبرة "تلك التصريحات معادية، حين تربط بين هذا النوع من الإرهاب في باريس والوضع المعقّد بين الفلسطينيين والإسرائيليين". على الفور، استدعت تل أبيب السفير السويدي لتحتج رسمياً على ما قالته وزيرة خارجية بلده.
رفض أكاديميون وسياسيون سويديون مثل هذه الاحتجاجات الإسرائيلية، معتبرين أنّها "محاولة لتكميم الأفواه عن نقد سياسات دولة احتلال تضطهد شعباً آخر"، بحسب عضو في الحزب اليساري السويدي، كارل اندرسون الذي دافع عن موقف بلاده من الاحتلال في حديث لـ"العربي الجديد".
وعلى الرغم من الاجتماع الذي عُقد، الإثنين الماضي، مع السفير المستدعى إلى خارجية تل أبيب، بقيت العلاقة متوترة وذهب بعضهم لاتهام فالستروم بـ"معاداة السامية". الغضب الإسرائيلي من دولة السويد ليس وليد الأمس. هو تاريخ ممتد عبر حكومات متعاقبة سواء في ستوكهولم أو دولة الاحتلال. فالحزب الديمقراطي الذي تنتمي إليه وزيرة الخارجية السويدية، وتُتّهم مع غيرها بأنها على يساره، هو أيضاً يثير لوبيات اليمين المتشدّد الذي تدفعه مواقف كثيرة لتأييد دولة الاحتلال في معظم دول الشمال، مثلما هو الحال مع قيادات حزب "الشعب" المتشدّد في الدنمارك وديمقراطيي السويد في ستوكهولم.
اقرأ أيضاً وزيرة خارجية السويد : اعترافنا بفلسطين يتماشى والقانون الدولي
تاريخ من التوتر
لم يعرف الفلسطينيون في مخيمات اللجوء في لبنان وسورية وفوداً شبابية تزورهم في أواخر سبعينيات القرن الماضي، مثلما عرفوا السويديين في عصر رئيس الوزراء السابق، زعيم حزب العمل الاجتماعي الديمقراطي، أولف بالمة، اليساري الجريء بمواقفه الداخلية والخارجية في السياسة وقضايا الحق والعدالة حول العالم وعلاقاته الواسعة بحركات التحرر حول العالم.
شكّل بالمة صداعاً لدولة الاحتلال وواشنطن. انتشر نفوذه بين أحزاب الديمقراطيين واليسار في دول الشمال بعد إعادة انتخابه عام 1982. دعا عام 1983، الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات إلى زيارة السويد، ما أثار المزيد من الغضب عليه. حتى هذا اليوم، لا تزال قصة اغتيال بالمة، وهو لا يزال في منصبه في 28 فبراير/شباط 1986، عند خروجه من السينما برفقة زوجته، تطرح الكثير من الأسئلة، ولا يُخفى بأنّ بعض الشيوعيين واليساريين لا يزالون يتّهمون واشنطن باغتياله.
عام 2004، اندلعت أزمة دبلوماسية بين السويد وإسرائيل، عندما قام السفير الإسرائيلي في متحف الفنون التاريخية في ستوكهولم آنذاك، زافي مازيل، بتخريب عمل فني اعتبره "مستفزاً"، كان عبارة عن بركة دماء وصورة استشهادية فلسطينية على زورق صغير تبحر في البركة (هنادي جرادات) مبتسمة، وكأنه إشارة إلى ما كان يقوم به الفلسطينيون، أو هكذا فسّره السفير. غضب الفنانون السويديون واستدعي مازيل إلى الخارجية السويدية، لكن حكومته دعمت تصرفه الذي وصفه الفنانون والصحف بتصرف "أحمق لا يحترم قيمة الفن حين هاج كالثور ليخرب العمل الفني"، بحسب تعبير الصحافة السويدية في تلك الفترة.
قاطعت تل أبيب مؤتمراً دولياً عن "إبادة الشعوب"، بعد أشهر، كاحتجاج على عدم وقف المعرض المشار إليه في المتحف، لكن أحد المسؤولين في وزارة الخارجية، آنا لارسون، قالت حينها، "التصرف الذي قام به السفير أمر غير مقبول والمعرض سيبقى قائماً".
