وصعّد وزير الدفاع الأميركي، في كلمته أمام مؤتمر دفاعي نظمه البنتاغون، حدة لهجته تجاه روسيا، قائلاً، إنها تبدو عازمة على أداء دور المُفسِد وخرق النظام الدولي. وأشار كارتر إلى أن "التنظيمات الإرهابية مثل داعش تبدو مصممة على إلحاق الضرر بالقيم الغربية، ولكن هناك تحديات أخرى أكثر تعقيداً وأكبر حجماً وقدرة على إلحاق الضرر بأمن الولايات المتحدة وحلفائها"، في إشارة منه إلى روسيا.
وتعهد الوزير الأميركي بمواجهة ما وصفه بـ"الاستفزازات الروسية" عن طريق تبني أساليب مبتكرة لحماية الولايات المتحدة وتعزيز النظام الدولي. وقال كارتر، إن روسيا تنتهك السيادة في أوكرانيا وجورجيا وتحاول جاهدة تخويف دول البلطيق، ولم تكتف بذلك، بل كان تدخلها في سورية بمثابة صب الزيت على نار الحرب الأهلية السورية.
اقرأ أيضاً الخطة الأميركية الجديدة: قوات خاصة بريّة وطائرات ودعم "الأصدقاء"
وفي إشارة إلى عدم الثقة في التصريحات الروسية عن عزم موسكو محاربة "داعش"، قال كارتر إن "موسكو تغذي التطرف على الرغم من أنها تزعم معارضته".
في المقابل، كان وزير الدفاع الأميركي حريصاً على التأكيد أن بلاده لا تسعى إلى جعل روسيا عدواً، لكنه أكد، في الوقت نفسه، أنّ الولايات المتحدة "ستدافع عن مصالحها وعن حلفائها، وعن النظام الدولي القائم على المبادئ، والتعايش الإيجابي بين الجميع". كما تعهد بشنّ حملات إعلامية على روسيا وتعزيز العقوبات الاقتصادية المؤثرة.
وكشف كارتر أن "البنتاغون" يسعى إلى إيجاد سبل مبتكرة لردع الاعتداءات الروسية وحماية حلفائها، مشيراً إلى أن روسيا لم تزعج الولايات المتحدة بتدخلها في سورية، بل إنها تقوم كذلك بأنشطة مزعجة أخرى بحراً وجواً وفي الفضاء الإلكتروني. وأوضح أن استعراض روسيا للقوة النووية يثير تساؤلات إزاء التزام القادة الروس بالاستقرار الاستراتيجي واحترامهم معايير عدم استخدام الأسلحة النووية، ومدى احترامهم الحذر الشديد الذي أبداه القادة السابقون تجاه التلويح بالسلاح النووي.
وأكد كارتر أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة مع روسيا، غير أنه حذر من أن واشنطن ستدافع عن مصالحها وحلفائها والنظام الدولي المبدئي. وفي وقت لاحق، أعلن كارتر عبر شبكة التلفزيون الأميركية "ايه بي سي" أن الولايات المتحدة قد ترسل مزيداً من الجنود إلى سورية لمحاربة تنظيم "داعش" في حال وجدت واشنطن مزيداً من القوات المحلية الراغبة في محاربة الجهاديين والقادرة على ذلك. لكن كارتر أشار إلى صعوبة "العثور على مجموعات من هذا النوع، وهذا ما يجعل الأمر يأخذ بعض الوقت".
ولا يمكن فصل تصريحات كارتر عن النظرة الأميركية، وحتى في باقي دول حلف شمال الأطلسي للدور الروسي المتصاعد، وصولاً إلى حد استفادته من تنظيم "داعش". وهو ما توقف عنده التقرير الذي نشرته مجلة "ناتو ريفيو"، الرقمية الصادرة عن حلف شمال الأطلسي، الأسبوع الماضي، وتضمن تحليلاً مطولاً عن أيديولوجية تنظيم داعش "الأممية"، وكيف استفاد منها الروس لمناهضة الشعور القومي في شمال القوقاز. كما بين الفوائد الخفية التي لا يزال بوتين يجنيها من "عدو شرير"، سهّل له نقل المعركة مع العناصر الجهادية الشيشانية من روسيا إلى سورية.