عام 2009، تعمّقت الأزمة، حين كشفت صحيفة "أفتونبلاديت"، عن أنّ دولة الاحتلال تقوم بالاتجار بالأعضاء البشرية للشهداء الفلسطينيين. أثار التحقيق جنون تل أبيب، واتهمت السويد مجدداً بـ"العنصرية ومعادية للسامية"، بل وطالبت بسحب التحقيق من الصحيفة وعدم بقائه متاحاً للعامة. حينها، قال وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرلمان جملته الشهيرة، "هذه عنصرية ومعاداة للسامية وهو أدى في السابق إلى تعريض اليهود للعنف حول العالم"، قاصداً صدور حقائق صحافية عن دولة الاحتلال وممارساتها.
اقرأ أيضاً: إسرائيل تستدعي سفيرها لدى السويد احتجاجاً على اعترافها بفلسطين
في ديسمبر/كانون الأوّل 2012، استدعى وزير خارجية السويد، كارل بيلت السفير الإسرائيلي إلى الخارجية، موضحاً أنّ الحكومة السويدية تنتقد وبشدة قرارات تل أبيب بتوسيع الاستيطان والمضي بالسياسات ذاتها التي لا تخدم العملية السلمية". عبر موقعه الرسمي، ندّد بيلت بما سماه "عمليات الانتقام من الفلسطينيين بعد تصويت الأمم المتحدة ضد ممارسات تل أبيب". احتجاز عوائد الضرائب الفلسطينية عمل غير شرعي، مثلما هو الاستيطان حول القدس غير شرعي أيضاً وسيؤدي لتأزيم الوضع".
موقف دفع وزير خارجية الدنمارك الأسبق، الاشتراكي فيلي سوندال، إلى اعتبار "كل التصرف الإسرائيلي غير شرعي في أراضي الفلسطينيين المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وفقاً لما جاء في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أخيراً، واعتبار فلسطين دولة مراقبة لا يستدعي مثل هذه العمليات الانتقامية منها".
وما يفسّر التوتر القائم بين السويد ودولة الاحتلال، يكمن في القيمة الكبرى التي يعطيها السويديون كشعب لمسألة حرية الرأي والتعبير، والوقوف مع القضايا العادلة، منذ ستينيات القرن الماضي، وفي أوج حرب أميركا في فيتنام، والاستمرار بتفهم القضية الفلسطينية بشكل عميق لدى النخب وعامة الشعب. كما أنّ وجود جالية فلسطينية كبيرة منتشرة بين السويديين يدفع أحياناً اللوبيات اليهودية إلى افتعال قضايا صادمة مع السويديين.
اليوم، تبقى المواقف الرسمية السويدية، وخصوصاً في ظل حكم اليسار ويسار الوسط غير مبشّرة بالنسبة لدولة الاحتلال، مثلما هو غير مريح لها انتشار عملية مقاطعة البضائع الإسرائيلية ونشاط حركة المقاطعة لتشمل إسرائيل على كل المستويات. وربما كان السويديون من أوائل الشعوب الأوروبية التي كانت تنبّه لمسألة المقاطعة قبل أن تنطلق منذ أقل من عقدين.
وكانت الكوفية الفلسطينية تنتشر في صفوف الشعب السويدي كمؤشر على حالة ثورية وتأييد للشعب الفلسطيني بما لا تريد إسرائيل رؤيته، وهي التي لم تستطع على الرغم من كل ما صبّته من جهود، أن تعكسه حتى لدى الجيل الجديد الذي لم يعاصر اليساريين الأوائل في السويد، لكنهم يسيرون على الطريق ذاته على الرغم من تقدم اليمين المتشدد بالنسبة لقضية المهاجرين، إلّا أنّ الوجود الفلسطيني القديم والمندمج في السويد، لا يمكن أن يؤثر عليه التهويل اليميني أو لوبيات إسرائيلية.
اقرأ أيضاً فشل مشروع نتنياهو الديمغرافي: تراجع نسبة المستوطنين في الضفّة