كتب التقرير أستاذ التاريخ في جامعة انديانا الأميركية، ديمتري شلابنتوك، المعروف أنه يتبنى آراءً جريئة. وقد أطلق في التقرير المشار إليه وجهات نظر مختلفة جذرياً عن الاعتقاد السائد بين المراقبين الغربيين أن نشوء تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" شبيه بنشوء البرابرة في القرون الوسطى. ورأى كاتب التقرير أنه من الأجدى للباحثين مقارنة "داعش" مع الحركات الثورية العنيفة في العصر الحديث، ولا سيما الثورة البلشفية في روسيا 1917. ويستند التقرير في هذه المقارنة إلى "الأممية" التي اعتبرها صلة الوصل بين عقيدة "داعش" وأيديولوجية البلاشفة، معتبراً أن تنظيم "داعش" عالمي التوجه، يستوعب الناس بعيداً عن الحسابات العرقية أو العنصرية أو مكان الميلاد. ومن المفارقات، أن هذا الجانب من سمات "داعش" كان له "آثار إيجابية" بالنسبة لروسيا، من وجهة نظر الكاتب. وأوضح التقرير أن تنظيم "داعش" ساعد بطريقة أو بأخرى على تفكيك التهديد الداخلي الأصولي في روسيا، وفتح الطريق أمام "المجاهدين" للتوجه إلى سورية و، في ذات الوقت، تقديم الفرصة لموسكو على طبق من فضة للانخراط ميدانياً في مشكلات الشرق الأوسط.
وبحسب التقرير، اعتمدت استراتيجية بوتين على تشجيع هجرة العناصر الجهادية من بلاده إلى الأراضي التي يسيطر عليها "داعش" مستفيداً من ترحيب التنظيم بالأجانب، الذي قارنه بحب البلاشفة لهم في العهد السوفييتي. ودعا التقرير إلى عدم الاستهانة بهذه الجزئية نظراً للعدد الكبير من المجاهدين المتجهين إلى الأراضي التي يسيطر عليها "داعش"، إذ وصل عددهم إلى بضعة آلاف من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق شهرياً. وبين هؤلاء يتوجه شهرياً المئات من مسلمي آسيا الوسطى، ومئات آخرون من المناطق المسلمة في قلب روسيا مثل تتارستان وبشكيريا. ومع ذلك، فإن الأغلبية العظمى تأتي من شمال القوقاز الروسي، لا سيما الشيشان.
وفي رأي الباحث، فإن هذا يعود بالفائدة على الكرملين إلى حد كبير، في التخفيف من المشاكل التي عانى منها الرئيس الروسي السابق، بوريس يلتسين ثم فلاديمير بوتين. وعلاوة على ذلك، فقد وفّرت هذه الهجرة لبوتين الفرصة للانخراط العسكري في سورية من دون خوف من العواقب المحتملة داخلياً في شمال القوقاز الروسي.
ودعا استاذ التاريخ السياسي في تقريره إلى عدم تصديق التصريحات الروسية، أن التدخل في سورية يأتي خوفاً من "داعش"، بل لتوجيه رسائل سياسية مهمة، ليس فقط للولايات المتحدة بل إلى العرب والأوروبيين وإسرائيل، أنه إذا كانت واشنطن مترددة في حماية حلفائها فإن موسكو لن تتردد في خوض المغامرة. ويرى التقرير أن موسكو أرادت من دخول سورية محاولة العودة إلى المعسكر الغربي وليس محاربة الغرب، أما زيادة غزل بوتين للصين وإيران، فإنه يعكس رغبة روسية في مخاطبة الغرب، أن موسكو لديها خيارات أخرى، وليست علامة على توجه آسيوي لبوتين.
ومن خلال الانخراط في سورية، فإن بوتين يسعى إلى أن يثبت لأوروبا أن روسيا يمكن أن تكون قوة رائدة في إنقاذ أوروبا والحضارة الغربية من خطر العنف والتطرف الإسلامي، وأن موسكو لهذا السبب لا ينبغي نبذها، بحسب التقرير.
وتبدو موسكو واثقة بما فيه الكفاية من بقائها في الشرق الأوسط فترة طويلة، وأنها ليست متحمسة لحرب باردة جديدة مع الحكومات الغربية، بل إنها تواقة للتعاون مع القوى التي تحترم مصالحها. وخلص التقرير إلى القول، إنّ العواصم الغربية لديها خطط أخرى خاصة بها قد تتعارض مع خطط موسكو في ما يتعلق برسم مستقبل الشرق الأوسط، والتأثير في مسار الأحداث، وبالتالي فإن الصدام وارد في أي لحظة.
اقرأ أيضاً تناقضات أميركية في الخطة الجديدة ضد "داعش":تو رّط برّي مجدداً؟